يا عمر كلّم على - جورج فهمي - بوابة الشروق
الجمعة 10 مايو 2024 10:14 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يا عمر كلّم على

نشر فى : الأحد 9 أبريل 2017 - 10:15 م | آخر تحديث : الأحد 9 أبريل 2017 - 10:15 م
صديقاى ياسمين وأحمد متزوّجان منذ سنوات عدة ولديهما طفلان: عمر وعلى. إلى هنا تبدو تلك العبارة عادية لأى مصرى، وكذلك كانت لى، ولكنها ليست كذلك لبعض الدول العربية الأخرى. لم يستوقفنى أبدا اسما طفلى ياسمين وأحمد، إلى أن انتقلت للعيش فى لبنان حيث لا تُمنح أسماء رموز التاريخ الإسلامى على نحو اعتباطى، بل تتبع تقسيما طائفيا واضحا. فاسم عمر يشير إلى عمر بن الخطاب، ثانى الخلفاء الراشدين الذى نجح فى فتح بلاد فارس وقُتل على يد أبى لؤلؤة المجوسي؛ فيما يشير اسم على إلى على بن أبى طالب، ابن عم الرسول وصهره، ورابع الخلفاء الراشدين وأول الأئمة عند الشيعة، والذى شهد عهده الفتنة الكبرى. وهكذا، أصبح اسم عمر يعبّر عن الطائفة السنيّة واسم على رمزا للطائفة الشيعية، حتى إن للمطربة اللبنانية تانيا صالح أغنية باسم «يا عمر كلّم على»، تخاطب فيها السنة والشيعة مناشدةً إياهم بفتح جسور الحوار فيما بينهم وحلّ مشكلاتهم الطائفية.
***
لا شكّ أن جذوة التوتر الطائفى متّقدة بين السنة والشيعة فى بعض الدول العربية، مثل العراق ولبنان وبعض دول الخليج العربى. لكن هل نحن نتخبّط حقّا فى لُجج صراع سنّى ــ شيعى، كما لا ينفكّ يكرّر بعض رجال السياسة والدين؟ قطعا لا.
نحن نشهد صراعا محتدما بين نظامَى الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية حول النفوذ السياسى فى المنطقة العربية، تفاقمت حدته منذ انطلاق موجة الربيع العربى، التى اعتبرها كلٌّ من الطرفين فرصة لتحقيق أهدافه السياسية والحد من نفوذ الطرف الآخر. وقد استخدم الطرفان ورقة المذهب الدينى لضمان التعبئة الطائفية لمواقفهما السياسية، إلا أن تلك الجهود لم تكلَّل دائما بالنجاح. ففى الدول العربية ذات الغالبية السنية، كمصر مثلا، لا يعتبر معظم السكان أنهم فى حالة صراع مع الطائفة الشيعية، ناهيك عن أن غالبيتهم يكنّون محبة خالصة لآل البيت ولا يمانعون فى إطلاق أسماء كعلى وحسين وزينب على أولادهم. كذلك فشلت إيران فى إحكام سيطرتها على المجتمعات الشيعية العربية، إذ شهدت المحافظات ذات الغالبية الشيعية فى العراق خلال السنوات الأخيرة على سبيل المثال حراكا شعبيا واسعا ضد سلطة رئيس الوزراء العراقى السابق نورى المالكى المدعوم من إيران بسبب فساده السياسى، لا بل لقّبه بعض الشباب الغاضب بـ«صدّام الشيعى». ولم يقتصر الأمر على الشباب الغاضب من سياسات المالكى، بل إن الخلاف مع إيران يطال أيضا بعض الدوائر الدينية الشيعية فى النجف، ومنها مرجعها الأعلى السيد على السيستانى الذى يعارض مبدأ ولاية الفقيه الذى يتبنّاه النظام السياسى الإيرانى، ويراه بعيدا عن الفكر الشيعى. وينطبق ذلك على لبنان أيضا: فعلى الرغم من الشعبية الواسعة التى يتمتع بها حزب الله داخل الطائفة الشيعية، بيد أن قراره بالانخراط فى الأزمة السورية إلى جانب نظام الأسد لم يلقَ تأييد كل الشيعة، سواء على المستوى الشعبى أو الدينى. وقد أصدر الرمزان الشيعيان العلامة هانى فحص والسيد محمد حسن الأمين، بيانا شهيرا فى العام 2012، عبّرت كلماته من دون مواربة عن موقفهما الداعم للثورة السورية، مطالبين الجميع بعدم التفريق بين ظالم وظالم أو بين شعب وشعب، والانسجام مع أنفسهم فى تأييد الانتفاضات العربية.
***
يبدو تبنّى الخطاب الطائفى استراتيجية مناسبة للقوى السياسية التى تبحث عن حشد الدعم لسياساتها، من دون أن تضطر إلى تحمّل تبعات تلك السياسات. فالخطاب الطائفى لا يترتّب عليه أى مسئوليات أو ضرورة لتحقيق أى إنجاز حقيقى على الأرض، لا بل قد يبرّر أيضا تقديم تضحيات من دون حساب. فهذا الخطاب يدّعى أنه يحمل راية الدفاع عن الدين أو المذهب أو الطائفة، وهذا يكفى. فالطائفية فى وطننا العربى هى سياسية بامتياز، ولا علاقة لها بالنصوص الدينية أو بالخلافات المذهبية، بل بالخطاب السياسى الذى يسعى إلى استغلال تلك الاختلافات لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية. فى هذا الصدد، قال لى أحد رجال الدين الشيعة العراقيين فى حديث خاص إن من يدفع باتجاه الطائفية والعداء تجاه السنة فى العراق ليسوا رجال الدين الشيعة بل بعض الرموز السياسية الشيعية التى لا تتبع أبسط القواعد الدينية.
إن لقاءات الحوار الدينى لن تجدى نفعا للتصدّى إلى التوتر القائم بين السنة والشيعة، نظرا إلى أن أساس الخلاف هو حول النفوذ السياسى والمكاسب الاقتصادية وليس القيم الدينية. كما أن التعامل مع هذا الاستقطاب يتطلّب أولا التواصل مع المجال الشيعى العربى لفهم تعقيداته السياسية والدينية، وفتح قنوات للحوار مع الفاعلين السياسيين والدينيين من السنّة والشيعة على حدٍّ سواء، ممّن يندّدون بتلك السياسات الطائفية، ويرفضون الانصياع للمشروعات الإقليمية المُعدّة للمنطقة، ويضعون مصالح المواطنين السنة والشيعة فى المرتبة نفسها مع سائر الطوائف، ويعملون سويّا على صياغة خطاب سياسى بديل لمواجهة الخطاب الطائفى السائد.

 

جورج فهمي أستاذ مساعد بالجامعة الأوروبية بفلورنسا
التعليقات