الإسلام كما أدين به
 49 ــ خير أمة و- عمل رشيد - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:20 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإسلام كما أدين به
 49 ــ خير أمة و- عمل رشيد

نشر فى : الخميس 9 فبراير 2017 - 9:40 م | آخر تحديث : الخميس 9 فبراير 2017 - 9:44 م
ــ1ــ

الخيرية التى كلفنا الله بها خيرية مشروطة بكيان يسمى «الأمة»، و«الأمة» مصطلح قرآنى مشهور استعمله القرآن بمعنى أهل زمن معين ((تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ..)) أو بمعنى أهل مكان معين ((وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّة مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ..)) أو بمعنى أهل ثقافة معينة ((كَذَٰلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِى أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ..)) أو أهل معتقد (منطلق استراتيجى معين) ((وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُول))، كما استعملها بمعنى أهل مبدأ معين ((..من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله..)). بل إن القرآن قد اعتبر الشخص المستوفى لقدرات الخدمة العامة (العمل العام) أمة قبل وصف القرآن لأبى الأنبياء ((إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّة)) أى كان حاملا هموم الأمة، ساعيا لإنجاز ما ينفع الأمة وتجنيبها الخطر، ولم يسع سيدنا إبراهيم عليه السلام لا لزعامة ولا لرياسة.

ــ2ــ

فأمة الإسلام فى المفهوم القرآنى كيان واسع لا يقف عند حدود الزمان ولا حدود المكان ولا تنحصر فى صورة دولة واحدة ذات إقليم وشعب ونظام. إذ إن أمة الإسلام «أمة فكرة» و«أمة مبدأ» و«أمة عقيدة»، وهى أمة تسعى لتعريف الناس بفكرتها عن الحياة وأهميتها، وتسعى لتعليم الناس قيمة تعمير الأرض وتزكية النفوس وتوحيد الله جل جلاله. لذلك يجب على الدعاة أصحاب الفكرة أن يسارعوا بإعادة ترتيب أولويات الدعوة، كما يجب عليهم تعجيل استغراقهم فى تصورات بعض الأشخاص فى بعض الأزمان لأن ما تركه الدعاة من تصورات ونماذج لا يزيد عن «ردود أفعال» صارت منهم ردا على سياسات الأمم الأخرى... لذلك فيجب على حملة الدعوة أن يدققوا كثيرا فى التفريق بين«الأصول» و«الفروع»، وأيضا بين«الثابت» و«المتغير».

ــ3ــ

و«أمة الإسلام» و«أمة الخير» أمة من أمم العالم البشرى، فهى أمة لا تعمل فى فراغ، بل تعايش أمما أخرى كثيرة قطع بعضها أشواطا بعيدة فى طريق الخيرية وهم يسيرون نحو أهداف رشيدة فى التعمير والتزكية، وربما يسمعون بالـ«توحيد» ولكنهم لم يعثروا إلى الآن على «أمة توحيد» جديرة أن ينظروا إليها ويفكرون فيها ويتقاربون معها.

ــ4ــ

لازلت مشغولا بـ«الأمة الألمانية المعاصرة».. تلك الأمة التى قضت عليها الحرب العالمية الثانية أن تنقسم إلى دولتين وشعبين: ألمانية الغربية والمانيا الشرقية، وقد وقع كل قسم منهما تحت قبضة قطب من أقطاب النظام العالمى السابق: القطب الشيوعى بزعامة روسيا التى استولت على المانيا الشرقية طوال عقود الأربعينيات وحتى بداية التسعينيات أى قرابة نصف قرن ذاق مواطنوا المانيا الشرقية فيه ألوان القهر والتخلف لدرجة أصبحت مضرب المثل فى ذلك الزمان، بينما كانت ألمانيا الغربية تحت قبضة القطب الرأسمالى فنالت من ألوان التقدم التقنى والرفاهية ما نالت.. لكن هذا الشعب (شعب ألمانيا الغربية) على الرغم من حدة الصراع بين القطبين وعلى الرغم من الرغد الذى يعيشون فيه وعلى الرغم من فداحة التكاليف.. وعلى الرغم من كل ذلك استمروا فى إعلان رغبتهم فى وحدة المانيا كما كانت، وفى انتشال (شعب ألمانيا الشرقية) ما هو فيه من فقر ومرض وتخلف ــ بالقياس بالغربية ــ واستمر هؤلاء الغربيون يتخذون خطوات عملية لتحقيق الحلم مثل الانتماء إلى الأحزاب الداعية لتحمل المسئولية، ودعم الساسة المعبرين عن هذا الحلم حتى وصل إلى حكم ألمانيا الغربية حكومة تسعى لوحدة المانيا وبرلمان يتبنى هموم وحدة القسمين وإعلاما قويا ملتزما بقضية وحدة ألمانيا مهما كانت التكاليف.

ــ5ــ

كانت الخطوة التالية هى اضطلاع الحكومة والبرلمان والشعب فى المانيا الغربية بمسئوليتهم الثقيلة التى تمثلت فى دفع عشرات المليارات من النقود لروسيا سدادا لديون المانيا الشرقية!! أو سمها كما شئت. كل تلك المليارات ليخرجوا المانيا الشرقية من قبضة التخلف.. ثم ماذا؟ ثم يدرجون فى ميزانية بلادهم مليارات كثيرة أخرى لسرعة «علاج وإفاقة» لهذا الشعب.. وفوجئ العالم كله بنجاح هذا الجهاد الرشيد نجاحا باهرا يحسب للإنسانية ويحسب للخير.. فوجئ الجميع فى 29/ 11/ 1989 بإعلان تحطيم «سور برلين» الذى كان يفصل بين الشعبين وفى خطوات سريعة منتظمة عادت ألمانيا دولة واحدة قوية كأنها لم تعرف ذلك الانقسام. فهل أدرك الراغبون معنى الأمة؟ وهل عرفوا كيف يكون الطريق؟ أم لازالوا يعيشون فى «جلباب أبيهم» أو كما قال القرآن ((إنَّا وجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ...)).

يتبع
جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات