نشرت مجلة The National Interest مقالًا للكاتب جاك بيرنهام، يؤكد فيه ضرورة تبنّى الولايات المتحدة لاستراتيجية منفتحة ومرنة فى مجال تصدير تقنيات الذكاء الاصطناعى، بهدف تعزيز تحالفاتها العالمية لمواجهة تصاعد القوة التكنولوجية للصين، وضمان استمرار تفوّقها من خلال التعاون مع الحلفاء بدلًا من تقييدهم أو التعامل معهم كمخاطر أمنية.. نعرض من المقال ما يلى:
الولايات المتحدة، فى سعيها للبقاء متقدّمة على الصين، لا يمكنها تحمّل ترف التخلى عن أقرب أصدقائها. هذه حقيقة يبدو أنّ إدارة ترامب حريصة على التعلّم منها، إذ تتخلى عن "إطار نشر الذكاء الاصطناعى" الذى تبنّته إدارة بايدن - وهو عبارة عن مجموعة من ضوابط التصدير تهدف إلى حماية الابتكار الأمريكى، لكنها تحوّلت فى النهاية إلى قيود صارمة طالت وارسو وووهان، على حد سواء.
تعتبر إدارة ترامب الذكاء الاصطناعى ساحة معركة رئيسية ضمن منافسة أوسع مع بكين. يشير كاتب المقال جاك بيرنهام، إلى أنه بإمكان واشنطن، من خلال التخفيف الانتقائى لضوابط التصدير على بعض التقنيات الأساسية، ضمان مستقبل آمن للابتكار فى مجال الذكاء الاصطناعى، يشجّع على الانتشار ويعيق -فى الوقت ذاته- صعود الصين التكنولوجى.
استراتيجية الذكاء الاصطناعى الصينية تهدد الريادة التكنولوجية الأمريكية
يوضح بيرنهام أن التقدّمات التى أحرزتها الصين فى مجال الذكاء الاصطناعى مهدت الطريق لتعزيز قدراتها الاقتصادية والعسكرية، كما سرعت من نمو السوق العالمية للذكاء الاصطناعى. فبفضل الدعم الحكومى الضخم الموجّه إلى سلسلة الإمداد الكاملة للذكاء الاصطناعى - من البحث والتطوير إلى مصنّعى الرقائق - تتباهى الصين بصناعة ذكاء اصطناعى متنامية قادرة على المساهمة فى التقدّم العلمى، وتحديث القطاع الصناعى، وتعزيز الجاهزية القتالية.
معلومة إضافية، يقول الكاتب إن شركات الذكاء الاصطناعى الصينية فى قادرة على التوسّع خارجيًا، وربما إقصاء الولايات المتحدة من المشهد. فقد أدّى دعم بكين لتطوير البرمجيات مفتوحة المصدر، إلى جانب الكفاءة التقنية لشركاتها، إلى إنتاج سلسلة من النماذج منخفضة التكلفة ومرتفعة الجودة، القادرة على منافسة الأنظمة الغربية المملوكة. وتشكل هذه النماذج تهديدًا بتوسيع حصة الصين فى السوق، وإزاحة الولايات المتحدة، لتصبح البنية الأساسية التى يُبنى عليها تطوير الذكاء الاصطناعى عالميًا.
إذن، يؤكد الكاتب على ضرورة توسيع واشنطن حضورها داخل السوق العالمية للذكاء الاصطناعى من أجل بناء تحالف عالمى دائم لمواجهة بكين. ويتطلّب هذا الالتزام بنشر التكنولوجيا أن تسمح الولايات المتحدة للشركات الخاصة بمشاركة خبراتها التقنية مع أقرب حلفائها وشركائها، ما يُتيح للمؤسسات العامة والشركات الخاصة، على حدّ سواء شراء المكونات الحيوية لصناعات الذكاء الاصطناعى المحلية لديها بحرية.
سيسمح هذا الجهد لواشنطن بجنى ثمار الابتكارات الأفضل من حلفائها وشركائها الأكثر كفاءة تقنيًا، وهو شكل من أشكال تقاسم الأعباء المسئول الذى يعود بالنفع المضاعف على الولايات المتحدة. ومن خلال تخفيف ضوابط التصدير، يمكن لواشنطن أن تستثمر فى الابتكار فى مجال الذكاء الاصطناعى الذى طوّرته أوكرانيا وإسرائيل تحت وطأة التحديات، وهما دولتان تواجهان حاليًا قيودًا على شراء مكوّنات الذكاء الاصطناعى الأمريكية.
قول آخر، يؤكد الكاتب أن النفوذ الذى توفره واشنطن من خلال التزامها بنشر التكنولوجيا سيكون عاملًا حاسمًا فى بناء تحالف عالمى ملتزم بمواجهة قطاع الذكاء الاصطناعى الصينى المتنامى. وفى مقابل منح الوصول إلى مكوّنات الذكاء الاصطناعى الحيوية، ينبغى لمكتب الصناعة والأمن (BIS) أن يفرض متطلبات أمنية صارمة على المشترين المحتملين، لمنع أى طريق محتمل قد تسلكه بكين لسرقة التكنولوجيا الأمريكية عبر صفقات من دول ثالثة.
مزيدا من التوضيح، يجب على مكتب الصناعة والأمن أن يضمن أن يكون الوصول إلى التكنولوجيا الأمريكية مشروطًا بقيام الدول والشركات المعنيّة بتنفيذ تدابير أمنية صارمة. وينبغى أن تشمل هذه التدابير آليات لتصفية الاستثمارات الأجنبية فى القطاعات الاستراتيجية مثل تطوير الذكاء الاصطناعى، بما فى ذلك التمويل الخاص للمختبرات الأكاديمية التى تجرى أبحاثًا فى هذا المجال. كما يجب على المكتب أن يشترط على الدول الراغبة فى الحصول على مكوّنات الذكاء الاصطناعى أن توفّق ضوابط التصدير لديها مع نظيرتها الأمريكية، لا سيّما فيما يتعلق بالتقنيات ذات الاستخدام المزدوج مثل وحدات معالجة الرسوميات عالية الأداء وآلات الطباعة الضوئية (lithography). وإلى جانب حماية هذه المكوّنات الحسّاسة من حملات التجسّس التجارى التى تشنّها بكين، ستعزز هذه الإجراءات جهود واشنطن فى تنظيم التكنولوجيا الناشئة، وبناء نموذج دائم للحدّ من انتشارها.
خلاصة القول، بالرغم من احتفاظ واشنطن بصدارتها فى مجال الذكاء الاصطناعى، فإن الصين باتت تمتلك القدرة على المنافسة بفضل نموذجها المدعوم حكوميًا الذى يحاكى سلسلة الابتكار الأمريكية. ولضمان استمرار هذا التفوّق، يتعيّن على الولايات المتحدة أن تحوّل شبكتها الواسعة من الحلفاء والشركاء إلى قوة داعمة فاعلة، بدلاً من النظر إليهم كتهديدات أمنية محتملة.
ترجمة وتحرير- وفاء هانى عمر
النص الأصلى:
https://tinyurl.com/2xf6c97