الدولة القديمة تتهاوى - طلال سلمان - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:43 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الدولة القديمة تتهاوى

نشر فى : الأربعاء 8 أغسطس 2012 - 9:05 ص | آخر تحديث : الأربعاء 8 أغسطس 2012 - 9:05 ص

يخلى الفرح المساحة للقلق على المستقبل العربى فى ظل تهاوى «الدولة» بمؤسساتها السياسية والعسكرية والقضائية والإدارية، وشحوب دورها كمرجعية موحَّدة وموحِّدة للأهالى جميعا الذين يصيرون فى ظلالها «شعبا» بهوية محددة، فإذا ما اندثرت أو تفككت مؤسساتها عادوا طوائف وشيعا وأعراقا وعناصر مختلفة إلى حد التناحر.

 

إلى ما قبل سنتين فقط، موعد تفجر شرارات الانتفاضات العربية التى انطلقت من تونس بداية فأشعلت «الميدان» فى مصر وحركت صحراء الركود السياسى فى جماهيرية القذافى، قبل أن تمتد تداعياتها إلى «جزيرة القهر» فى البحرين وصولا إلى «قلعة الصمود الأسطورى للنظام الأسدى» فى سوريا، كانت «الدولة» فى هذه الأقطار تتبدى ثابتة الأركان، وإن منخورة إدارتها بالفساد، عصية على التغيير لأسباب شتى أخطرها ضعف بل انعدام القوة المؤهلة والقادرة على إسقاط «النظام» مع الحفاظ على «الدولة».

 

•••

 

كان الحديث يجرى على «أنظمة قوية» من دون الالتفات إلى أن هذه «القوة» قد أنهكت «الدول» فخربت مؤسساتها وإدارتها ليبقى «السيد الرئيس» وكأنه «الدولة» جميعا، قراره دستور وكلامه قانون وإشاراته أوامر للتنفيذ بغير مساءلة أو تدقيق.

 

وإذا كان «القذافى» قد جهر برأيه فى أن «الدولة» لزوم ما لا يلزم، وأن «القائد» الذى يجمع فى شخصه الدين والدنيا يغنى عنها، فإن العديد من «الرؤساء» العرب قد تجاوزوا الملوك المقدسين بصلاحياتهم المطلقة وكادوا ينافسون الله جل جلاله على قرار الحياة والموت.

 

بهذا المعنى كان «الميدان» إعلانا بعودة الشعب إلى مركز القرار... لكن الميدان لم يكن «سلطة» حتى وإن تبدى انه مصدر القرار.. من حيث المبدأ. ثم إن للقرار دهاليز ومسالك مجهولة فى غياب القيادة الموحدة ذات الحق فى الإمرة على قاعدة برنامج سياسى محدد بهدف الوصول إلى التغيير المنشود.

 

بالمقابل فإن «النظام» الذى تبدى وكأنه قد سقط بسقوط رأسه ظل يملك الهامش الواسع الذى يمكنه من استنقاذ نفسه عبر التبرؤ من رأسه كعنوان للفساد والطغيان وتغييب الشعب بل تحميله مسئولية التردى تارة لأنه كسول وطورا لأنه لا يصبر كفاية ويتذمر لأتفه الأسباب كنقص الدخل أو الغلاء الفاحش أو تحكم الاحتكارات بمصادر عيشه، والتى غالبا ما يكون بعض «أصدقاء» أهل النظام هم أصحابها المتنعمون بربحها الحرام.

 

وجاء «العهد الجديد» محمولا على أكتاف أجهزة النظام الذى أسقطه، أى المؤسسات العسكرية والأمنية والإدارية ومعها شبكة «رجال الأعمال» الذين باتوا فى العصر الأمريكى الراهن أقوى التنظيمات وأفعلها لأنهم يمسكون ــ عبر الاقتصاد ــ بعنق الدولة ويطوعون أجهزتها لخدمتهم باعتبارهم يملكون مفتاح المستقبل.

