المؤتمر الاقتصادى.. الفكرة والأهداف - إبراهيم العيسوى - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 7:01 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المؤتمر الاقتصادى.. الفكرة والأهداف

نشر فى : الإثنين 6 أبريل 2015 - 9:55 ص | آخر تحديث : الإثنين 6 أبريل 2015 - 9:55 ص

رفعت التصريحات الرسمية وحملات الإعلام الحكومى والخاص بشأن المؤتمر الاقتصادى ــ سقف المتوقع منه إلى عنان السماء. وتبارى حتى من كان يظن بهم التعقل والتأنى فى إصدار الأحكام فى التهليل للمؤتمر لدرجة التصريح بأن المؤتمر قد نجح حتى قبل أن يبدأ. كما ازدحمت الساحة بتصريحات تفتقر إلى أدلة حاسمة من قبيل أن نتائج المؤتمر مبهرة وأنها فاقت كل التوقعات. بل إن بعض المبهورين بنتائج المؤتمر قد ذهب بهم الحماس إلى اتهام من أبدوا بعض التحفظات على ما انتهى إليه المؤتمر بالحماقة أو الجهل أو بأن فى نفوسهم غرضا. والآن بعد أن انفض السامر وهدأت المشاعر قليلا، ترى هل بقيت مساحة لتحليل يعود بالمصريين من سماء الأحلام إلى أرض الواقع؟ هذا ما أرجوه وأنا أكتب هذا التعليق على فكرة المؤتمر وأهدافه الظاهرة والباطنة ومعايير تقييمه وحصاده.

•••

إن الهدف الكبير الظاهر للمؤتمر هو الترويج للاستثمار (الأجنبى أساسا) فى مصر، وذلك عن طريق الإعلان عن حزمة حوافز وتيسيرات للمستثمرين وتوصيل رسالة بأن مصر آمنة ومستقرة، وبأن ما يطلق عليه بعض الإعلاميين دولة 3 يوليو قد قضت على مصادر قلق المستثمرين ومخاوفهم. ولكن إلى جانب هدف جذب الاستثمار المتضمن فى عنوان المؤتمر باللغة الإنجليزية وهو مؤتمر التنمية الاقتصادية لمصر، كان هناك هدف ثان وهو استجلاب الدعم والمساعدات، وهو ما يكشف عنه عنوان المؤتمر باللغة العربية، وهو مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصرى.

ولكن هل كان مؤتمر شرم الشيخ مؤتمرا للتنمية كما يُفهم من عنوانه بالعربية والإنجليزية؟ إن الاستثمار وسيلة لنمو اقتصادى من نوع أو آخر، ولكن النمو ليس صنوا للتنمية بمعناها الشامل والمستقل والمستدام. فلو كانت التنمية هى غاية المؤتمر لوجب أن يتسع جدول أعماله ليشمل – إضافة للاستثمار الأجنبي ــ قضايا الاستثمار الخاص المحلى وإصلاح وتنمية القطاع العام، ولكان من الضرورى أن يكون لما طرح من مشروعات موقع واضح فى خطط التنمية الجارية والمستقبلية، ولكانت قضية الأولويات الحاكمة لاختيار المشروعات وتوزيعها قطاعيا وجغرافيا حاضرة بقوة فى المؤتمر، ولكانت مسألة التشابكات بين مختلف القطاعات والمشروعات محلا لاهتمامه، ولكانت لسياسات العدالة الاجتماعية والاستدامة والديمقراطية مساحة واسعة فيه. ولكن هذه الأمور غابت فى غمار الاعتقاد بأن الحل يكمن فى الخارج وأن مفتاحه هو الاستثمار الأجنبى، وأن أى استثمار أجنبى يأتى هو محل ترحيب أيا كان القطاع الذى يتدفق إليه وأيا كان المكان الذى يتوطن فيه، وأن على القطاع الخاص المصرى أن يقنع بالعمل من الباطن لصالح الشركات الأجنبية.

والسؤال الذى يتعين طرحه قبل الانتقال إلى الهدف الخفى للمؤتمر هو: أكان المؤتمر أفضل وسيلة لتحقيق هذين الهدفين، لاسيما إذا أخذنا فى الاعتبار أمرين: كلفة الدعاية للمؤتمر وتنظيمه واستضافة وفوده، وكلفة تأمين شرم الشيخ وكلفة تجميلها التى قيل إنها بلغت 100 مليون جنيه وغير ذلك من النفقات التى من حق الشعب أن يعلم مبرراتها ومقاديرها والجهات التى تقاضتها، وكلفة حزمة المحفزات والتيسيرات التى أقرت على عجل عشية المؤتمر بإرادة منفردة فى غياب مجلس نيابى منتخب، وشكلت تراجعا فى السياسات الاقتصادية والاجتماعية.

•••

فى الحقيقة أن محاولات جذب الاستثمار الأجنبى لم تتوقف منذ تحول مصر إلى الانفتاح الاقتصادى فى أوائل سبعينيات القرن العشرين. فما أكثر ما نظمته الحكومات المتعاقبة أو شاركت فيه من مؤتمرات فى الداخل والخارج. وما أكثر المؤتمرات التى تعقدها غرفة التجارة الأمريكية بالقاهرة وجمعيات رجال الأعمال المشتركة بين المستثمرين المصريين وأقرانهم فى دول شتى. وهناك مؤتمر لا يقل فى ضخامته عن مؤتمر شرم الشيخ شهدته القاهرة فى التسعينيات كحلقة فى سلسلة مؤتمرات عقدت فى سياق ما عرف بمشروع الشرق الأوسط الكبير، وخرجت أجهزة الإعلام حينذاك تبشر المصريين بقرب تدفق مليارات الدولارات لتمويل عشرات المشروعات التى لم يتحقق منها شىء. وفى كل عام بعقد بالقاهرة مؤتمر اليورومنى. كما يعقد مؤتمر قمة اقتصادية عربية يجمع الاقتصاديين وأهل المال والأعمال فى الدول العربية. وصار من التقاليد المرعية أن يكون فى معية الرئيس عندما يزور بلدا من البلدان وفد من رجال الأعمال المصريين بهدف عقد صفقات مع نظرائهم الأجانب. وهكذا الحال عندما يزور رئيس دولة أجنبية مصر. وفى وقت من الأوقات كان هناك ما يعرف بحملات طرق الأبواب حيث تسافر مجموعة من المسئولين ورجال الأعمال المصريين للالتقاء بممثلى الحكومات والبرلمانات والشركات الأجنبية بهدف جذب الاستثمارات لمصر. وفى معظم هذه المناسبات يتحدث رئيس الوزراء عن السياسة العامة ويعرض الوزراء السياسات القطاعية كما حدث فى شرم الشيخ.

وكان الحصاد الفعلى لهذه المؤتمرات واللقاءات ضئيلا لسبب أعتقد أنه ينطبق على مؤتمر شرم الشيخ أيضا. ألا وهو أن الشركات الكبرى لا تتوصل إلى ما تريد إقامته من مشروعات فى أى دولة من خلال مؤتمرات كهذه. إذ إن لهذه الشركات أجهزة البحوث الخاصة بها التى تدرس فرص الاستثمار فى مختلف الدول، مستعينة فى ذلك بالمنظمات المتخصصة فى دراسة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية، وبالمكاتب الاستشارية وشركات تقييم المخاطر. ومن هذه الشركات ما قد يتوافر لديه من المعلومات عن موارد دولة معينة وفرص الاستثمار بها ما قد لا يتوافر للدولة ذاتها، لاسيما شركات البترول والغاز الطبيعى. كما أن مثل هذه المؤتمرات الموسعة قد تتيح فرص التعارف بين المستثمرين وبينهم وبين المسئولي، وهو ما قد يثمر عن بعض النتائج فيما بعد، ولكنها بالقطع ليست المجال المناسب لعقد الصفقات أو حتى للمباحثات التجارية أو للتفاهمات على استثمارات بمليارات الدولارات. ويجب ألا يغض الطرف عن هذا الكلام باعتبار أن مؤتمر شرم الشيخ قد عقد وانتهى الأمر. بل يجب أخذه بجدية، لاسيما مع إعلان الرئيس فى غمرة سروره بالمؤتمر أنه يمكن أن يعقد سنويا. إن قرار تحويل المؤتمر إلى حدث سنوى يجب ألا يتخذ بناء على انفعال لحظى، بل يجب أن يتحدد وفق دراسة متأنية للنتائج الفعلية للمؤتمر والتى لن تظهر إلا بعد مدة قد تطول، وبناء على تحليل دقيق لعوائده وتكاليفه بالقياس إلى عوائد وتكاليف البدائل الممكنة له.

•••

ونأتى الآن إلى الهدف غير المعلن للمؤتمر، وهو إظهار أن السلطة الحاكمة فى مصر تحظى باعتراف دولى كبير، وأن شرعيتها قد تأكدت بما يطوى صفحة الجدل حول ما إذا ما كان ما جرى فى 3 يوليو 2013 ثورة أم انقلاب. ولذا فقد بذلت الحكومة جهودا ضخمة من أجل حث أكبر عدد ممكن من رؤساء الدول والحكومات والسفراء والمنظمات الدولية لحضور المؤتمر، وذلك بغض النظر عن صلتها بقضية الاستثمار أو تقديم الدعم الاقتصادى، كالكثير من ممثلى الحكومات الأفريقية التى تسعى مثل حكومتنا لجذب الاستثمار والدعم. ولا شك فى أن الحضور كان كبيرا ومتنوعا، ولكنه بالقطع لم يصل إلى ما كان مأمولا من جانب الحكومة. ولكن ما دلالة هذا الحشد الكبير وما هى نتائجه؟ إن الإجابة عن هذا السؤال تتطلب مناقشة معايير تقييم المؤتمر.

إبراهيم العيسوى  استاذ الاقتصاد بمعهد التخطيط القومى
التعليقات