التواصل بين الإنسان والآلة - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 8:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التواصل بين الإنسان والآلة

نشر فى : السبت 7 يناير 2023 - 8:10 م | آخر تحديث : السبت 7 يناير 2023 - 8:10 م
عندما اخترع الإنسان الآلات لتساعده فى عمله فإن أداء الآلة للمهمة بكفاءة كانت الصفة الأهم عند بناء تلك الآلة، بعد ذلك أصبحت سهولة الاستخدام من الصفات الهامة جدا، ثم فى عصرنا هذا أصبحت من أهم الصفات لأن الشركات التى تنتج الآلات وتطمح لأن تكسب من بيعها ستخسر إذا كانت تلك الآلات صعبة الاستخدام لأن الناس لن تشتريها. سهولة الاستخدام هو نوع من التواصل بين الإنسان والآلة، الآن ونحن فى عصر الكمبيوتر أصبح التواصل مع الآلات ذو اتجاهين أى من الإنسان للآلة ومن الآلة للإنسان، مقالنا اليوم يناقش موضوع التواصل بين الإنسان والآلة وأهميته عن طريق ضرب عدة أمثلة.
غنى عن الذكر أن الذكاء الاصطناعى تغلغل فى جميع مناحى الحياة وأصبح يستخدم فى تطبيقات عدة، نوع الذكاء الاصطناعى الذى يقصده الناس فى الغالب الأعم عندما يذكرون تلك الكلمة هو ما نطلق عليه تعليم الآلة (machine learning) والذى يعتمد على نوعية من البرمجية تحاول تقليد (مع تبسيط مخل جدا) ما يحدث فى الخلايا العصبية فى المخ، هذه البرمجيات لها صفتان تختلف عن البرمجيات الأخرى: الصفة الأولى أنه قبل الاستخدام تحتاج أولا إلى تدريب البرنامج باستخدام أمثلة، مثلا برمجيات التعرف على نوع معين من الأورام يتم تدريبها عن طريق عرض عدد كبير من التحاليل وفى كل تحليل نحدد إذا كان هناك ورم أم لا، بعد ذلك سيكون البرنامج جاهزا للتعرف على الورم بدقة تفوق دقة البشر، الصفة الثانية إن تلك البرمجيات تأتى بالحل الصحيح لكن دون أية معلومات عن كيفية الوصول للحل، فمثلا إذا أعطينا تلك البرمجيات معلومات عن فحوصات طبية لشخص ما وطلبنا تشخيص المرض واقتراح علاج (هذا ما تحاول شركة مثل أى بى إم عمله عن طريق جهازها واطسون لكن دون نجاح كبير حتى الآن) فإن تلك البرمجيات ستأتى بالجواب لكن دون شرح ولا يمكننا مثلما نفعل مع البرمجيات العادية تتبع طريقة الحساب والخطوات منذ البداية وحتى الجواب النهائى، فهل ستثق فى جواب برمجية الذكاء الاصطناعى بخصوص التشخيص والعلاج وستأخذ العلاج دون مناقشة؟ أعتقد أن الإجابة ستكون لا، هناك عدة مجموعات بحثية تعمل الآن على بناء برمجيات ذكاء اصطناعى تستطيع شرح كيفية الوصول للجواب النهائى لكن الطريق مازال طويلا، هذا الشرح من الجهاز للمريض أو الطبيب هو نوع مهم جدا من التواصل بين الآلة والإنسان وواضح جدا أهمية هذا النوع من التواصل لأنها تعطى ثقة فى تشخيص أو إجابة الكمبيوتر.
مثال آخر على التواصل بين الكمبيوتر والإنسان هو لغات البرمجة، قد يبدو هذا غريبا لكن أجهزة الكمبيوتر فى العالم كله وبجميع أشكالها من اللابتوب والتليفون المحمول والساعة الذكية إلى الأجهزة فائقة السرعة لا تفهم إلا الصفر والواحد، أى إنك إذا كنت تريد أن تأمر الكمبيوتر أن يقوم بعملية حسابية معينة فإنك تعطيه الأمر بلغته التى يفهمها لكننا كبشر لا نفهمها، حتى نسهل الأمر على المبرمجين ليبدعوا فى كتابة برمجيات مفيدة ومهمة مثل برمجيات الذكاء الاصطناعى أو تصفح الانترنت فإن علماء الكمبيوتر اخترعوا ما يعرف بلغات البرمجة وهى تشبه الإنجليزية لكنها أكثر دقة، أول لغة برمجة تم اختراعها سنة 1957 ويوجد فى العالم حاليا أكثر من ألف لغة برمجة. المبرمجون يتواصلون مع الكمبيوتر عن طريق لغات البرمجة، أما الناس العاديون فيتواصلون عن طريق استخدام التليفون المحمول، أو لوحة المفاتيح، أو الماوس، أو التحدث.
التحدث بالصوت مع جهاز الكمبيوتر من التقنيات الحديثة نسبيا ونجده فى (siri) على أجهزة شركة آبل و(Alexa) على أجهزة شركة أمازون و(cortana) على أجهزة شركة مايكروسوفت و(Google Home) على أجهزة شركة جوجل، هنا أنت تتواصل مع الكمبيوتر عن طريق إعطاء أوامر بصوتك وعلى الكمبيوتر تنفيذها سواء بالقيام بمهمة ما مثل تشغيل فيديو أو إضاءة النور فى الغرفة أو الرد عليك بالصوت إذا كنت تسأل الكمبيوتر سؤالا، طبعا هنا أيضا مازلنا فى أول الطريق لأنك لن تستطيع التحدث بسهولة مثلما تتحدث مع إنسان آخر ولهذا أسباب عدة منها أن البشر فى حديثهم يستخدمون أمثلة ونكات وعبارات تعتمد على ثقافتهم وتاريخهم وهذا ليس من السهل على أجهزة الكمبيوتر عمله لكن العلماء يسيرون بخطى ثابتة نحو هذا الهدف.
ما تكلمنا عنه فى هذا المقال هو علم يسمى (Human Computer Interaction) أى التفاعل بين الإنسان والكمبيوتر وهو علم يحتاج تضافر جهود علماء النفس واللغويات وعلماء الكمبيوتر والهندسة الكهربائية، بل والميكانيكا فى بعض الأحيان، هذا العلم لم يأخذ حقه كاملا بعد فى جامعاتنا، لنأمل أن يتغير هذا قريبا.
محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات