عوائق تجديد الخطاب الدينى
 - 3 - دعوى النسخ - جمال قطب - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 11:00 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عوائق تجديد الخطاب الدينى
 - 3 - دعوى النسخ

نشر فى : الثلاثاء 7 يونيو 2016 - 10:10 م | آخر تحديث : الثلاثاء 7 يونيو 2016 - 10:10 م

من كبريات العوائق فى طريق تصحيح التدين تلك البدعة التى قال بها البعض، وتابعه عليها كثرة ممن ينقلون ويعيدون، وهى بدعة «النسخ». إذ يزعمون بها أن فى القرآن الكريم آيات تقرأ فقط ولا حاجة إليها فى التشريع! والأغرب من هذا أن كلمة «آية منسوخة» لم ترد على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا على ألسنة جميع الصحابة والتابعين. وما تفشت تلك البدعة إلا مع عصر التدوين وعصور التقليد.


ــ1ــ
وإذا كان فى القرآن آية تقول ((مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا..)) فإن سياق الآيات قبلها وبعدها يفيد نسخ الآيات الكونية كما ينسخ النهار الليل، وكما ينسخ الشتاء الصيف، وكما تتعاقب حركات الضوء والحرارة والظلام... أما أن تكون هناك آية قرآنية قد نسخت !!! وتوقف مفعولها !!! فذلك قول لم يصرح به القرآن، ولم يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأريد أن أضرب مثلا لخطأ «دعوى النسخ» كمثال بارز يتكرر ترديده فى كل رمضان، إذ المعروف أن فريضة الصيام جاءت أحكامها فى سورة البقرة، فى قوله تعالى ((..وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ..))، ونزل القرآن بعد ذلك بآية أخرى تقول ((..فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ..)). فتوهم أصحاب مقولة النسخ أن الآية الأولى التى أجازت فدية عدم الصوم قد نسخت وتوقف عملها بسبب ما جاء فى الآية الثانية من أمر بات ((فَلْيَصُمْهُ))، وقالوا إن الأولى منسوخة لا عمل لها والثانية ناسخة هى الحكم الشرعى الوحيد لكل الناس..لكن الدارس لفقه القرآن والواعى بمقاصد الشرع يعلم يقينا أن فكرة وبدعة النسخ لا محل لها فى جميع آيات القرآن، وبخصوص آيات الصيام فآية الفدية مازالت فاعلة خصوصا مع المكلفين فى البلاد القطبية والمدارية وتلك التى يتجاوز الصيام فيها أكثر من 75 % من زمن اليوم والليلة. كذلك فإن الآية فاعلة وحاكمة لأصحاب الأمراض المزمنة.


ــ2ــ
والقائلون بالنسخ توهموا نسخا وإلغاء بغير سند من القرآن ولا دليل صحيحا من السنة النبوية، ومع ذلك فقد أطاحوا بأكثر من 500 آية توهموا نسخها ولم يلتفتوا إلى التنوع البشرى الذى يسكن المعمورة من ناحية، ولم يلتفتوا إلى تفاوت الظروف الحياتية بين الأقاليم المختلفة.. وحينما قالوا بالنسخ جعلوا الإسلام دينا جامدا وجعلوه دين حرب، واخترعوا ــ سامحهم الله ــ اسم غريب جعلوه مصطلحا دالا على آية من القرآن، فقالوا «آية السيف»، وهذا مصطلح غاية فى العجب فهو يخالف منهج الإسلام بصفة عامة، كما أن لفظ السيف لم يرد فى القرآن مطلقا، فكيف أطلقوا هذا الاسم العجيب على آية من آيات القرآن وهم بذلك قد تورطوا وامزلقوا إلى قول خطير يزعم أن الأصل فى الدعوة «السيف والعنف».


ــ3ــ
وقد أنكر المتفقهون بدعة النسخ، كما تمت مناقشة رسالات علمية محكمة فى الجامعات الإسلامية تفند دعاوى النسخ. ومن أبرز هذه الدراسات رسالة الدكتوراه للدكتور مصطفى زيد، وموضوعها النسخ فى القرآن، وتلك الرسالة قد ناقشها ثلاثة من كبار علماء الأزهر فى القرن الماضى وهم الشيخ الدكتور على حسب الله والشيخ الدكتور على الخفيف، وكان المشرف والمناقش الثالث هو الشيخ الدكتور محمد الزفزاف.. وتعتبر دراسة د. مصطفى زيد دراسة استطلاعية تمهيدية أعقبها دراسات كثيرة من أبرزها كتاب دكتور طه جابر العلوانى وكتاب الدكتور محمد عمارة وغيرهم.. ولا شك أن النظر إلى القرآن الكريم باعتباره آخر الوحى الإلهى يؤكد استحالة أن يكون فيه نص منسوخ.. وعلى جميع المؤسسات العلمية إصدار ما يوضح وجهة نظرهم فى القول بالنسخ وآثاره السلبية.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات