التمرد.. أسلوب حياة - داليا شمس - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 4:31 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التمرد.. أسلوب حياة

نشر فى : الأحد 7 يوليه 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 7 يوليه 2013 - 8:00 ص

خرج بجلبابه الرمادى الغامق ليهتف وسط الجموع التى احتشدت كجيش من النمل انطلق فجأة ليملأ شارع الميرغنى وكأنه يعلم تلقائيا ساعة الصفر ومصادر الخطر. ارتفع صوته وحيدا مميزا، فقد بدل كل حروف الجيم بالدال ليوبخ بلهجته الصعيدية رئيسا انتخبه الشعب وخيب توقعاته. وعندما التفت الناس نحوه شعر قليلا بالحرج من نظراتهم وضحكاتهم المكتومة، الا أنه استمر فى هتافه، واستمر كذلك فى المجىء يوميا والمشاركة، يجلس على الرصيف ليستريح أو يحملق فى الفضاء شارد الذهن، ثم يستكمل المسيرة.

 

الكتب والنظريات السياسية تصف غالبا الجموع بأنها غير عقلانية وغير رشيدة، وتحذر من ردة فعلها «العمياء» أحيانا، فالتربية السياسية التقليدية لا تثق بالشعب عادة، وتنتظر دوما من الأوليجارشية أو الفئة القليلة من الحكام وذوى رأس المال أن تأتى بالحلول. لكن مؤخرا وفى بعض الحالات كمصر كان الذكاء الجمعي-الشعبى أكثر تميزا من النخبة، وأكثر قدرة على ايجاد حلول مبتكرة وأكثر نضجا، وأثبت الشعب أن ذكاءه يفوق من كانوا يقررون مصيره. العالم يتغير بشكل جذرى، ولم تعد الجموع هى التى تحدث عنها فرويد وكانيتى ولو بون، لم تعد هى تلك الجماهير الفاشية والنازية فقط، بل صار هناك جموع أخرى مختلفة تستحق الدراسة، خرجت علينا بثورات وانتفاضات غير نمطية، وانقلابات شعبية احتار المثقفون فى تصنيفها لأنها لا تخضع لقوالبهم وتعريفاتهم التقليدية. تكررت الصور والمشكلات والدروس، وفى كل مرة يكون الشعب هو المنقذ، لأنه يتصرف بوعى عفوى ويفكر خارج النمط السائد، فى حين نجد المتخصصين فى الولايات المتحدة مثلا لم يستطعوا التفكير خارج صندوق الديمقراطية الاجرائية والانتخابات، كما ذكر أحد الناشطين على موقع تويتر، ليفسر جانبا من انزعاج واشنطن.

 

●●●

 

يحدث فراغ مفاجئ وهنا يهب الناس لسده وينطلق ذكاؤهم الجمعى الذى كان معطلا ربما بسبب ميراث من عدم الثقة بينهم أو كبت المجتمع لطاقاتهم الفردية أو فرض البعض لآرائه الأيدولوجية بقوة على طريقة «الشخص المثقف والمُسيس الذى يعرف كل شىء»... وهو فى معظم الأحيان يتكلم كثيرا ولا يفعل أى شىء... أو بسبب من يسوقهم كالقطيع باسم أى عقيدة. ثنائية الجماهير والسلطة لم تعد كما كانت عليه فى الستينيات والسبعينيات، وبالتالى لدينا الآن شارع يسير بسرعة كبيرة ونخبة بطيئة الاستيعاب والحركة، عليها أن تعدل من سرعتها ونمط تفكيرها أو «تنزوى».

 

●●●

 

الناس فى الشارع كانوا يعرفون جيدا متى يهتفون ومتى يصمتون ومتى يلوحون لقائد الهليكوبتر ترحيبا بمساندة الجيش، ويعرفون أيضا متى يعترضون على تمادى أحد الأطراف أو تجاوزه للحدود المسموح بها، فقد فهموا موضع قوتهم ويحسنوا استغلال امكاناتهم... الديمقراطية جعلتهم يبلغون سن الرشد سريعا، جعلتهم يتمردون... على أمل أن يتمرد الجميع معهم ويفكرون خارج الصندوق، خارج النمط، بعيدا عن السائد والاستنساخ. التمرد هو الحل. لذا لم يخجل الرجل ذو الجلباب الرمادى من لهجته أو اختلافه وظل يهتف، حتى لو خارج السرب.

التعليقات