سيارة ملك الغابة - داليا شمس - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 5:22 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سيارة ملك الغابة

نشر فى : السبت 7 يناير 2017 - 9:55 م | آخر تحديث : السبت 7 يناير 2017 - 9:55 م
بالطبع هو يشعر بالقوة، وربما تفوح من منديله رائحة كولونيا خمس خمسات وهو يرتكب جرائمه بدافع العقيدة. مجموعة من المسلحين بالعمائم واللحى تدخل إلى قرية أو مدينة فى سيارة دفع رباعى عليها رشاشة أوتوماتيكية. هذه الصورة أصبحت تجوب العالم أكثر فأكثر، رغم أننا عرفناها منذ ستينات القرن الماضى من خلال عدد لا بأس به من الجماعات الثورية والعصابات المسلحة المتشددة أحيانا، إلا أنها استقرت فى المخيلة العامة وارتبطت الفترة الأخيرة بتيارات الإسلام السياسى والعنف. وكان من المنطقى أن يتم رسميا فتح ملف الإرهاب وسيارات الدفع الرباعى، قبل نحو سنتين، فى محاولة من السلطات الأمريكية لمعرفة كيف تحصل جماعات العنف على هذه العربات باهظة الثمن وكيف تدخل إلى أماكن النزاع، خاصة بعد نشر العديد من الصور وتسجيلات الفيديو لأصحاب الرايات السوداء فى سيارات أغلبها ماركة تويوتا التى باعت أكثر من 820 ألف سيارة دفع رباعى فى منطقة الشرق الأوسط وحدها خلال عام 2014، كما بينت سجلات الشركة. أشارت الأرقام المتداولة فى الصحف الأجنبية، خلال فترة التحقيقات، أن مبيعات موديلات «هايلوكس» و«لاند كروزر«، الأكثر استخداما من قبل المسلحين، وصلت إلى 18 ألف سيارة فى العراق عام 2013، أى أنها تضاعفت ثلاث مرات مقارنة بسنة 2011، ثم تراجع الرقم إلى 13 ألف فى 2014. أما فى سوريا حيث تم رسميا تعليق مبيعات تويوتا منذ 2012، ذكرت بعض تقارير مراكز الدراسات والأبحاث مثل مؤسسة«السلام العالمى» أن الولايات المتحدة وبريطانيا كانتا قد سلمتا الجيش السورى الحر 43 سيارة دفع رباعى ماركة تويوتا، وصلت بعد ذلك غالبا إلى أيدى الدواعش مع تغيير الولاءات والانتماءات على الأرض، هذا بالإضافة إلى الغنائم التى تساهم فى تنامى أسطول السيارات وتهريبها من بلد إلى آخر، من العراق إلى سوريا أو ليبيا أو مصر أو غيرها، فى زمن الحروب التى لا تنتهى.

وبالتالى رغم تعاون شركة تويوتا واستعدادها التام للكشف عن البيانات التى قد تساعد فى الوصول إلى الحقائق، إلا أن الإجابات ظلت غير وافية، ما قد يعيد إلى الأذهان تسمية «حرب التويوتا» التى أطلقت على الصراع بين ليبيا وتشاد فى حقبة الثمانينات، عندما كان الطرفان يستخدمان السيارات نفسها خلال العمليات.

***

فى مكان ما تعطى سيارة الدفع الرباعى، أيا كان نوعها، إحساسا بالقوة لراكبيها: هيكل مرتفع ومتين، وقدرة على السير فى الأماكن الصحراوية والوعرة، وسعة مناسبة لحمل عدد من الأشخاص والعتاد، بما يتناسب مع أصول نشأتها العسكرية، إذ بدأ تصنيعها لأغراض حربية فى الأربعينات. هى بمثابة حصن، يدلف إليه البعض فيشعر أنه مسيطر، مسيطر على الطبيعة، على الأعداء، على السيارات الأخرى فى الشارع. وهى أيضا نتاج لمجتمعنا الحالى، وتعبير عن مخيلته، ففيها تأكيد على قوة «الأنا» وحرص على فردية متوحشة، تضعنا أحيانا على حافة الهمجية.

***

لعبت الإعلانات دوما على فكرة ارتباطها بالحرية والانطلاق لتسويقها، فصورت قائديها كملوك للمغامرة والمخاطرة وغازين للصحراء. وعندما ازداد الإعجاب بها وبدأت تنتشر أكثر داخل المدن، منذ مطلع الثمانينات، صارت عنوانا للثقة بالنفس وربما الثراء. تحولت المدينة إلى غابة، يمشى وسطها قائد سيارة الدفع الرباعى وفى ذهنه أنه ملك الغابة، يمكنه المجازفة لأن حجمه وقدراته يسمحان بذلك. لذا أوضحت بعض الدراسات المرورية حول العالم أن قائد مثل هذه السيارات أكثر تهورا وأكثر ارتكابا للمخالفات وأكثر إحساسا بالأمان واستهلاكا للطاقة. تفيد هذه الدراسات أيضا أن ارتفاع السيارة قد يكسب السائق شعورا بأنه فوق القانون ومسيطر ومحصن، وهو ما يجذب غالبا المتشددين وجماعات العنف، حين يعتلون السيارة ويصوبون أسلحتهم نحو الهدف، فلا يكون هنالك سوى حكايات مرعبة يتداولها الناس عن هؤلاء الرجال ذوى السحنات الغامضة والغاضبة.
التعليقات