المرأة والكوتة.. - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 9:40 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المرأة والكوتة..

نشر فى : الأربعاء 8 ديسمبر 2010 - 9:09 ص | آخر تحديث : الأربعاء 8 ديسمبر 2010 - 9:09 ص

 انتهت الانتخابات بخيرها وشرها، وبعبارة أدق بشرورها وعيوبها، وفتحت عيون الكثيرين على حقيقة الوهم الذى عاشته مصر تحت ستار الديمقراطية الزائفة.. ليصدق الذين لم يكونوا يصدقون أن النظام السياسى تخلف طويلا وأضحى بحاجة إلى هزة من الأعماق تعيد بناءه من جديد، وأن الجيل الذى توارث السلطة طوال نصف القرن الماضى آن له أن يرحل ويترك الزمام لأجيال جديدة قادرة على ملاحقة تطورات العصر، والخروج من نفق التعصب الدينى والفكرى إلى آفاق الحرية والديمقراطية الحقة.. وقد أصبحنا فى عالم تتكشف فيه الاسرار والحقائق بسرعة مذهلة.

ومن دواعى الأسف الشديد أن أساليب الممارسة السياسية فى مصر لم تُفسد فحسب فئات شعبية لم تكن ملوثة فلوثتها عن طريق نشر الرشوة، وشراء الذمم، وتغليب قيم التبعية، والإذلال المعنوى والانصياع لمنطق القوة والارغام، ولكنها نجحت فوق ذلك فى افساد النصف الآخر من المجتمع، وأعنى بذلك المرأة.. فأخرجتها من نقائها وبساطتها إلى عالم البلطجة السياسية القذرة وعدم احترام القانون والرهان على المحسوبية والأثرة والتفرقة فى المعاملة وفى الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة. مع التأكيد على أن المرأة جنس آخر لا يتميز بصفاته الشخصية ولكن بصفاته الأنثوية.

لقد أدخلت التعديلات الدستورية نظام «الكوتة» للمرأة بدعوى «التمييز الايجابى» لها وبصفة مؤقتة، إلى أن تأتى اللحظة المناسبة التى يتغلب فيها المجتمع على نظرته الدونية التى تقلل فرص المساواة بين الرجل والمرأة، ولكن الحقيقة الواقعة هى أن نظام الكوتة فضلا عن أنه يعزل المرأة عن المشاركة الكاملة وعلى قدم المساواة، فإنه يجعلها أسيرة لما يجود به الرجل عليها من معاملة خاصة فى مختلف المناصب والمواقع، تأتى فى الغالب نتيجة رغبة جامحة من بعض القيادات للتباهى بما يحققه المجتمع من تقدم، وليس نتيجة تفوق حقيقى للمرأة على أقرانها من الرجال والنساء، أو تميزها بصفات قيادية وشعبية وسياسية تؤهلها للعمل السياسى.

كما أن قدرتها على المنافسة فى مجتمع يسوده منطق الفوضى وقوانين العنف والغش والتزوير فى الانتخابات، تظل محدودة ومرهونة بما يقدمه الحزب الحاكم وأجهزة الأمن لها من دعم ومساندة.

لقد اهتمت وسائل الإعلام الحكومية والرسمية بتغطية أخبار الانتخابات التى جرت فى الدوائر المفتوحة والمغلقة، والاحزاب التى شاركت أو قاطعت، وبالشخصيات البارزة التى فازت أو خسرت، ولكنها تجاهلت ما جرى فى 64 دائرة هى دوائر الكوتة المخصصة للمرأة.. وقد بدا وكأن التعتيم عليها كان مقصودا وكأن الحزب الحاكم قد خطط للاستيلاء عليها فى صمت. بدليل أن الفائزات فى الجولة الأولى كن جميعا من الحزب الوطنى الحاكم. وأكبر الظن أن نتائج دوائر الإعادة لمرشحات الكوتة لم تختلف كثيرا.

وحتى هذه اللحظة لم تكشف انتخابات الكوتة عن شخصيات نسائية بارزة أفرزتها المنافسة فى الدوائر المخصصة للمرأة، وباستثناء شخصيات قديمة باهتة شاخت فى مجلس الشعب طوال عقدين من الزمان أو أكثر، لم تبرز من بين النائبات الجدد غير واحدة أو اثنتين جاءتا من مهنة الطب. ولم يعرف عنهما نشاط سياسى أو نقابى أو اجتماعى لافت للنظر، وأكبر الظن أن ماكينة الحزب قد دفعت بهما وبغيرهما دفعا إلى خوض المعركة الانتخابية لملء المقاعد المخصصة للكوتة اعتمادا على الملاءة المادية دون المعنوية أو السياسية.

لقد أدخل نظام الكوتة للمرأة ــ أى تخصيص نسبة لها فى مقاعد مجلس الشعب ــ أسوة بما تفعله الدول المتقدمة لتحسين وضعية المرأة وفرص تمثيلها فى البرلمان، ولكن أحدا لم يحاول أن يشرح للرأى العام ولا لجموع الناخبين الذين ذهبوا إلى صناديق الاقتراع ما هو الهدف منها وكيف يصوتون لها. علما بأن نظام الكوتة لا يضمن المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، ولا يحقق تكافؤا فى الفرص، ولا تطبقه الدول المتقدمة إلا فى ظل نظام سياسى تتساوى فيه الحقوق والواجبات لدى الجميع. وتختفى منه مظاهر التعصب والتفرقة الدينية وتسود فيه مبادئ الوحدة الوطنية وسيادة القانون، وبعبارة أخرى فنظام الكوتة قد يحل جزئيا مشكلة المرأة لحساب فئة نخبوية من فئات المجتمع، ولكن لا يحل مشكلة عدم تمثيل فئات أخرى مهمة كالأقباط مثلا.. وذلك على عكس نظام القائمة النسبية الذى يضمن تمثيلا متوازنا لجميع فئات المجتمع.. والذى رفضه الحزب الحاكم لأسباب غير مفهومة!

وهو ما لن يتحقق بغير إصلاح سياسى شامل!.

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات