أطفالنا.. تلك المرآة التى لا تكذب! - صحافة عربية - بوابة الشروق
الأحد 7 ديسمبر 2025 4:12 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

كمشجع زملكاوي.. برأيك في الأنسب للإدارة الفنية للفريق؟

أطفالنا.. تلك المرآة التى لا تكذب!

نشر فى : الجمعة 5 ديسمبر 2025 - 6:40 م | آخر تحديث : الجمعة 5 ديسمبر 2025 - 6:40 م

 

يومهم يبدأ مع أبنائهم كل صباح بتعليمات وأوامر واضحة، «لا تكذب»، «كن صادقًا»، «الصدق منجاة»، ثم يطلبون منهم أن يخبروا من يطرق الباب بأنهم غير موجودين، يملؤون البيت بالمواعظ عن الأمانة، ثم يتفاخرون أمامهم بكيف تحايلوا على النظام فى العمل، يحاضرون عن احترام الوقت، وهم الذين يتأخرون عن كل موعد!

هؤلاء، وهم كثر، لا يدركون، أو يتجاهلون حقيقة أن الأطفال يتعلمون بعيونهم أساسًا قبل آذانهم، فهم لا يحفظون المواعظ، بل يتذكرون المشاهد، ولا يقلدون ما نقول، بل يكررون ما نفعل، ولعلهم أشبه بكاميرات مراقبة صامتة تسجّل كل حركة، وكل نظرة، وكل تصرف، ثم يعيدون بثها فى المستقبل بدقة مذهلة.

المدهش هو أننا ننفق الوقت والجهد فى البحث عن أفضل المدارس لأبنائنا، فنستفسر عن أحدث المناهج وأمهر المدرسين، ونهمل المدرسة الأولى وهى البيت، والمنهج الأهم فى تلك المدرسة هو سلوكنا اليومى، والمدرس الأكثر تأثيرًا يتمثل فى الوالدين، اللذين لا يدركان أحيانًا أنهما يقومان بالتدريس على مدار اليوم والساعة، وحصصهما الدراسية هى أصعب الدروس، دروس شاملة للحياة، يتم تقديمها بالممارسة العملية لا بالتعليمات النظرية!

الأب الذى يريد ابنًا شجاعًا، لن يصنعه بترديد عبارة «كن شجاعًا» كل صباح، بل بأن يُرى ابنه كيف يواجه مخاوفه هو، وكيف يعترف بخطئه، وكيف يقف للحق حتى لو كان وحيدًا، والأم التى تحلم بابنة واثقة من نفسها، لن تصنعها بكتب تطوير الذات، بل بأن تكون هى نموذجًا للمرأة التى تحترم ذاتها، وتضع حدودها، وتعبّر عن رأيها دون خوف أو تردد.

ورغم إدراك الكثير منا لما سبق، فإننا نصر على الطريق الأسهل فى توجيه أبنائنا، فنختار الوعظ المباشر، ونملأ آذان أطفالنا بما يجب وما لا يجب، وننسى أن أعينهم أقوى من آذانهم، وأن صورة واحدة يرونها تهدم ألف كلمة يسمعونها، وأن تناقضنا بين القول والفعل يعلمهم درسًا لم نقصد تعليمه، درس النفاق!

من المهم أيضًا أن نلتفت إلى حقيقة أننا نعلم أبناءنا، حتى عندما نظن أننا لا نفعل شيئًا، فهم يتعلمون من صمتنا، كما يتعلمون من كلامنا، ومن غيابنا ولامبالاتنا، كما من حضورنا واهتمامنا، فالأب المنشغل دائمًا بهاتفه يُعلّم ابنه أن العلاقات الافتراضية أهم من الحقيقية، والأم التى تقضى يومها فى انتقاد شكلها، تُعلّم ابنتها أن قيمة المرأة فى مظهرها فقط.

نحن نورّث أبناءنا ما هو أكثر بكثير من ملامحنا الجسدية، نورّثهم طريقتنا فى الحب والكره، وتعاملنا مع الفرح والحزن، وأسلوبنا فى مواجهة الصعاب أو الهروب منها، ونورثهم نظرتنا للحياة والناس، وقيمة المال والنجاح والفشل، كما نورّثهم حتى طريقتنا فى الضحك أو العبوس، والتفاؤل أو التشاؤم، وكل هذا الإرث ينتقل بالعدوى لا بالتلقين!

ومع الإدراك بأن لكل قاعدة شواذ، فإن الطفل، الذى يكبر فى بيت يسوده الاحترام المتبادل، لن يحتاج عادة لدروس مطولة فى الأخلاق، والطفل الذى يرى والديه يقرآن تزيد احتمالات حبه للكتب دون محاضرات عن أهمية القراءة، والطفل الذى يشهد الصدق ممارسة يومية، سيكون ميالًا للصدق دون الحاجة لحفظ تعليمات عن فضله!

فهمنا لدور المحاكاة فى التربية يتطلب منا أحيانًا شجاعة مؤلمة، شجاعة النظر فى المرآة وإدراك أننا لسنا ذلك النموذج، الذى نريد من أبنائنا أن يحاكوه، وشجاعة الاعتراف بأن المشكلة كثيرًا لا تكون فيهم بل فينا، وأنهم مجرد مرايا صادقة، تعكس حقيقتنا لا أقنعتنا، وإن إصلاحهم يبدأ بإصلاح أنفسنا، وهذا لا يعنى أن نكون مثاليين، فالكمال وهم، بل أن نكون صادقين، وأن نعترف بأخطائنا أمامهم، وأن نُريهم كيف نحاول أن نكون أفضل، وأن نعلمهم بالقدوة أن الإنسان ليس من لا يخطئ، بل من يتعلّم من خطئه ويحاول ألا يكرره.

أبناؤنا يا أصدقائى لن يتذكروا محاضراتنا الطويلة عن القيم والأخلاق، لكنهم سيتذكرون كيف عاملنا العامل فى المطعم، وكيف تحدثنا عن الجيران فى غيابهم، وكيف تصرفنا عندما اختبرتنا الحياة، سيتذكرون ليس ما أردنا تعليمه، بل ما عشناه أمامهم، لأن التربية الحقيقية ليست فى الكلمات، التى تخرج من أفواهنا، بل فى الحياة التى نحياها أمام أعينهم.. والمرآة لا تكذب أبدًا!

سليمان الخضاري

جريدة القبس الكويتية

 

النص الأصلى:

التعليقات