 

•••

 

لا أحزاب ولا جبهة وطنية جامعة ولا نقابات فاعلة ولا أطر جدية للعمل الشعبى، وبالتالى لا برنامج للتغيير إلا فى الخطب التى مرجعها القرآن الكريم والحديث الشريف عبر اختيارات تلائم الغرض، فيقصى المعارض «لنقص فى إيمانه» ويقرّب الانتهازى والمنافق، وتصبح السبحة والزبيبة واللحية ــ مشذبة أو مطلقة ــ وكأنها شهادة ميلاد «النظام الجديد» الذى ينشأ من تحالف مستجد بين من كانوا بين دعامات عهد الطغيان ومفتى انحرافاته.

 

أما الإدارة فأمرها هين لأن قانونها يتلخص فى «إن الأمر لذوى الأمر»، وأما الأجهزة فليست مصدر قرار وإنما هى جهات تنفيذية ولا يعنيها «شخص» من يصدر التوجيه... تستوى فى ذلك الحكومة أو هيئات الرقابة أو المؤسسات العسكرية والأمنية التى تلتزم حدودها بتنفيذ الأوامر التى تصدر «من فوق»... لا سيما إذا ما أغريت بموقع الشريك فى القرار.

 

ويمكن أن يصير «الاقتصاد» مقتل «الميدان» الذى لا تملك قواه السياسية والشعبية برنامجا للإنقاذ أو ــ أقله ــ للاستغناء عن «المساعدات الأمريكية» حتى لو كانت كذبة أسطورية، وبالتالى فلا بد من ضمان ولاء رجال الأعمال الذين يمسكون بمفاتيح الحياة اليومية فان أغضبوا أقفلوا خزائنهم وجمدوا حركة الأسواق فإذا الناس فى خطر الجوع وافتقاد لوازم حياتهم اليومية.

 

•••

 

على هذا فلا بد للميدان أن يهدأ، ويترك للإدارة الجديدة التى تسلمت رأس السلطة أن تتصرف، فتهادن واشنطن ومعها إسرائيل، وتسترضى العسكر، وتضمن لرجال الأعمال أموالهم ومجالات أنشطتهم، حتى لو انتبهت أو نبهت إلى أن فى ذلك خروجا على «الثورة» وتثبيتا للنظام القديم بوجه جديد يتميز عن « سلفه» بلحية عصرية مشذبة.

 

والعذر واحد فى الحالات جميعا: لا يمكن تطهير الإدارة فى يوم، ولا يمكن تجاوزها وإلا عمّت الفوضى، والإصلاح سيتم تدريجيا، فاصبروا، إن الله مع الصابرين..

 

فى دول المشرق العربى سادت فى الخمسينيات والستينيات موجة الانقلابات العسكرية. وكان كل انقلاب يتهم من انقلب عليهم بأنهم خانوا القضية وضيعوا فلسطين وأفقروا الشعب وحكمّوا الأجهزة بالبلاد والعباد.. ثم يقوم ضابط جديد بانقلاب جديد فتتغير صورة «الرأس» فى المكاتب الرسمية لكن أحوال الناس لا تتغير إلا الى الأسوأ.

 

وبعض التنظيمات الدينية لا تختلف كثيرا عن العسكر فى التراتبية وحق الإمرة، وان أضفت على أوامرها مسحة من القداسة الدينية.

 

•••

 

وما زال الأمل فى الميدان حتى لا يقتصر التغيير على الرأس والشكل، فى حين تتهالك الدولة وتتبدى فى الأفق نذر الفتنة والفوضى المسلحة مقدمة لحرب أهلية مفتوحة.. خصوصا وقد غاب أو غيب الرواد من مناضليه نتيجة افتراقهم وعجزهم عن تأمين الانتصار بجبهة سياسية ذات برنامج مدروس ومؤهل ليكون أساس التغيير فى اتجاه المستقبل الأفضل.

 

والمقيمون فى الماضى الذين يرون فى التجربة الأمريكى النموذج المطلوب يمكن الاكتفاء باتخاذها منهجا، وتحت رعاية واشنطن و«مساعدة» البنك الدولى وصندوق النقد الدولى، لا يمكن أن يكونوا رواد المستقبل وبُناته.

 

 

طلال سلمان كاتب صحفي عربي بارز، مؤسس ورئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية، كما أنه عضو في مجلس نقابة الصحافة اللبنانية - المدونة: www.talalsalman.com
التعليقات