«سى بام» - محمود محي الدين - بوابة الشروق
الأربعاء 8 أكتوبر 2025 10:03 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

«سى بام»

نشر فى : الأربعاء 8 أكتوبر 2025 - 8:00 م | آخر تحديث : الأربعاء 8 أكتوبر 2025 - 8:00 م

«سى بام» ليست من الألفاظ العربية لكنها ستكون من الدخيلات عليها، وهى ليست اسمًا لفيروس جديد، لكنها من آفات التجارة الدولية المعاصرة بإجراءاتها الأحادية، ونتائجها السلبية التى ستُبرَّر، كالعادة، بأنها غير مقصودة، وإن كان المقصود منها ليس أقل سوءًا. فـ«سى بام» تشكِّل الأحرف الأولى باللغة الإنجليزية لما تُعرف بـ«آلية تعديل حدود الكربون»، التى سيطبقها الاتحاد الأوروبى كإجراء منفرد من دون تفاوض أو تشاور مسبق مع الشركاء التجاريين، أو مراجعة فى إطار منظمة التجارة العالمية. واعتبارًا من شهر يناير 2026 سيُخضع الاتحاد الأوروبى وارداته من قطاعات ستة حيوية لقيود تجارية، تُلزم مستورديه للسلع كثيفة الكربون بشراء شهادات كربون تعادل سعر المنتجات المستورَدة بتلك المنتَجة محليًا فى أوروبا.
ويمثل هذا تكلفة إضافية، بما سيجعل «سى بام» كلمة كثيرة التردد على ألسنة منتجى ومصدرى القطاعات الستة المستهدفة، وهى: الحديد والصلب، والألومنيوم، والأسمنت، والكهرباء، والأسمدة، والهيدروجين.
وقد يرى البعض أن هذه الآلية، قد أتت حماية من تغيرات المناخ، ولتحفيز التحول نحو الاقتصاد الأخضر، ولعدالة الفرص بين المنتج المحلى الأوروبى «الملتزم» ومنافسيه من الخارج. وقد لا يعلم هؤلاء أو يتناسون أن هناك إجراءات متفقًا عليها، بمفاوضات مضنية، للتحول العادل لاستخدامات الطاقة وفقًا لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغيرات المناخ. ومن عجب أن يتم الاتفاق على مسار دولى وفقًا لإطار تشهده وتقره قمم المناخ، ثم تُنتَهك ترتيبات هذا المسار بإجراءات منفردة ينبرى أصحابها بادعاء أنها متوافقة مع قواعد منظمة التجارة العالمية، من دون أن يصدر من المنظمة رسميًا ما يفيد توافقًا لـ«سى بام» معها أو اختلافًا. فهى لم تحقق فى الأمر بتفصيل لحالة، وليس لها أن تبت بالضرر إلا حال وقوعه فعلًا وتبيان أثره، وهو ما سيستغرق زمنًا، وخلال هذا الزمن سيكون الضرر قد وقع بتكاليف يتحملها المنتجون والمصدرون واقتصادات بلدانهم النامية.
ووفقًا للنهج الحالى لآلية «سى بام»، وأساليب تنفيذها، وتحصيل إيراداتها التى ستئول للاتحاد الأوروبى، الذى يعتزم إنفاقها على منتجيه على حساب منتجى البلدان النامية، سيكون هناك مزيد من تفتيت التجارة الدولية وزيادة منازعاتها، وتعميق التفاوت بين شركاء التجارة بالجور على الأضعف استعدادًا وإمكانية، وإثقال كاهله بأعباء إضافية. ومن الأعباء ما يتمثل فى تكاليف الإفصاح الإضافى، وإن تحملها ظاهريًا المستورد الأوروبى فسيحيلها إلى مصدره من البلدان النامية. ومن الأعباء الأكبر فرض تغييرات متسارعة فى طرق الإنتاج، وما قد تستلزمه من استعجال فى تخارج غير محسوب بإهدار للعملات ولرءوس أموال. ومع ضيق فرص المساندة المالية المحلية فى البلدان النامية لضغوط شتى على موازناتها، ومع تراجع التمويل الخارجى الميسر، تزداد مصاعب التغير الهيكلى المنضبط، ويصبح التحول العادل للطاقة فى عداد المفقودات من اتفاقات دولية مبرمة.
وقد أغنت دراسات الاقتصادية، إيستر دوفلو، الحائزة جائزة نوبل فى الاقتصاد، فيما أطلقت عليه «الدَّين الأخلاقى»، عن الجدل حول مسئولية بلدان متقدمة فى أزمة تغيرات المناخ باستمرار انبعاثاتها فوق المتوسطات الحرجة. وإن غيرت تلك البلدان شيئًا فهو فى بعض أنماط إنتاجها، بينما ظل أسلوب استهلاكها من دون تغير ملموس. فما حدث هو مجرد نقل مصدر إنتاج الانبعاث الكربونى من أراضيها مع استمرار استهلاكها لمنتجاته، ثم ها هى تفرض على منتجاته ما تستهلكه فرائض مالية بمسميات شتى، تستخدمه فى دعم اقتصادها.
وفى دراسة صدرت الشهر الماضى فى شكل ورقة عمل أعدّها خبراء فى صندوق النقد الدولى، عن الأثر الاقتصادى الكلى لآلية «سى بام» على بلدان الشرق الأوسط ووسط آسيا، أخرجت أرقامًا صادمة بأنه رغم الأثر المحدود على النواتج المحلية الإجمالية لهذه البلدان، فإن الأثر على المنتجات المستهدفة كالحديد والصلب، والأسمدة، والأسمنت يعادل فرض تعريفة جمركية يبلغ متوسطها 14 فى المائة على صادراتها.
ووفقًا لمقترح عرضته مع المديرين التنفيذيين للجنتين الاقتصاديتين الإقليميتين للأمم المتحدة المعنيتين بالبلدان العربية والأفريقية، نشره موقع «بروجكت سينديكيت» فى شهر يونيو الماضى، فهناك ضرورة لإعادة النظر بشكل شامل لهذه الآلية قبل تطبيقها السنة المقبلة. فبدلًا من فرض ضريبة جديدة خلافية تهدر قواعد الانتقال العادل للطاقة، يجب التشاور فى الأسس التى قامت عليها آلية «سى بام»، وطرق احتساب ما تفرضه من أعباء فى ظل عدم وجود سعر متفق عليه لطن الكربون، وسبل تحقيق تعاون تكنولوجى يخفض الانبعاثات من هذه القطاعات وسبل تمويله. وكذلك يجب الاتفاق على كيفية تحصيل الإيرادات، ومدى قانونية ومصداقية استئثار الدول المستوردة فى تحصيله لحسابها مع تعذر فرض ضرائب كربون فى البلدان المصدرة لعدم اكتمال أسواق التسعير ونظم الرقابة عليها؛ إذ يبلغ سعر طن الكربون فى النظام الأوروبى أكثر من 10 أمثال لمتوسطات عربية وإفريقية؛ فكيف سيتم الاحتكام لتسعير كربونى أو مقارنة ضرائب كربون فى التداول عبر الحدود.
فى زيارة أخيرة للبرازيل لاجتماعات أسبوع المناخ بها، ولقاءات تمت مع ممثلى الرئاسة المقبلة للقمة الثلاثين للمناخ فى شهر نوفمبر المقبل، اقترحت عليهم أن يعقدوا اجتماعًا بين الاتحاد الأوروبى والاتحاد الأفريقى وتجمعات البلدان النامية الأخرى وممثلى صناعاتها بحضور سكرتارية الاتفاقية الإطارية لتغيرات المناخ ومنظمة التجارة العالمية، على ألا ينفض اجتماعهم من دون حل ملزم لمعضلة «سى بام» بأن تُراجع وتُعدَّل وفقًا للإطار المتعدد الأطراف. فكفى تفتيتًا للاقتصاد العالمى، وكفى جورًا على قواعد المنافسة والكفاءة والعدالة بادعاء التصدى لتغيرات المناخ.

نقلًا عن الشرق الأوسط

التعليقات