سحر الحكايات الشائكة - هشام أصلان - بوابة الشروق
الأربعاء 1 مايو 2024 6:00 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سحر الحكايات الشائكة

نشر فى : الجمعة 11 أغسطس 2023 - 8:35 م | آخر تحديث : الجمعة 11 أغسطس 2023 - 9:05 م
تأتي أحيانا رغبة قضاء وقت مع فيلم لطيف بينما لا توجد أفكار تساعد على الاختيار، ولا طاقة للتجريب العشوائي. في هذه الحالة ألجأ إلى اختيار فيلم أعرف أنني شاهدته من قبل وأحببته. وقبل أيام لجأت إلى الفيلم الشهيرfrida بطولة سلمى حايك عن حياة الرسامة فريدا كاهلو.
ساهمت الفرجة في تحسين المزاج بشكل كبير، غير أنها فعلت ما تفعله الأعمال الفنية الجميلة، عندما تحرك ذهنك باتجاه تأملات وأسئلة في الغالب لن تجد لها إجابات قاطعة.
أعرف، مثلا، أنني أحب أعمال فريدا كالو، وأرى أنها رسامة كبيرة وصاحبة بصمة مؤثرة، ولكن هل كانت فريدا ستجد الاحتفاء الجماهيري والنخبوي ذاته لولا الدراما الكبيرة التي غلفت مشوارها؟ علاقتها الملتبسة بزوجها الرسام المعروف، وزير النساء، فيجو ريفييرا وكواليس الخيانات الزوجية المتبادلة بينهما ثم حكايتها مع تروتسكي التي انتهت باغتياله، وحكاية مرضها والحادث الذي تعرضت له ومقاومتها العجز بالرسم، ومرحلة لجوئها لطريقة الرسم بينما هي مستلقية على سرير المرض تنظر في مرآة معلقة فوقها. مجمل تلك الحياة القصيرة الغنية بالأحداث الساخنة الجذابة، والتي عرفنا عنها أكثر بعد الفيلم فادح النجاح.
على القياس نفسه، هل كان التاريخ سيهتم بسارتر وسيمون دي بوفوار بنفس الدرجة لو أقام كل منهما مشروعه الفكري مستقلا دون علاقتهما الشهيرة والملتبسة؟ هل كانت ستكتمل أسطورة مارلين مونرو دون احتشاد حياتها بالصور الدرامية انتهاء برحيلها المبكر غير المحسوم إن كان نتيجة اغتيال أم أنتحار أم خطأ طبي؟ هل كان العالم سيحتفي بأشعار سيلفيا بلاث لولا قصة انتحارها بطريقة مسرحية داخل فرن البوتوجاز ثم تحولها لأيقونة الأذى الذكوري على يد زوجها الشاعر الإنجليزي تيد هيوز؟ هل كانت ستعيش ذكرى هيوز نفسه أو سيتغير تعامل التاريخ معها لو لم ترتبط سيرته بمأساة سيلفيا؟
ينسحب السؤال على مئات الحكايات المخلوط فيها الشخصي بالعام لمبدعين ومفكرين وسياسيين، وإن كانت خدمت إنتاج أصحابها وروجته تاريخيا أم ظلمته بالالتفات إلى سحر الحكاية الشخصية.
لطالما رأيت أن البعض لا يترك أجمل من حكاية يحكيها الجميع إلا هو. تلك خسارة فادحة للمرء. كيف لأجمل حكاياتك أن تسري بينما أنت لست هنا لتستمتع بحالتها؟ هكذا لا أرى في كتابة بعضهم لسيرته الذاتية سوى محاولة لتمرير تلك الحكاية التي هي في الغالب شائكة، ما يحيل إلى سؤال الصدق المطلق من عدمه في كتابة السيرة، ذلك العنصر المفقود في أغلب السير الذاتية، العربية خصوصا، والذي تحول دونه رهبة الفضيحة. فضح الكاتب لآخرين شاركوه حياته، وفضحه لنفسه.
ماذا لو أحب المرء فضائحه؟ ربما سيظل محافظًا على عدم إفشائها بالكامل مراعاة لشركائه في الحياة، الذين هم بالتبعية أبطال حكايته. هل هناك حكاية ليست ناقصة؟
في مناقشات كثيرة مع الأصدقاء حول مسألة التصنيف الأدبي عموما، وجنس السيرة الذاتية خصوصًا، يطرح السؤال نفسه دائمًا: ما الذي يمنع أن تُصنّف السيرة الذاتية كعمل روائي؟ هل هو خضوع لتقليدية ضرورة التصنيف؟ ماذا لو تغيرت الأسماء الحقيقية لأبطالها إلى أسماء مستعارة؟ أو لو قال الكاتب نفسه أنها "رواية"؟ الزمن ينتصر للكاتب طالما توفر شرط المتعة. ومرور السنوات غالبا ما يُخلّص الكتاب من تلقي المعارف وأصدقاء المقهى، ويتركه لمجرى القراءة الواسع الذي يصنعه قراء آخرون لا يعرفون من الكاتب سوى كتابه وليس شخصه.
وأنت، كلما انتهيت من قراءة أو مشاهدة سيرة أحدهم، ستكون قد عشت في حياة أخرى، ورأيت تجارب غير تجربتك وأزمنة غير زمنك وبلاد غير بلدك، ذلك أن هناك من تضاعف حكاياتهم أعمارنا، وتمنحنا أكثر من حياة.
هشام أصلان كاتب وصحفى
التعليقات