بذور العنف وحصاده - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 10:44 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بذور العنف وحصاده

نشر فى : السبت 7 سبتمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 7 سبتمبر 2013 - 10:20 ص

استنكار محاولة اغتيال وزير الداخلية واجب لا ريب، لكن تحرى خلفيات الحدث أوجب، ذلك أن وسائل الإعلام المصرية أفاضت فى وصف ما جرى، وأجابت عن السؤال ماذا؟ غير أن استيفاء هذه النقطة ليس كافيا، ليس فقط لأنه يتركنا نهبا للحيرة والبلبلة فحسب، ولكن لأنه يفتح الابواب واسعة لتكرار ما حدث أو توسيع نطاقه، وذلك خطر ينبغى تجنبه لذلك أزعم انه من الأهمية بمكان أن نتعرف على أمرين هما: من فعلها؟ ولماذا؟

 فى كل الأحوال فنحن بحاجة للانتباه إلى أمرين، أولهما أننا  بصدد تطور نوعى فى ممارسة العنف الذى بدأ بالطوب والحجارة والشوم، وتطور الى استخدام الخرطوش والمولوتوف، وانتقل الى الاسلحة الآلية والآر بى جى، ثم فوجئنا باستخدام السيارات المفخخة، إذا صحت الرواية الأمنية التى تحدثت عن محاولة الاغتيال الأخيرة، الأمر الذى يعنى أن مؤشر العنف يتصاعد ويزداد خطره حينا بعد حين.

 الأمر الثانى أن الحدث ينبغى أن يتم التعامل معه بدرجة عالية من الجدية والمسئولية تستبعد الهواة والمهرجين ودعاة الشيطنة الذين لا يهمهم مستقبل الوطن ولا استقراره وإنما غاية ما يشغلهم أن يصفّوا حساباتهم مع خصومهم. وهو ما لاحظته فى عناوين بعض الصحف التى صدرت امس الجمعة 6/9 حين سارعت الى اصدار قرار الاتهام، وتأكيد الادانة، قبل اى تحقيق فى الموضوع.

 الاجابة على السؤال من؟ ليس مجالا للرأى أو الاجتهاد، إلا فى الدوائر المعنية بالتحرى والتحقيق، التى أرجو ألا تقع فى محظور النزق والشيطنة، فتستلم بدورها للهوى السياسى وفكرة الشيطنة السائدة هذه الأيام.

 إذا لم يكن بمقدورنا أن نجيب عن السؤال من، إلا انه بوسعنا أن نجتهد فى الاجابة على السؤال لماذا؟ وأرجو ألا يفهم من ذلك الاجتهاد أى قدر من الموافقة أو التبرير لما حدث، كما قد يذهب بعض المتصيدين، لأن ما أدعو اليه هو تفهم خلفيات وملابسات الجريمة وعقلنة استنكارها لقطع الطريق على احتمال تكرارها.

 إن العنف ينطلق فى اغلب الاحوال فى اجواء الانسداد التى تستصحب موت السياسة، الأمر الذى يفقد الراغبين فى التغيير أو المحاسبة الامل فى تحقيق مرادهم بالوسائل السلمية والقانونية. وفى الحالة المصرية فإننا نشهد حديثا يوميا عن الارهاب والحرب التى اعلنت  السلطة عن خوضها ضده. ونطالع كل يوم اخبار طائرات الاباتشى التى تدك معاقل الارهابيين فى سيناء، وقد حدثتنا جريدة الشروق امس عن 11 هجوما ارهابيا هناك. كما نشرت جريدة الاهرام فى نفس اليوم انه تمت ازالة 50 بؤرة ارهابية على شواطئ قناة السويس بالتوازى مع ذلك، لا تفوتنا ملاحظة الحفاوة الإعلامية فى مصر بجماعة بلاك بلوك وتلويحاتها المستمرة باستخدام العنف، والحفاوة الموازية باقتحام مقرات الاخوان واشعال الحرائق فيها، وذلك كله فى كفة والعنف المفرط الذى ادى الى اغراق البلد مؤخرا فى شلال من الدم فى كفة أخرى. وهو ما حدث جراء فض الاعتصامات امام مقر الحرس الجمهورى وميدانى رابعة العدوية والنصب التذكارى وميدان النهضة الى جانب ما حدث فى مسجد الفتح ومحرقة المرحَّلين الى سجن ابوزعيل، هذه الحلقات المفزعة من العنف التى خلفت خمسة آلاف شهيد و20 ألف مصاب حسب بيانات تحالف الدفاع عن الشرعية (نصف ذلك العدد يظل مخيفا ومهولا).

حين يقترن ذلك بالمحاكمات العسكرية، ودعوات الاجتثاث واحراق المخالفين «بالجاز» التى ترددت فى وسائل الإعلام المصرية، فضلا عن الهجوم الشرس على كل من دافع عن الديمقراطية داعما لحق الوطنية، فإننا نصبح بصدد خلفية تنثر بذورا شريرة لانطلاق العنف واشاعته فى الفضاء المصرى.

 لقد تحدثت من قبل عن الوحش الذى استيقظ فينا فى الآونة الاخيرة، فأشاع فى اوساط المصريين مشاعر الكراهية والنفور والرغبة الجامحة فى استئصال المعارضين وسحقهم، ولم تكن تلك الاصداء الخبيثة مقصورة على علاقة المصريين بعضهم البعض وانما شملت ايضا علاقة فئات منهم بالسلطة، التى تصرفت من جانبها كوحش لا رادع له من اعراف أو قانون.

  حين يظل خطاب الشهرين الأخيرين يتحدث عن الارهاب والعنف وقمع الآخر، ولا يظهر فى عناوينه شىء عن التوافق والتسامح والتصالح، أو حتى الحوار الجاد، فإن ما نراه الآن يصبح بعض حصاد ما زرعناه، الأمر الذى يدعونا الى الحذر من العنف الآتي، إذا ما بقيت الأوضاع الراهنة على حالها، وهو ما يدعونا لأن ندق الاجراس محذرين من استمرار اماتة السياسة والتعويل على الأمن فى اجتياز المرحلة، ويحثنا على أن نجأر بصوت عالٍ بالدعاء: اللهم إنَّا لا نسألك ردَّ القضاء، ولكنْ نسألك اللطفَ فيه.

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.