مصر تستطيع النهوض ولكن! - مصطفى النجار - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 6:07 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر تستطيع النهوض ولكن!

نشر فى : الخميس 8 ديسمبر 2016 - 10:05 م | آخر تحديث : الخميس 8 ديسمبر 2016 - 10:05 م
حين يتم الكشف عن أكبر شبكة دولية لبيع الأعضاء البشرية فى مصر وتتحفظ الدولة على ملايين الدولارات التى نتجت عن تسارع مصريين فقراء لبيع أجزاء من أجسادهم هربا من الفقر ومقاومة للجوع، فإن هذا ناقوس خطر يماثله ما نشرته الصحف مؤخرا عن اشتراط بطاقة الرقم القومى وخطاب معتمد من جهة العمل للحصول على سلعة السكر بثمنها الطبيعى وليس سعر السوق السوداء. ليس هناك حديث فى مصر الآن أكثر رواجا وتكرارا من الشكوى من ارتفاع الأسعار وصعوبة المعيشة وتدنى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وكذلك النفسية للمصريين. إن خطة الإصلاح الاقتصادى المتأخر تقوم بفرم الطبقة الوسطى وسحق الطبقات الأقل دخلا بلا رحمة. تحاول الدولة تحجيم تداعيات الإجراءات والقرارات القاسية لكن بلا جدوى، فالناس تئن وضبابية المستقبل والخوف من عدم القدرة على احتمال الآتى تتصاعد أفقيا ورأسيا وتطال شرائح من المجتمع كانت تعتقد أنها ستكون بمنأى عن ضربات الإصلاح الاقتصادى.

***

بعد بدء تدفق دفعات القروض الخارجية والحديث بالتفكير فى بيع بعض الأصول العامة وخصخصتها يصبح الوضع شديد الخطورة إذا لم تنتهِ هذه الفترة العصيبة فى أسرع وقت ممكن. فالتركيز على مسارات جباية الضرائب ورفع الجمارك فقط والاعتقاد أن عصر جيب المواطن وتحميله فاتورة الإصلاح الاقتصادى هو الحل خطأ فادح؛ لأنه يفاقم المعاناة ولا ينقلنا للأمام خطوة واحدة، بل إن هذا المواطن له حد أقصى من الانضغاط المرتبط بدورة رأس المال الداخلية المنكمشة يوما بعد يوم لتصل لحد الركود والشلل الاقتصادى، لذلك لابد من التأكيد على المحددات التالية أملا فى الخروج من الأزمة العاصفة:

أولا: الاقتصاد قرين السياسة والترابط بينهما عضوى ومادى ومباشر، لن تتقدم اقتصاديا إذا كانت السياسة معطوبة، وأساطير التقدم والإنجاز الاقتصادى وسط تفكير شمولى وإدارة أحادية الرأى أثبتت عدم نجاحها تكرارا ومرارا، لذلك لا مناص من بدء الإصلاح السياسى وفتح المجال العام بكل شجاعة والتوقف عن الفزع من كل صاحب رأى مختلف وتخوينه وتسفيه آرائه.

ثانيا: إنهاء حالة ترهيب المجتمع بأحاديث المؤامرات وتعليق كل الإخفاقات على شماعات متكررة مثل تحميل ثورة يناير أسباب التراجع الاقتصادى رغم ثبوت عدم صحة ذلك بالأرقام الاقتصادية الرسمية التى رصدت مسيرة التقدم والتراجع على مدار خمس سنوات متتالية، ومواجهة مشاكلنا الحقيقية بتشخيص واقعى بهدف العلاج وليس التمويه وصرف الأنظار والتنصل من المسئولية بتحميلها لأعداء وهميين.

