حوار حول سياسة مصر - إبراهيم عوض - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 6:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حوار حول سياسة مصر

نشر فى : الأحد 9 نوفمبر 2014 - 8:15 ص | آخر تحديث : الأحد 9 نوفمبر 2014 - 8:15 ص

دعا رئيس الجمهورية جريدة «الشروق» إلى أن تنظم حوارا بين الأحزاب السياسية المصرية. الحوار يمكن أن يعيد بعث الحياة فى السياسة المصرية، وهو لذلك يستحق أن تلقى فكرته الترحيب وأن تقترح الأفكار وتبذل الجهود لإنجاحه. يمكن للحوار أن ينعقد وأن ينفض وينساه الناس كما نسوا غيره من الحوارات، ولكنه يمكن أيضا أن يؤسس لحياة سياسية ثرية ومركّبة تحتاج إليها مصر أشد الاحتياج.

لذلك فإن أول شروط نجاح الحوار هو أن يحدد الهدف، أو الأهداف المبتغاة، منه صراحة وليس ضمنا. تفعيل الدستور، والتأسيس لنظام سياسى ديمقراطى يحقق التنمية، ويوفر للمواطنين جميع فرص الارتقاء الاقتصادى والاجتماعى، ويكفل فعلا المساواة وعدم التمييز بينهم يمكن أن تكون أهدافا للحوار. بدون أهداف محددة يتوه الناس يسيرون على غير هدى. على ضوء أهداف الحوار، يجرى تحديد أطرافه. من هى الأطراف التى يمكن لجريدة «الشروق» أن تدعوها إلى التحاور؟ تتبادر إلى الذهن الأحزاب السياسية. ولكن أى أحزاب سياسية؟ حتى المتابع عن قرب للحياة السياسية يعجز عن حصر عدد الأحزاب السياسية فى مصر، ناهيك عن أسمائها. ليس هذا استنكارا لوجود عدد كبير من الأحزاب فهذا شىء طبيعى ومصير الكثير من هذه الأحزاب سيكون الاختفاء حتى يبقى فى النظام الحزبى عدد محدود منها. المقصود هو أن العدد الكبير من المشاركين فى الحوار، من ذوى المواقف ومن غير ذوى الآراء، من شأنه يضيّع الوقت وأن يفقد الحوار التركيز فى المناقشة بين أصحاب الوزن السياسى والأفكار والمواقف. ليس بعيدا ذلك الحوار الوطنى الذى انعقد فى الشهور التالية لسقوط الرئيس الأسبق حسنى مبارك. كما أنه ليس بعيدا جدا فى الزمن ذلك الحوار العبثى فى خضم أحداث يناير وفبراير 2011 الذى افتقد إلى أى جدية بجمعه لمشاركين لا وزن لهم بين الرأى العام ولا أفكار لديهم. وإن كان الإنصاف يقتضى كذلك الإشارة إلى أن ثمة من يعتبر أن هذا الحوار العبثى هو ما دشّن لشرعية مشاركة الإخوان المسلمين فى توجيه الفترة الانتقالية الأولى، وهى الفترة التى انتهوا إلى الفوز بها وممارسة السلطة من بعدها. أيا كان الرأى فى حوار فبراير 2011، فالمقصود هنا هو أن العدد الكبير من المشاركين سيؤدى إلى تحلل الحوار وضياع أى فرصة لأن يحقق شيئا ملموسا. يمكن لجريدة «الشروق» أن تعلن عن عدد محدد للمشاركين فى الحوار. العدد المحدد من شأنه أن يحث الأطراف المتقاربة فى المواقف والتحليلات على أن تجمّع نفسها وأن تشارك بصوت واحد فى الحوار. بذلك تكون «الشروق» قد ساعدت فى هيكلة الحوار بل والحياة السياسية ذاتها. الأطراف هى الأحزاب السياسية، ولكنها يمكن أيضا أن تضم مجموعات المصالح من منظمات ممثلة للدوائر الاقتصادية وللعمال.

•••

بعد أهداف الحوار وأطرافه، يبقى تحديد ما سينصب عليه الحوار، أى موضوعاته. أهداف الحوار تستقى منها موضوعاته. يمكن المسارعة بالقول بأن محاربة الإرهاب والتغلب عليه ينظر إليهما فى المقاربة المقترحة على أنهما النتيجة المقصود الوصول إليها بتحقيق أهداف الحوار ولكنهما ليسا من موضوعاته. يضاف إلى ذلك أن سرعة إجراء الانتخابات التشريعية ليست موضوعا لأى حوار بل هى مفروغ منها ومن ضرورتها. الموضوعات التى يمكن أن تستقى من أهداف الحوار عديدة ولكن يمكن انتقاء أربعة منها.

الموضوع الأول هو صيانة الحريات والتشجيع على ممارستها. الحريات ليست مما ينتقص من القدرة على مواجهة الإرهاب بل إن العكس هو الصحيح. الحريات من شأنها توسيع الجسم السياسى وتمتينه وتمكين كل جزء منه من مواجهة الإرهاب وتنويع طرائق مقاومته. الإرهاب يحتار فى التنوع والتعدد ويعجز عن تحديهما. والحريات ليست تنفيسا عن كبت ولا هى هى علاج نفسى، بل إن لها وظائف أهمها أنها ترشّد من عملية اتخاذ القرار، وتنبه من بأيديهم القرار النهائى إلى الخيارت المتاحة أمامهم وإلى الأخطاء التى لا بدّ أن يقعوا فيها إن عاجلا أو آجلا إن هم انفردوا به.

موضوع ثان هو الأحزاب السياسية ذاتها وتنمية الحياة السياسية. لم يكف الحديث لا قبل 2011 ولا بعدها عن ضعف الأحزاب السياسية وعن عدم اضطلاعها بأدوارها. ماذا فعل النظام السياسى وماذا فعلت قواعد عمله لتمكين الأحزاب السياسية من أن تلعب أدوارها الضرورية لأى نظام سياسى كفء؟ العرقلة المتعمدة والممنهجة للتعددية السياسية الفعلية كانت من أهم أسباب فشل النظام السياسى فيما قبل 2011 وفى فساده. ولن ينجح النظام السياسى فيما بعد 2014 بدون بث الروح فى الأحزاب السياسية ومن غير تمكينها من إثراء الحياة السياسية بتعدد مواقفها من مصالحه المشتركة.

•••

موضوع ثالث هو العلاقة بين الدين والدولة. الموضوع شائك ولكن لا مفر من التصدّى له. الانتهازية، والسكوت عليها، والوجل منها تركوا هذه العلاقة الخبيثة تنمو وتبعاتها تستفحل حتى أساءت إلى الدين ونحرت فى أسس الدولة، وتعقدت مع كل يوم صعوبة معالجة كل من العلاقة وتبعاتها. العلاقة بين الدين والدولة تثير ما يتعلق بالمساواة بين المواطنين وعدم التمييز بينهم، وهذان شرطان لا يمكن أن تستقيم الدولة الوطنية بدونهما. والعلاقة تثير كذلك مسألتى التعليم والثقافة، وكلاهما لا بدّ أن يجسدا الفصل بين الدين والدولة، من جانب، وأن يعملا على ترسيخ هذا الفصل، من جانب آخر. ضبط العلاقة بين الدين والدولة حيوى لمحاربة الإرهاب وللتغلب عليه. لا بد من التصدى لبذور التطرف وللتنشئة المنتجة لممارسى الإرهاب بدلا من الانتظار حتى يمارسوه ثم محاربتهم.

المرأة ومساهمتها فى ازدهار المجتمع والاقتصاد وفى إدارة شئونهما موضوع رابع عظيم الأهمية. المرأة نصف المجتمع، بل هى فى حقيقة الأمر أكثر من نصفه، سواء لأن ملايين الرجال هاجروا ليعملوا خارج مصر أو لأنها تعيش سنوات أكثر من الرجل، ومع ذلك فإن مشاركتها ضعيفة فى النشاط الاقتصادى، فيضيع بذلك على الاقتصاد المصرى فرص لزيادة الإنتاج من السلع والخدمات وهى زيادة يحتاج إليها مجموع المصريين ليرفعوا من مستوى معيشتهم. أما إدارة الشأن العام فإن مشاركة المرأة فيها مزرية ويكفى النظر إلى أى صورة تنشرها الصحف لتجمع لمسئولين كبار لترى غيبة المرأة تماما عنها، وإن وجدت فهى إما بمثابة الزخرف أو فى دور مساعد أو هامشى.

الدول تساس. والحوار المطلوب هو حول سياسة مصر.

إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات