صحيح.. لماذا يموت الشاعر؟ - هشام أصلان - بوابة الشروق
الثلاثاء 21 مايو 2024 9:49 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صحيح.. لماذا يموت الشاعر؟

نشر فى : الثلاثاء 7 يناير 2014 - 9:20 م | آخر تحديث : الثلاثاء 7 يناير 2014 - 9:20 م

"منذ أن مات نجيب سرور ويحيى الطاهر عبدالله وصلاح عبدالصبور وأمل دنقل.

منذ أن مات المتنبي وأبو العلاء. منذ أن مات الحلاج وهيمنجواي وجاليليو وشى جيفارا وأنا أتساءل:

لماذا يموت الشاعر؟"

(يوسف إدريس، من مقال: قانون موت الشاعر)

1

الأسماء التي ذكرها إدريس، لا تنتمي كلها للشعر، لكن سؤاله الوجودي، الذي طرحه في لحظة عاطفية، يحمل دلالات ومعاني، ربما تفقد عمقها بمحاولة التفسير. غير أنك تستطيع، بارتياح، القول إن المبدع يكتمل، فقط، عندما يلقى مساحته الخاصة، والملائمة له تماما، في تلك القماشة المتخيلة التي تلتف بها أفكار الإنسانية، متجاوزا الصراعات الصغيرة التي تحتويها دوائر ضيقة تسمى "الحدود بين الدول". فيبقى من الطبيعي، أن تجد اسم جاليليو بجوار أمل دنقل أو جيفارا بجوار ماركيز ومحمود درويش.

2

أتذكر سؤال يوسف إدريس حول موت الشاعر، أثناء سماع إحدى قصائد أسامة الدناصوري في أمسية لإحياء ذكراه منذ أيام قليلة، بدار التنوير:

ذهب أصدقائي إلى البحر

وتركوني وحيدا

بجوار ملابسهم وأحذيتهم

أصدقائي مجانين

يلعبون بعنف

يرشقون بعضهم بجرادل الماء

وقراطيس التراب

ولكنهم في النهاية طيبو القلب

3

هل يستحق الشاعر، معاملة أفضل؟

خصومة قلبي مع الله، ليس سواه
قلبي صغير كفستقة الحزن

ولكنه في الموازين أثقل من كفة الموت
(أمل نقل، مراثي اليمامة)

4

لم أعرف أسامة الدناصوري إلا بعد رحيله، ما سوف يجعل تلقيه، بعد سنوات، موضوعيا بامتياز. هذا الشاعر الذي يشبه السلك العاري، والجالس مرتاحا في مكان متميز بين أقران له، شكلوا ملامح جيل متوهج، خصوصا في الشعر.

بعد أربعة دواوين شعرية، يتعامل أسامة الدناصوري مع تجربة مرضه التاريخية أدبيا، يكتب روايته الوحيدة "كلبي الهرم.. كلبي الحبيب"، فلا يستطع، فقط، التعالي على النحيب وابتزاز المشاعر، بل إنه يقدر على تصدير الحركة الإنسانية داخل عالم مرضى الفشل الكلوي، بكل البعد عن مباشرة المعاناة:

"أحببت قسم المسالك البولية بالدور الخامس كبيت لي. بل لقد نشأت علاقة قوية، ربطتني إلى الآن بجو المستشفيات بشكل عام، عندما أسير في الطرقات الطويلة، ذات السيراميك الأبيض، والحوائط البيضاء، أحس للتو بأني أسير في أماكني الأليفة، وظللت إلى الآن أسيرا لرائحة المطهرات القوية، التي تنبعث من الذاكرة لتملأ خياشيمي، عندما أجد نفسى في أماكن تشبه المستشفى..."

كانت مشكلته الوحيدة مع الأسطرة العلاجية، أنها تؤرق علاقاته العاطفية قليلا، وكان يحتملها، بينما كان ينزعج بجدية من نزلة برد أو ألم في أسنانه.

5

أنا فيلسوف الشلّة

المُقعد الذي يحب الجميع

ولا يكرهه أحد

المُقعد الذي أحب مُقعدة ً

تحت الشجرة بعيدة

تدور حول نفسها مهوّشة الشعر

تتطاير من لسانها رغوة بيضاء

ولا تراني

6

في الرواية تسأله أمه:

إنت مؤمن بربنا وبالإسلام؟

تقول إنها تريد الاطمئنان عليه قبل موتها، وكان يعرف أنها تريد الاطمئنان، قبل أن يموت هو.

...

لماذا يموت الشاعر؟ هل يموت أصلا؟

صباح الفل أيها السنتمنتالي المتوحد.

هشام أصلان كاتب وصحفى
التعليقات