ثالثا: التوقف عن استعداء شرائح جديدة من المجتمع والدخول فى مواجهات عبثية لا تفيد الوطن بل تضره أيما ضرر، مثل معركة قانون الجمعيات الأهلية الذى كان صدوره بهذا الشكل رصاصة قتل للعمل المدنى فى مصر تحت فزاعات حماية مصر من التدخلات الخارجية؛ بينما شكل فى مضمونه تعطيل للعمل الأهلى وإعاقة له ستظهر بمجرد بدء التطبيق.

***

رابعا: تصفير الصراعات الداخلية وفتح الباب لترميم الصدع المجتمعى الكبير الذى يصر بعضهم على إنكاره أو حصره فى المواجهة بين الإخوان والسلطة؛ بينما الحقيقة خلاف ذلك، فنحن أمام مجتمع منقسم ومأزوم وخلفت جراحات السياسة وأبواق الدعاية الإعلامية المتناحرة حالة من الكراهية والشقاق الذى قسم المصريين إلى فرق وأضداد. وهذا مناخ لا يساعد أبدا على خروج البلاد من كبوتها فى ظل الانقسام المجتمعى مع ضرورة الإدراك التام أن السفينة ستنجو بالجميع أو تغرق بالجميع لا قدر الله.

خامسا: الاستعانة بالكفاءات الاقتصادية أيا كانت توجهاتها السياسية والفكرية لإدارة الملف الاقتصادى الذى يحتاج لمجموعة تنقذ ما يمكن إنقاذه وترسم رؤى جديدة تتبنى الموضوعية والمصارحة منهجا مع الشعب، ويكون لها حيثية إعادة ترتيب أولويات التنمية وإعادة تخطيط مسارات الإنفاق العام بالشكل الذى يضمن تقليص الآثار السلبية للإصلاح على المواطنين مع تفعيل آليات مكافحة الفساد.

سادسا: إعادة ضبط العلاقات المصرية ــ العربية وإعادة التمحور المصرى فى النظام الإقليمى العربى بتبنى سياسات جديدة تجمع ولا تفرق، وتراعى المصالح العربية المشتركة بعيدا عن المخاوف الشخصية التى لا تندرج تحت بند المنطق وعدم التفكير بمنطق المكايدة الذى لا يليق بالكبار. هذا يتطلب رؤية جديدة تشمل مراجعات للملف السورى واليمنى والليبى وكذلك المغربى لتصبح مصر جزءا من الحل وليس المشكلة، مع الوضع فى الاعتبار أن التفكير فى الانعزال عن المحيط العربى تحت دعوى استقلال القرار الوطنى ــ كما يروج البعض ــ هو قتل لمصر ولدورها التاريخى ولمسئوليتها الكبرى تجاه أمتها العربية التى لا تستطيع النجاح بدون مصر وكذلك لا تستطيع مصر النهوض دون أشقائها مهما كانت درجات الاختلاف الحالى الذى يجب تجاوزه فورا من أجل مصلحة الجميع.

سابعا: الانطلاق السريع نحو أفريقيا التى تفتح لنا أبوابها بالخير الوفير لكننا نرفض ذلك بتكاسلنا وتقاعسنا وعدم وجود رؤية متماسكة تطبق على الأرض لطرق أبواب أفريقيا التى سبقنا إليها غيرنا، بل وتمدد فيها واستفاد من ثرواتها رغم أننا الأولى بذلك بحكم التاريخ والامتداد الجغرافى وكذلك الاحتياج الماس. وهذا يتطلب جهدا من الخارجية المصرية والوزارات الأخرى المختصة، بل نقترح هنا استحداث وزارة خاصة بالملف الأفريقى يكون هدفها تمكين مصر السياسى والاقتصادى فى أفريقيا وتعظيم الدور المصرى فى كل أرجاء القارة.

لم ولن نكن أول دولة تتعرض لمحنة اقتصادية وكبوة كبرى، هناك دول دُمرت بالكامل واستعادت عافيتها حين توفرت الارادة السياسية وتوحد المجتمع على هدف البناء، صدقا نحن نستطيع إن أردنا.
مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات