نظرية الحضن - داليا شمس - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 11:30 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نظرية الحضن

نشر فى : الأحد 6 أكتوبر 2013 - 9:50 ص | آخر تحديث : الأحد 6 أكتوبر 2013 - 9:50 ص

مدهش هو الاستسلام، كيف لكائن ما كان أن يستعذب التبعية والدونية والتناقض لأنه تربى عليهم... نتابع من خلال الفيلم التسجيلى الأول للمخرجة والصحفية منى النجار «استسلام» نماذج مختلفة لشباب، أولاد وبنات، قريبين من فكر الإخوان والتيار الإسلامى. يتكرر على لسان اثنين منهم «الدين هو كل حياتى»، بينما نتعرف على قصة حب اثنين آخرين نسجت خيوطها على الفيس بوك: الفتاة غابت عن صفحتها طوال شهر رمضان لكنها هى من بادرت رفيقها بالحب وصارحته به... وهى أيضا من توافق على ألا تراه بعد الخطبة إلا فى وجود «مِحرم» تماشيا مع رغبة الأهل، ولكنها تذهب معه تجاوزا إلى دورات تأهيل ما قبل الزواج التى تنظمها جمعية «بيت العيلة» بمدينة نصر... الجمعية المشهرة برقم 5913 لسنة 2005، والتى يعد رجل الأعمال الإخوانى ــ حسن مالك ــ هو راعيها الأول، كما يوضح هو فى الفيلم، تعمل فى مجال الأسرة وتسيير الزواج سواء من خلال تقديم الدورات والاستشارات أو الدعم المادى أو إقامة الأفراح الجماعية.

•••

نستمع لنصائح وتعاليم المحاضر المتخصص بالأساس فى علم النباتات، لكنه هنا كى يشرح مفاهيم خاصة بعلاقة الرجل والمرأة، مقابل 20 دولارا للمحاضرة حيث تقتصر الصفوف الأمامية على الرجال فقط، أما النساء فدائما وأبدا فى المؤخرة... ذلك فى إطار مبادرة بعنوان «عروسة وعريس ضد إبليس». وهو صاحب ما أطلقت عليه «نظرية الحضن» التى تلخص ما يريده كل جنس من الآخر، فبحسب كلامه «الاحتضان الفطرى يبين علاقتهما: عندما يحتضن الرجل المرأة يضع يده حول خصرها لأنه يحتاج نصفها الأسفل موضع شهوته، أما هى فتلف يديها حول عنقه لأنها تحتاج نصفه الأعلى، قلبه، موضع عاطفته... إذا هى تريد عاطفته، وهو يريد جسدها»... المساواة موضع سخرية مطلقة، فى دروس جمعية «بيت العيلة»، الفتيات من الحضور يضحكن على نكات المحاضر عندما يتحدث عن المرأة التى لا تجيد فن الطبخ، رغم حصولها على مجموع 102%، لا فائدة منها... ويجب ألا ترجو نجاحا لنفسها خارج البيت، فهى يجب أن تسعى إلى نجاح غيرها (زوجها والأولاد)، والمحاضر يرسخ أيضا لفكرة «أنتِ لا قرار لك»، فالرجل يفكر وحده، أما الأنثى فمع الصديقات التى تتأثر بكلامهن وبالتالى لا يمكن الاعتماد على رأيها... وأى علاقة بين رجل وامرأة تتخذ مسارا واحدا ومحددا، فلا مجال لعلاقة صداقة «عادية»، وإذا حدث ذلك على الشاب أن يقلق على نفسه ويستشير طبيبا لأنه قطعا مريض! الجنس حتما يشغل مساحة واسعة من التفكير.

•••

مجموع الآراء التى يؤكد عليها محاضر «عروسة وعريس ضد إبليس»، وطريقة التربية تلك تجعل المرأة تشعر أنه من الأنسب لها أن تكون كائنا دونيا حتى لو كانت دارسة لعلم النفس أو البرمجيات، هى تستسلم وتقبل ذلك طواعية، بل وتحاول إقناع نفسها باقتدار أنها تمارس حقوقها فى حدود «المسموح» حتى مع ارتدائها النقاب والحذاء الرياضى كإحدى بطلات الفيلم التى تلقن الأطفال القرآن الكريم، وتلعب معهم بالبالونات فى الحديقة قائلة: «Ready steady & go»... اللقطات سريعة، ذكية، معبرة. الشخصيات الرئيسية تتصرف على طبيعتها.. حالة من الارتياح، ربما ترجع إلى توقيت تصوير الفيلم خلال العام 2012... تلخص المخرجة فترة وصول الإخوان المسلمين لسدة الحكم، ومحاولتهم نشر أفكارهم، يقولها حسن مالك صراحة أمام الكاميرا: لدينا فرصة، وسنستغل الفرصة قدر الإمكان حتى نصل لكل شارع، لكل فرد... وهو بالضبط ما أثار حفيظة الناس الذين نزلوا إلى الميادين، محاولات تغيير الثقافة والهوية، حتى لو لم يسموها هكذا.

•••

بعد ثورة يناير تغير شىء ما بداخلنا، لم نعد نقبل فرض الأمور فرضا... تطالعنا أحيانا ملامح جيل مختلف يتشكل، ونأمل أن يظل بعيدا عن الاستسلام: تلميذة تواجه وزير التعليم لأنه تأخر عن موعد وصوله وتجاهر بكونها من فريق رابعة، ثم بعدها بأيام يرفض طفل آخر كتابة عبارة «لا للظلم» على الدبابة فى حصة الرسم، معلنا تأييده للجيش، ويحسم الخلاف مع مدرسته... حتى مخرجة الفيلم نفسها ــ منى النجار ــ فقد قررت بعد الثورة السفر إلى نيويورك والحصول على ماجستير فى صنع الأفلام التسجيلية، تمرست على فنون الفيديو بعد أن اكتشفت مدى تأثيرها خلال الربيع العربى... ثم أهدت فيلمها الذى عرض للمرة الأولى فى مصر إلى شريك حياتها الذى ارتبط بها رغم أنها لا تجيد الطهى.

التعليقات