الدولة العربية القطرية.. هل هي الداء؟ - دوريات عربية - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 2:11 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الدولة العربية القطرية.. هل هي الداء؟

نشر فى : الجمعة 5 نوفمبر 2021 - 8:35 م | آخر تحديث : الجمعة 5 نوفمبر 2021 - 8:35 م
نشرت مجلة المستقبل العربى التابعة لمركز دراسات الوحدة العربية مقالا للكاتب منير شفيق يرى فيه أن الدولة القطرية وتركيز كل دولة عربية على تحقيق مصالحها الذاتية قد تكون من أحد أسباب انهيار وتراجع الوضع العربى والنظام العربى العام.. نعرض منه ما يلى:
يقول الكاتب فى بداية مقاله إن إلقاء نظرة على تاريخ العرب، منذ الخمسينيات حتى اليوم، كفيل لنلاحظ أن الذى قاد الوضع العربى خلال هذه الفترة هو الدولة القطرية العربية الذى رفرف فوقها علم الاستقلال. وأقيمت جامعة الدول العربية ومجالسها وقممها لتستهدف، كما كان مفترضا، تحقيق عمل عربى مشترك، والتقدم بصيغ عمل مشترك، ولكنها وضعت على الرفوف ليعلوها الغبار، ولم تعرف إحداها طعم التطبيق والتنفيذ.
لم يشهد هذا التاريخ غير لحظات عابرة من تضامن عربى، أو تشارك دفاعى فى مواجهة ما شنه الكيان الصهيونى من عدوان، وما ثبته من وجود وتوسع. وكانت تلك «اللحظات» تنتهى إلى هزيمة أو فشل. طبعا أولا بسبب ما وفرته بريطانيا وأمريكا، والغرب عموما، من دعم عسكرى متفوق للجيش الصهيونى، ومن تحكم مباشر، وغير مباشر، فى التسلح العربى، فضلا عن الهيمنة والضغوط السياسية. ثم ثانيا بسبب عدم توفير عمل عربى جدى مشترك تذهب إليه الدولة القطرية العربية.
ويستطرد الكاتب قائلا: إن الأمر كان مماثلا بالنسبة إلى كل صيغ العمل العربى المشترك فى أى من المجالات الاقتصادية، أو التنموية، أو الثقافية، أو العلمية. ولم تختلف الحال حتى على مستوى تسهيل مرور الأفراد، أو البضائع، ما بين الدول العربية. فكان قرار الدولة القطرية العربية سلبيا جدا، أو سلبيا عموما، إزاء أى عمل عربى مشترك. وهو ما شكّل سببا أساسيا فى فشل التنمية، مثلا، حتى على مستوى القطر العربى الواحد، وحال دون تحقيق أى من أهداف التحرر والاستقلال والنهوض والوحدة وتحرير فلسطين.
ولذلك يقول الكاتب باختصار إن الدولة القطرية العربية الحديثة، طوال تاريخها، هى التى قادت دولتها منغلقة على نفسها، وهى التى قادت الوضع العربى العام، بما فى ذلك العلاقة بالخارج الدولى، أو المواجهة مع الكيان الصهيونى.
لذلك يجب أن تعد الدولة القطرية العربية، هى المسئولة عن كل ما حدث فى الماضى، ويحدث الآن، للوضع العربى العام، كما للوضع الخاص فى كل منها. ومن ثم ليس من الصحيح البحث عن أسباب ذاتية تعفيها من هذه المسئولية، بعد مسئولية موازين القوى العالمية، والتدخل الخارجى، ووجود الكيان الصهيونى. ومن ثم أيضا، ليس من الصحيح تحميل المسئولية لحركة التحرر العربى أهدافا وممارسة، أو لصيغ العمل العربى المشترك من تضامن، أو تكامل، أو سوق مشتركة، أو حتى تعاون بأدنى درجاته. فهذا كله لم تتح له أن يقود، أو يتحقق بصورة جيدة، أو عملية قط. فالدولة القطرية هى التى فرضت قيادتها، وما اعتبرته مصلحتها ورؤيتها على كل ذلك التاريخ.
يقول الكاتب إن هناك لحظة فى التاريخ العربى من الممكن أن نستثنيها تمثلت بوحدة مصر وسوريا 1958ــ 1961. ولكنها (الدولة القطرية) سرعان ما انقضت عليها، فى ظل ضغوط خارجية وصهيونية وإقليمية، وقطرية عربية، لتفرض انفصالا مديدا. وأما مصر الشقيقة الكبرى النزّاعة للقيادة والوحدة، كما عبر عن ذلك جمال عبدالناصر، مثلا، دمر الضغط الخارجى والقطرى العربى والكيان الصهيونى خطها الوحدوى وعادت مصر دولة عربية قطرية منكفئة على ذاتها.
•••
لذلك، يرى الكاتب مما تقدم ضرورة وضع الدولة العربية القطرية فى قفص الاتهام. وتقديم دعوى ضدها بالمسئولية عن كل ما واجهته الأمة العربية من فشل، أو من انهيار راهن للنظام العربى، أو من أزمات فكرية واجتماعية، أو استبداد، أو تخلف، أو إخفاق أو تنازلات وتفريط، فى مواجهة الكيان الصهيونى والهيمنة الخارجية، مع المرور بما وصلت إليه بعضها من اعتراف بالكيان الصهيونى، أو هرولة تطبيعية مجانية، أو هروب حتى من دعم المقاومة الشعبية ضد الاحتلال والاستيطان، وتهويد القدس، وانتهاك المقدسات الإسلامية والمسيحية، ولا سيما المسجد الإبراهيمى فى الخليل والمسجد الأقصى.
من جهة يرى الكاتب ضرورة وضع الدولة القطرية فى قفص الاتهام بسبب انفرادها فى قيادة الوضع العربى العام، وقيادة قطرها بعيدا من أية علاقات عربية بينية، وإنما قطر «خارج». أما من جهة أخرى، فالمطلوب من «المحاكمة» أن تكشف الطبيعة والسمات العامة المشتركة لدولة التجزئة النزّاعة ضد أدنى أشكال التعاون والعمل المشترك، بعضها بسبب الضغوط الخارجية والإقليمية، والكيان الصهيونى، لتكريس الانفراد القطرى، وبعضها بسبب ما ولدته التجزئة من تناقضات ما بين الأشقاء: ميل الأكبر لاحتواء الشقيق الجار والأصغر، أو ميل الأصغر للاستقلال والندية وتكبير الدور، أو ما بين الأشقاء الكبار من تنافس، وتفضيل الصراع على التعاون. فالتجزئة المتفاوتة بين الأقطار العربية فى الأحجام والأدوار والجيوسياسية، ولدت الصراعات والتناقضات، وأعادت إنتاجها.
هذا الواقع الموضوعى كُرس ودعم من جانب موازين قوى عالمية وإقليمية، وقد أدت إلى تفاقم تلك الصراعات والتناقضات. وذلك بسبب التجزئة، وخريطة التفاوت بين أقطارها. ثم أضف ما تقرره القوانين الدولية من مساواة نظرية فى السيادة بين الدول، وقد سُحب على دول التجزئة العربية، مما أدخلها فى تناقض مع التاريخ، ومع سمة الأمة العربية الواحدة، ومع علاقة الأشقاء ببعضهم، وضرورة العمل المشترك. ناهيك بمستوياتها الأعلى وصولا إلى الوحدة أو الاتحاد أو السوق المشتركة حتى فى ظل جامعة عربية (احتفاظ كل دولة باستقلالها التام).
على هذه المحاكمة أن تطلب من الدولة العربية القطرية، أن تفسر لماذا مجرد تسلم السلطة فيها، يوقع صاحبها بالقطرية، حتى لو كان يرفضها وجاء لينقضها أكانت خلفيته قومية أو إسلامية أو وطنية أو يسارية عروبية. مثلا لماذا اتجهت قيادات الحركات الوطنية الأصلية فى المغرب العربى الكبير، لتشكل وحدة فى مرحلة النضال، لتمتد إلى مرحلة الاستقلال. ولكن ما إن حكموا، تحت علم الاستقلال فى الدولة القطرية، حتى أصبحوا ذوى نزوع قطرى خالفوا ما كانوا عليه من عهد وحدوى. وراحوا يعززون الدولة القطرية لتصبح هدفهم. وقد أورثوها شيطانا مريدا، لمن جاء بعدهم. وقد حدث فى المشرق العربى مثل هذا بشكل أو آخر.
وغير هذا الكثير الكثير مما يجب أن تكشفه تلك المحاكمة إذا صح أن الدولة القطرية مسئولة عما وصلته هى نفسها الآن من ضعف وتفكك وانحلال، ومسئولة عما وصل إليه الوضع الراهن العربى من وضع يشبه الخروج من التاريخ.

•••
أخيرا يشير الكاتب إلى أن ما تقدم يشكل واحدا من تعدد الآراء فى تفسير أسباب ما يعانيه الوضع العربى والنظام العربى العام من انهيار وتراجع، ولا سيما على مستوى عدد من الدول القطرية. وهو قراءة أولية تفتح باب النقاش على مصراعيه. على أن الإجابة عما يجب عمله للخروج من المأزق العربى الراهن، لا بد من أن تبدأ بتحديد الداء وتشخيصه قبل البحث، أو شرط البحث عن جواب. ويا لصعوبته إذا ما كانت دولة التجزئة القطرية هى الداء. وداؤها معد. ولم ينفع معه حتى الآن تعقيم أو تطعيم.

النص الأصلي

التعليقات