استراتيجية واضحة لمواجهة تغير المناخ.. لن يتحدث عنها أحد! - دوريات أجنبية - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:51 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

استراتيجية واضحة لمواجهة تغير المناخ.. لن يتحدث عنها أحد!

نشر فى : الأربعاء 9 نوفمبر 2022 - 9:20 م | آخر تحديث : الأربعاء 9 نوفمبر 2022 - 9:41 م
نشرت مجلة Foreign Policy مقالا للكاتبة فيجايا راماشندران، والكاتبين باتريك براون، وتيد نوردهوس، يقولون فيه إن السبيل الوحيد لمواجهة تغير المناخ وإظهار مدى مرونة المجتمعات أمام الكوارث الطبيعية ليس فى التخلى عن الوقود الأحفورى بل فى التنمية الاقتصادية. ومع ذلك، لن يناقش أطراف قمة المناخ الحالية بشرم الشيخ هذه المسألة، لأنها لا تخدم مصالح الدول الغنية.. نعرض من المقال ما يلى:
بدأ بالفعل، قبل أيام، انعقاد قمة المناخ بشرم الشيخ المصرية، وكما كان متوقعا لم يحدث أى اختلاف فى خطابات القادة، كانت مبارزة كلامية، حاول كل واحد منهم التفوق على الآخر بتحذيرات رهيبة من وقوع كارثة، واتفقوا على أن «أزمة المناخ» تتطلب طموحًا أكبر لخفض الانبعاثات، وكرروا التزامهم بتعهدات هى فى حقيقتها (غير ملزمة) ومن غير المرجح أن يحققها العالم.
يقول كتاب المقال أن جهود مؤتمر المناخ سوف تتعثر بسبب نفس الصراعات المستعصية. بعبارة أوضح، سوف تطالب البلدان الفقيرة الدول الغنية بخفض الانبعاثات أولا وبشكل أسرع، ودعم البرامج لمساعدة دول الجنوب على التكيف مع التغير البيئى. من جانبها، سوف تطالب الدول الغنية الدول الفقيرة بالقفز بعيدا عن الوقود الأحفورى وتعزيز تنميتها باستخدام الطاقة المتجددة. ستوافق الدول الفقيرة، من حيث المبدأ، على القيام بذلك إذا دفعت الدول الغنية الفاتورة وعوضت دول الجنوب عن الأضرار الناجمة عن تغير المناخ التى لا تتحمل مسئوليتها. وستلتزم الدول الغنية، من حيث المبدأ، بالقيام بذلك ولكنها ستفشل فى تقديم الدعم الموعود.
كان هذا هو الحال منذ أن بدأت مفاوضات المناخ بشكل جدى فى منتصف التسعينيات، وستكون الفجوة متسعة هذا العام. حيث شرعت الدول الغنية فى تأمين إمدادات النفط والغاز فى أعقاب الغزو الروسى لأوكرانيا، فى حين تواجه البلدان الفقيرة نقصًا عميقًا فى الطاقة والغذاء مع قيام الدول الغنية برفع أسعار الوقود والغذاء والأسمدة.
●●●
أضاف كتاب المقال أنه بشكل عام التكيف مع المناخ يعنى: المبانى المشيدة جيدًا لتصمد أمام الكوارث، والسدود التى تحمى من الفيضانات، ومخازن للأغذية والأدوية، وأنظمة الإنذار المبكر، وطرق إخلاء واستجابة سريعة ومجهزة جيدًا. كل ما سبق موجود فى البلدان الغنية ويعتبر أمرا مفروغا منه، أما الدول الفقيرة والنامية فلا صعوبة فى قراءة واقعها.
باختصار، مرونة المجتمع فى مواجهة الظواهر المناخية المتطرفة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالتنمية الاقتصادية. ويشمل ذلك الوصول إلى طاقة وفيرة، وتحسين الزراعة، وتكنولوجيا وبنية تحتية أفضل. حتى نظرة خاطفة على البيانات توضح بجلاء أن التنمية أنقذت ملايين الأرواح خلال القرن الماضى. فبالفعل قل احتمال وفاة متوسط سكان الأرض اليوم بنسبة تزيد على 90 فى المائة بسبب الفيضانات أو الجفاف أو العواصف أو غيرها من الأحداث المناخية المتطرفة مقارنة بعشرينيات القرن الماضى، وهذا كله نتيجة للانخفاض الهائل فى عدد الأشخاص الذين يعيشون فى فقر دون إمكانية الوصول إلى خدمات مثل الإسكان الآمن، والبنية التحتية المتماسكة، والمؤسسات الجيدة. إذن، استمرار التنمية الاقتصادية وارتفاع مستويات المعيشة سيوفران عددًا لا يحصى من الأرواح خلال العقود القادمة، خاصة فى دول الجنوب.
يعد التكيف مع المناخ أحد أعظم النجاحات التى لم يتم إعطاؤها حقها فى المائة عام الماضية. انخفض عدد الوفيات المرتبط بالطقس القاسى والكوارث الطبيعية بشكل كبير جدا. مثلا، حتى القرن العشرين، كان وقوع قتلى بشكل سنوى ــ يصل إلى مئات الآلاف أو حتى الملايين ــ نتيجة الكوارث الطبيعية أمرًا روتينيًا. فى الصين، قتل فيضان النهر الأصفر عام 1887 ما يصل إلى مليونى شخص وفيضان نهر اليانجتسى ــ هواى عام 1931 ما يصل إلى 4 ملايين. قتلت الأعاصير المدارية فى الهند وباكستان وبنجلاديش حوالى 61 ألفا فى عام 1942، و47 ألفا فى عام 1965، ونصف مليون فى عام 1970، و50 ألفا فى عام 1977، و140 ألفا فى عام 1991. وتسببت المجاعة فى الهند والصين فى مقتل الملايين بشكل منتظم. لكن منذ الثمانينيات، انخفض معدل الوفيات العالمى من هذه الأخطار بنسبة 85 فى المائة، بما فى ذلك 52 فى المائة للفيضانات العامة، و55 فى المائة لموجات الحر، و87 فى المائة للعواصف.
اليوم، عدد الوفيات فى الصين من الفيضانات أقل من 500 كل عام. ونادرا ما تتسبب الأعاصير فى شبه القارة الهندية فى وفاة 1000 شخص. كما لم تتعرض الصين ولا الهند لمجاعة منذ عقود.
كل هذا بسبب ماذا؟ إن القدرة على الصمود فى مواجهة الكوارث الطبيعية بجميع أنواعها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالثروة العالمية المتزايدة والتحسينات فى البنية التحتية والتكنولوجيا والحوكمة والخدمات الاجتماعية. ومع ذلك، لن يكون هناك اعتراف يذكر بهذه الحقائق فى مصر. ستتحول المفاوضات إلى التكيف مع المناخ، ستتجاهل مرة أخرى العامل الفعلى وهو التنمية الاقتصادية.
طبعا لا داعى للقول إن تجاهل الحقيقة يخدم فقط مصالح الدول الغنية، التى يسترضى حديثها عن حالة الطوارئ المناخية الأوساط البيئية المحلية والدولية التى تدعو لفرض المزيد من القيود على استخدام الوقود الأحفورى فى البلدان الفقيرة. البلدان الفقيرة، بدورها، ستدعى أن تغير المناخ هو المسئول عن الكوارث الحالية للمطالبة بالموارد المالية من البلدان الغنية.
●●●
على الرغم من الأدلة الدامغة على أن الجنس البشرى أصبح إلى حد كبير أكثر قابلية لمواجهة الظواهر المناخية المتطرفة، فقد تجاهلت الجهود الدولية للتصدى لتغير المناخ هذه الحقيقة إلى حد كبير. وبدلا من التركيز على التنمية الاقتصادية وتطوير البنية التحتية لزيادة المرونة، ركز صناع السياسات والخبراء والناشطون والناشطات فقط على مجموعة تدابير للتكيف مع المناخ، تدابير صغيرة جدا لدرجة تتعارض أو لا تتوافق مع جهودهم لتخفيف الانبعاثات.
لا شك أن بعض هذه التدابير لها مزايا. لكنهم يتجاهلون تمامًا الآليات التى أثبتت جدواها والتى حسنت بشكل جذرى المرونة العالمية فى مواجهة الظواهر المناخية المتطرفة. وسبب التجاهل واضح: التنمية الاقتصادية تتطلب الكثير من الوقود الأحفورى. وفى الواقع، معظم آليات التنمية التى تجعل المجتمعات قادرة على التكيف مع تغير المناخ لا تحتاج فقط إلى الاستخدام الكثيف للوقود الأحفورى، وبل وتميل أيضًا إلى أن تكون غير مناسبة للتقنيات الحالية منخفضة الكربون، وخاصة الطاقة المتجددة.
تعبيد الطرق وبناء السدود والمنازل والمدارس والمستشفيات القادرة على الصمود يتطلب طاقة وفيرة. هذه العمليات تحتاج إلى درجات حرارة عالية جدًا لا يمكن الوصول إليها إلا باستخدام الوقود الأحفورى. كذلك تتطلب الطرق كميات كبيرة من الأسفلت (أحد منتجات تكرير البترول).
ولا شك يُظهر التناقض الحاصل بين عدم إمكانية التخلى عن الوقود الأحفورى من ناحية، وبين تبنى مشاريع ضيقة أو صغيرة للتكيف مع المناخ ــ يتم طرحها فى مفاوضات الأمم المتحدة ــ عن عدم جدية جهود التكيف الدولية.
●●●
لماذا، إذن، وقّعت معظم الدول الفقيرة والنامية على الإطار الدولى للعمل المناخى، على الرغم من أنهم يعرفون أن الفقر وتقييد استخدام الوقود الأحفورى وبالتالى الافتقار إلى التنمية الاقتصادية يمثلان تهديدًا أكبر بكثير لصحة ورفاهية سكانها من تغير المناخ؟! الجواب بكل وضوح، أن إطار عمل الأمم المتحدة للمناخ كان مبنيًا على صفقة كبيرة وهى؛ فى مقابل التزام عالمى بالحد من الاحتباس الحرارى ستخفض الدول الغنية الانبعاثات، وتضمن تكلفة انتقال الطاقة النظيفة فى البلدان الفقيرة، وتمول التكيف والتنمية لضمان قدرة الدول الفقيرة على الصمود أمام تأثيرات الاحتباس الحرارى التى لا يمكن تجنبها.
قبلت الدول الفقيرة هذه الخطة على أمل أن تؤدى إلى مزيد من دعم التنمية وخوفًا من أنه بدون المشاركة على الطاولة، سيتم قطع مساعدات التنمية عنها والوصول إلى التكنولوجيا والأسواق الغربية. لكن فى السنوات الثلاثين التى انقضت منذ اعتماد هذا الإطار، لم يتحقق أى من هذه الوعود. بدلا من ذلك، شرعت البلدان الفقيرة عن غير قصد فى إضفاء الشرعية على الادعاءات الكارثية والمبالغ فيها بشدة حول تأثيرات المناخ المستقبلية وعلاقتها بالانبعاثات. هذه الادعاءات، بدورها، بررت الجهود الغربية لتقييد تنمية البلدان الفقيرة والبنية التحتية وهو شرط أساسى لمقاومة المناخ.
واليوم، يدافع الاتحاد الأوروبى وإدارة بايدن والمجموعات البيئية المتمركزة فى الغرب عن فرض حظر شامل على التمويل الدولى لجميع البنية التحتية لتطلبها الوقود الأحفورى، كل هذا باسم التخفيف من حدة المناخ.
●●●
اختتم كتاب المقال حديثهم مؤكدين أن القضاء على الاحتباس الحرارى يحتاج إلى التوقف عن حرق الوقود الأحفورى. وإلى أن يحدث ذلك، توضح الحقيقة غير المروية أن التكيف مع الظواهر المناخية المتطرفة يكون عن طريق التنمية.
كلمة أخيرة، مطلوب من الدول الفقيرة الوقوف فى وجه نفاق الحكومات الغربية ونشطاء المناخ والرفض بصوت عالٍ للقيود الخاطئة التى حاولت دبلوماسية المناخ الدولية فرضها على تنميتها على مدار الثلاثين عامًا الماضية. سيكون مؤتمر شرم الشيخ، مكانًا مناسبًا للقيام بذلك، لأنه تم إنشاء إطار الأمم المتحدة للمناخ لخدمة حكومات العالم الغنى ودعاة حماية البيئة الغربيين.

ترجمة وتحرير: ياسمين عبداللطيف زرد

النص الأصلى: http://bit.ly/3NRyPVQ
التعليقات