بوكر بين «واحة الغروب» و«عزازيل» - إكرام لمعي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 2:20 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بوكر بين «واحة الغروب» و«عزازيل»

نشر فى : الأربعاء 8 أبريل 2009 - 8:31 م | آخر تحديث : الأربعاء 8 أبريل 2009 - 8:31 م

 بداية لابد وأن نقدم تحية واجبة لدار الشروق، حيث فاز إنتاجها بجائزة بوكر لسنتين متتاليتين، وكانت قد أعطيت الجائزة فى عام 2008 لرواية «واحة الغروب» للأديب بهاء طاهر، وهذا العام لرواية «عزازيل» ليوسف زيدان خبير المخطوطات. وبقراءتى للروايتين أدركت أنهما يناقشان ــ من وجهة نظرى ــ موضوعا واحدا، وهو العلاقة بين الحضارات، ولقد انحاز بهاء طاهر لفكرة حوار الحضارات، بينما انحاز يوسف زيدان لتصادمها. لكن ما يهمنا هنا هو كيف عالج كل منهما فكرته.

لقد عالج الأستاذ بهاء طاهر هذه الفكرة من خلال قصة مأمور واحة سيوة فى أواخر القرن التاسع عشر، وكان اسمه الحقيقى محمود عزمى والذى سماه فى الرواية محمود عبد الظاهر، وقد نقل إلى الواحة كنوع من العقوبة بسبب مقاومته للإنجليز الذين احتلوا بلاده، وكان متأثرا من خيانة أكابر البلد لأحمد عرابى، حيث كان شاهدا عليها، وهو رجل مصرى يحب بلده ويعشقها ويكره الإنجليز، الذين يستعمرونه، لكنه فى نفس الوقت كان متزوجا من امرأة إنجليزية تعشق الآثار المصرية وتبحث عن مقبرة الإسكندر الأكبر. وقد امتلأت فرحا وسعادة لأن زوجها ذاهب لواحة سيوة، حيث هناك احتمال أن يكون الإسكندر قد دفن فيها، لأنه يوجد معبد أبو عبيدة، والذى كان من قبل معبد آمون. وهناك وقف الإسكندر فى قدس الأقداس ليستمع إلى الإله آمون وهو ينصبه إلها وفرعونا. وتحتوى واحة سيوة على تشكيلة رائعة من البشر قبيلتان أتيتا من المغرب العربى لهما لغة مختلفة لا تعرفان العربية، يسكن معهما بالطبع مصريون، ويهددهم جميعا البدو العرب بغارات من وقت لآخر، وجميعهم من المسلمين، وهناك صراع بين القبيلتين الشرقية والغربية.

ذهب محمود إلى الواحة التى تحتوى على هذه التشكيلة العجيبة، فمعبد آمون يشهد على عظمة المصريين والحضارة المصرية القديمة واليونانية، حيث زارها الإسكندر. وهناك مصر متمثلة فى مليكة الفتاة الجميلة التى تتمرد على التخلف، الفنانة فى صناعة التماثيل، الذكية، التى ترفض الزواج من الرجل العجوز والتى تموت بسبب التقاليد البالية. وخالها الشيخ يحيى الذى يعلم أن كل ما يحيط بالمعبد من خرافات عن كنوز وعفاريت وغيلان لا معنى لها وليس له أى قيمة، والذى يفشل فى حماية ابنة أخته ويعتزل الواحة. وهناك المأمور المصرى الذى تتلخص فيه الحضارة المصرية الأصيلة الفرعونية واليونانية والإسلامية ويقترن بالحضارة الأوروبية، والذى تأثر بجمال الدين الأفغانى فأدمن – على حد قوله – بجوار الخمر والنساء، مجالس الشيخ جمال الدين الأفغانى وقراءة الصحف التى يحررها تلاميذه. وقد سمع أن الشيخ ينتمى إلى الماسونية والتى تجمع أولئك الذين ينتمون إلى ديانات متعددة يجمع بينهم الإيمان بالحرية والتآخى بين الناس من كل جنس، وتمنى أن تصبح الأرض معقلا لعالم من الإخوة الأحرار. وكان بجانب كل ذلك يذهب إلى حلقات الذكر، ولا يرى أى تناقض فى ذلك. لقد كان محمد عبد الظاهر يعبر عن تلاقى الحضارات فى شخصه، لكنه يفرق تماما بين الحضارة الأوروبية التى تعشق الآثار المصرية ويتعايش المصرى معها دون تحفظ ويمتص من رحيقها وطرق تفكيرها وبين المستعمر الأوروبى الذى يكرهه ويحاربه. كل هذا الزخم فى سياق أدبى بديع ورائع، ومن الكلمات اللافتة للنظر قول قائد بجوار الإسكندر، بعد أن صار الإسكندر إلها فى معبد آمون بأسف: «كنا سعداء بأن بطلا فحسب هو الذى يقودنا إلى النصر وليس إلها»، وقول المأمور قبل أن ينسف المعبد ( هذا إذا هو المجد الذى يكشفه لنا الإنجليز لنعرف أننا كنا عظماء وأننا الآن صغار ! الأجداد لا بأس ! أما الأحفاد فلا يصلحون إلا للاحتلال.

إنما رواية عزازيل فقد بدأت بداية موفقة جدا من الناحية الأدبية، حيث يحكى المؤلف عن الراهب هيبا الذى رأى مقتل والده الوثنى على يد المسيحيين، وهو ابن التاسعة، وقد ترك الصعيد ورحل للإسكندرية ليدرس الطب. وقد وقعت أحداث الرواية فى القرن الخامس الميلادى. وكان يمكن للرواية أن تكتمل بشكل رائع، إلا أنه بدأ يذكر أسماء حقيقية مثل هيبا تشيا الفيلسوفة، والبابا كيرلس الرابع عامود الدين، وأسماء أناجيل رفضتها الكنيسة مثل إنجيل توما ويهوذا، ومفكرين رفضتهم الكنيسة أيضا مثل أريوس ونسطور، وهذا أيضا ليس لنا عليه اعتراض. أما أن يقول رأيه الشخصى فى أحداث وقعت بالفعل، دون أسانيد تاريخية واضحة بل فى أحيان كثيرة ذكر معلومات خاطئة للغاية، من أهمها على الإطلاق أن نسطور ،والذى صار بطريركا، كان يرفض إلوهية المسيح. والحقيقة التاريخية عكس ذلك تماما، فلقد كان اعتراض نسطور، والذى حوكم لأجله هو اعتراضه فى قانون الإيمان على تعبير ( والدة الإله)، حيث يؤمن أن المسيح له طبيعتان، واحدة إلهية والأخرى إنسانية، ومشيئتان إلهية وإنسانية. والكنيسة الأرثوذكسية تؤمن بأن المسيح له طبيعة واحدة ومشيئة واحدة، لذلك هو يقول أن العذراء مريم هى أم السيد المسيح فى طبيعته الإنسانية، وليست والدة الإله. وهذا الفكر يؤمن به الغالبية العظمى من المسيحيين اليوم، أى الكاثوليك والبروتستانت.

وهكذا خلط المؤلف بين التاريخ، الذى يحتاج إلى مخطوطات ومراجع، (وكان يمكن جدا أن يقدم د. يوسف كتابا تاريخيا عن هذه الحقبة بمراجعه المتعددة)، أما أن يضع تاريخا مفصلا بآراء محددة فى تفاصيل عن أحداث مشكوك فى صحتها ويقول إنها رواية فهذا خلط للأمور، ليس هذا فقط، بل إنه أخذ يعلم ضد اللاهوت المسيحى بطريق مباشر على فم الشيطان، وهذا ما جعل الكثير من المسيحيين يسعدون لأن الذى ضد الإيمان المسيحى هو إبليس، بينما اعتبر آخرون أنه هجوم على الإيمان المسيحى، وردوا الهجوم بهجوم مضاد.

وهكذا لم يشعر القارئ أنه أمام رواية خيالية بها أساسيات الرواية من خيال وإبداع ورؤية، وهكذا نستطيع أن نكتشف بسهولة أن دكتور يوسف انحاز فى روايته إلى صدام الحضارات معتمدا على الصدام بين الكنيسة المسيحية والوثنيين على مدى خمسين عاما، بينما عبر بهاء طاهر عن هذه الفكرة بنعومة شديدة بقوله (كان هناك شهداء للمسيحية قبلوا التعذيب والموت دفاعا عن عقيدتهم السماوية ولكن كان هناك أيضا شهداء للآلهة الوثنية ارتضوا تعذيب المسيحيين لهم وضحوا بحياتهم من أجل آمون وإيزيس وحورس ) لقد تعجبت كثيرا أن تذهب بوكر إلى «عزازيل» فى السنة التالية التى ذهبت فيها إلى «واحة الغروب»، والغريب أن مؤلف الرواية يقول فى لقاء تليفزيونى إن الناس قد سئمت من الروايات المتهافتة لسنين طويلة، فليس لدينا أدباء من الوزن الثقيل، ولذلك استقبلت روايته استقبالا حافلا، وقد نسى تماما أننا نعيش فى زمن بهاء طاهر وجمال الغيطانى ويوسف القعيد وإبراهيم أصلان وسناء البيسى، والشعوب لا تبيع زمنها لأحد ولا
تشترى زمنها من أحد.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات