الأم: من أين أنتم؟
الكاتب: من مصر.
الأم: نحن من بلد قريب منكم.
الكاتب: نعم، سمعتك تتحدثين العبرية مع الطفلين. ومن أى مدينة تأتون؟
الأم: نحن نسكن بجوار القدس، زوجى صغير فى السن وأنا فى العشرينيات ولدينا طفلان ونريد المزيد.
الكاتب: هنا فى هذه المدينة، فى بودابست، تتراجع نسب المواليد بفداحة. انظرى حولك لن ترى الكثير من أطفال الأسر المجرية على الرغم من كوننا فى حديقة للأطفال. يقولون إن غلاء المعيشة هو السبب فى عدم رغبة الناس فى الإنجاب، ومن ثم فى توقف تعداد الشعب المجرى توقف عند ١٠ ملايين.
الأم: نعم، ومع ذلك تطبق الحكومة المجرية سياسات عنيفة للغاية ضد الأجانب الراغبين فى العمل والإقامة هنا وضد اللاجئين الذين يبحثون عن مكان آمن للحياة. أسرتى تعيش هنا منذ عامين، وقد شاهدنا الكثير من الاحتجاجات الشعبية ضد الأجانب، على الرغم من احتياج المجر لقوى عاملة من الخارج. شعب غريب الأطوار، وحكومة تعتاش على الغوغائية ضد الضعفاء.
الكاتب: الغريب هو أن تكون هذه هى رؤيتك للأمور.
الأم: لماذا؟
الكاتب: حسنا، هذه رؤية تقدمية تعتد بحقوق الناس، وتدافع عن الضعفاء، وتقبل غلبة المقولات العقلانية حين تتخذ قرارات سياسية.
الأم: جيد. وما الغريب فى ذلك؟
الكاتب: الغريب هو إننى استنتجت من حديثك عن أسرتك كونكم من المستوطنين الذين يقطنون حول القدس.
الأم: نعم، استنتاجك صحيح.
الكاتب: أنتم تغتصبون أراضى الفلسطينيين، وتفرغون القدس من سكانها العرب الذين يهجرون من المدنية أو تمنع عودتهم إليها. وبعضكم يتورط فى جرائم قتل وعنف ضد الفلسطينيين، والأحزاب السياسية التى تمثلكم هى الأكثر تطرفا وعدوانية. كيف يستقيم ذلك مع رؤية تقدمية عن الأجانب وأوضاعهم وحقوقهم؟ كيف يستقيم ذلك مع رفض غوغائية الحكومات وتغولها على الضعفاء وحكومة بلدك هى من أكثر الحكومات عنفا فى التعامل مع أناس لا يرغبون إلا فى تقرير المصير؟
الأم: هل تتوقع منى دفاعا عن ممارسات المستوطنين وسياسات الحكومة الإسرائيلية؟ هل تنتظر منى أن أظهر لك الوجه الذى تخاله الوجه الوحيد لسكان المستوطنات بعنفهم وازدرائهم للفلسطينيين واحتلالهم لأرض الشعب الفلسطينى دون رغبة فى تركها، وبتطرفهم فى المطالب التى يضغطون بها على الحكومة وتحفيزهم لها على شن الحروب على الفلسطينيين فى الضفة الغربية وغزة؟
الكاتب: على نحو ما، نعم. هذا هو ما أتوقعه. لذا وضعت لائحة اتهاماتى كاملة دون انتظار لحوار.
الأم: أعتذر، لإننى سأصدمك الآن. زوجى وأنا لسنا من المستوطنين الإيديولوجيين، ولا شأن لنا بتطرفهم ولا بعنفهم. نحن يهود متدينون نعم، ولكننا لا نريد الظلم أو القتل. السبب الوحيد لسكننا فى مستوطنة من المستوطنات المحيطة بالقدس هو الابتعاد عن الغلاء فى الإيجارات السكنية الذى ضرب جميع مناطق إسرائيل، والابتعاد عن الغلاء البالغ أيضا فى الخدمات الأساسية والسلع الاستهلاكية الضرورية. السبب الوحيد هو كوننا أسرة شابة ذات إمكانيات مادية محدودة. أما حب الأطفال وقولى إننى أرغب فى كثيرين، فخلفيتهما شخصية ودينية وليست سياسية.
الكاتب: أقدر شرحك، وأشكرك عليه. غير أنكم مازلتم فى عداد مغتصبى الأرض الذين يحرمون الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية. بالتأكيد توجد أماكن أخرى للحياة المعقولة بعيدا عن عنف المستوطنين وظلامية وتطرف المستوطنات.
الأم: أحترم صراحتك أيضا. زوجى يدرس هنا الهندسة. وعندما نعود نعتزم الرحيل بعيدا عن المستوطنة التى بها بيتنا، ولا ننتوى الذهاب إلى مستوطنة أخرى. أنت محق فى الإشارة إلى ظلامية وتطرف المستوطنين، ولا أريد لأطفالى الكثيرين النشوء بين أوساطهم. فقط أتمنى أن يعثر زوجى على عمل أفضل من عمله السابق.
الكاتب: وماذا كان عمله السابق؟
الأم: كان ضابطا بجيش الدفاع.
الكاتب: دعينا نتوقف عن الحديث فى هذه الأمور الآن. فلا داعى لأن تتطور اتهاماتى إلى التورط فى جرائم الحرب!