هل مصر فى طريقها إلى الديمقراطية؟ - إبراهيم العيسوى - بوابة الشروق
الثلاثاء 7 مايو 2024 3:43 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل مصر فى طريقها إلى الديمقراطية؟

نشر فى : الإثنين 7 أكتوبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 7 أكتوبر 2013 - 8:00 ص

بإعادة قراءة بيان 3 يوليو أخيراً استرعى انتباهى انه لم يرد للديمقراطية أى ذكر فيه. وهو ما يدل على أن الديمقراطية لم تكن من شواغل من خططوا للانقلاب العسكرى ونفذوه. ومما يؤكد ذلك أيضا أن من وفروا الغطاء الإعلامى والسياسى للانقلاب قد رأوا فى التضحية بالديمقراطية ثمنا قليلا لبلوغ غايتهم وهى الخلاص من حكم الإخوان. إنهم دأبوا ولا يزالون على التسخيف من الديمقراطية والاستخفاف بنتائج الصندوق بدعاوى متهافتة كانتشار الأمية والفقر بين المصريين وسهولة تضليلهم وشراء أصواتهم. فالشعب الذى تفاخروا بتظاهراته فى 30 يوليو غير مؤهل بعد فى نظرهم لممارسة الديمقراطية، مع أنهم هاجوا وماجوا ــ عن حق ــ عندما صدر عن أحمد نظيف قول مشابه.

●●●

ولما كانت خريطة طريقهم ستطلب من المصريين الذهاب إلى الصندوق الذى احتقروه ثلاث أو أربع مرات، فإن ذلك يكشف عن ازدواجية صارخة فى المعايير. إنهم يريدون ديمقراطية حسب الطلب. فالديمقراطية سيئة إذا أتت بنتائج لا ترضيهم، ولكنها جيدة إذا جاءت بما يريدون. ولا بأس من إعادة هيكلة المشهد السياسى باستبعاد بعض الخصوم وتشويه سمعة البعض الآخر مثلما يحدث الآن حتى تأتى نتائج الانتخابات على هواهم.

وإذا كان الانقلاب قد أوقف خطوات التحول الديمقراطى على ما شابها من تعثر، فإن تطورات الأحداث بعد ما يزيد على ثلاثة شهور من وقوعه، تشير إلى توالى الضربات على مطلب الحرية والديمقراطية الذى رفعته ثورة يناير. فقد أصبحت الإجراءات المقيدة للحقوق والحريات هى القاعدة، ونشأ مناخ يمهد للاستبداد ويفاقم من الاستقطاب الذى شارك فى صنعه ولم يزل إعلاميون وسياسيون تفننوا فى صناعة الكذب والكراهية. فقد بدأت هذه الإجراءات فور إلقاء بيان الانقلاب بإغلاق فضائيات التيار الإسلامى واعتقال عدد من قياداته. وتواصلت بجعل الإعلام الرسمى والخاص ــ إلا فيما ندر كجريدة الشروق ــ وقفا على أنصار الانقلاب، مع حجب أخبار الأنشطة الاحتجاجية لمعارضى الانقلاب. وتوالى قمع الخصوم وقتل واعتقال الآلاف منهم والتنكيل بهم.

 ومع ذلك فقد استمرت الصحف والفضائيات التى تحولت بعض برامجها إلى أبواق للأجهزة الأمنية فى حملتها الضارية على الإخوان مستهدفة الإجهاز الكامل عليهم. كما قامت أجهزة الأمن بمداهمة وإغلاق القنوات التى تلقى الضوء على الرأى الآخر والجانب الآخر من الصورة كقناة الجزيرة، واعتقلت صحفيين ومراسلين مصريين وأجانب وعرضتهم لانتهاكات شتى. وصارت الدعوة للتظاهر ــ وهو من مكتسبات ثورة يناير ــ دعوة للفوضى والإرهاب (الأهرام فى 30 أغسطس 2013). أضف إلى ذلك عودة حالة الطوارئ التى كان الخلاص منها فى طليعة مطالب ثورة يناير، وفرض حظر التجوال وعودة مركبات الأمن المركزى للتواجد فى الشوارع جنبا إلى جنب مع مدرعات الجيش، وتكاثرت الحواجز والكمائن فى مشهد يثير الرعب ويستدعى من الذاكرة تصرفات مناظرة للجيش الإسرائيلى فى الضفة الغربية.

●●●

وبعدما كان الإخوان يتهمون بإقصاء الآخرين، صار الإقصاء ديدن الانقلابيين الذين نالوا المناصب الوزارية والقيادية وحظوا بالتعيين فى مجالس ولجان شتى. منها المجلس القومى لحقوق الإنسان الذى بعد أن أصدر فى 16 أغسطس بيانا يدين فيه اللجوء للعنف من جانب عناصر مسلحة تنتمى إلى الإخوان ومؤيدى الرئيس المعزول وحلفائهم، ويعلن تأكده من ارتكابهم أعمال عنف ضد المواطنين والمنشآت العامة والخاصة، قرر تشكيل لجان يقودها أنصار الانقلاب للتحقيق فى أحداث رابعة وكرداسة وترحيلات أبوزعبل! ومنها المجلس الأعلى للصحافة الذى خفت صوته فى وقت تآكلت فيه حرية الصحافة وتزايد قمع وقتل الصحفيين لدرجة أن الاتحاد العالمى للصحفيين صار يصنف مصر كواحدة من أربع دول يتعرض فيها الصحفيون لأشد المخاطر (راجع أيضا مقالين لبلال فضل فى الشروق فى 27 أغسطس و22 سبتمبر 2013). ومنها لجنة الخمسين التى يتجسد فيها الإقصاء فى أشد صوره حيث يمثل التيار الإسلامى بشخص واحد من حزب إسلامى مناصر للانقلاب، وحيث يترأسها من كان الكثيرون ممن صاروا مؤيدين للانقلاب يعتبرونه من الفلول عندما كان مرشحا للرئاسة. فأى دستور يتوقع من هذه اللجنة وأى ديمقراطية تلك التى يمكن أن تقوم على أساسه؟!

●●●

ومن المؤسف والمؤلم معا أن الكثيرين ممن كانوا فى طليعة ثورة يناير وممن كانوا يعتبرون أن استيعاب التيار الإسلامى فى الحياة السياسية من مكاسبها المهمة صاروا من أشد المؤيدين لإقصائه، ومن غلاة المبررين لكل ما يتخذ بحقه من إجراءات قمعية. وصار أى شىء مباحا فى نظرهم طالما أنه يزيح الإخوان من الساحة السياسية. وفى سبيل هذا الهدف تناسى القوم ما كانوا يتمسكون به من مطالب ثورة يناير مثل تطهير الشرطة وإعادة هيكلتها وإعادة التحقيق فيما نسب إلى الجيش من اتهامات بكشف العذرية وقتل متظاهرى ماسبيرو وغيرها، وإخضاع موازنة الجيش للرقابة البرلمانية، وعدم محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى، وقنعوا من مطلب العدالة الانتقالية بإنشاء وزارة لم يصدر عنها أى فعل لتحقيقه. ولم يعد يقلقهم «ركن» ملفات مهمة مثل ملف استعادة الأموال المنهوبة وملف سد النهضة وغيرها.

●●●

فى ضوء ما تقدم يعجب المرء مما صدر مؤخرا من تصريحات رسمية بأن «مصر فى طريقها إلى الديمقراطية» حسبما جاء فى بيان لمجلس الوزراء يحث فيه المحطات التليفزيونية على إحلال هذا الشعار محل شعار «محاربة الإرهاب» (الأهرام فى 26 سبتمبر)، وبأن «مصر بدأت مسارها الديمقراطى الحقيقى بعد 30 يونيو»، كما قال المستشار السياسى للرئيس المؤقت (الأهرام فى 22 سبتمبر). فالظاهر مما يجرى على الأرض أن ما بدأ بالقوة لن يستمر بغير القوة، وان طريق السلطة الجديدة هو الطريق اللا ديمقراطى. فلم يعرف التاريخ انقلابات عسكرية تؤسس لديمقراطية حقيقية، كما أن الدلائل كثيرة على خوف النخبة الجديدة من الديمقراطية، وهو ما يعوق أى تقدم نحوها.

 

أستاذ الاقتصاد بمعهد التخطيط القومى

إبراهيم العيسوى  استاذ الاقتصاد بمعهد التخطيط القومى
التعليقات