مكافحة داعش تستلزم مراجعة فكرية سعودية - صحافة عالمية - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:32 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مكافحة داعش تستلزم مراجعة فكرية سعودية

نشر فى : الثلاثاء 9 ديسمبر 2014 - 8:15 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 9 ديسمبر 2014 - 8:15 ص

نشر موقع المونيتور مقالا لمضاوى الرشيد، أستاذ زائر فى مركز الشرق الأوسط فى كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية. استهلت الرشيد المقال بقولها إن العديد من المراقبين المشككين ربما يتجاهلون أنماط الخلافة المعاصرة مثل تلك التى ظهرت فى العراق وسوريا فى يونيو، باعتبارها هبات مؤقتة تلعب على مشاعر المسلمين وحنينهم إلى ماض مجيد. ولكن يبدو أن المملكة العربية السعودية تأخذ التحدى على محمل الجد. فسرعان ما انضمت إلى تحالف دولى ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وأعلنت أن هذا الكيان تهديد إرهابى. ونظرا لأن السعودية كانت فى السابق ترعى مجموعات مشابهة للغاية لداعش، تم اعتبارها فى وقت لاحق من المنظمات الإرهابية، على سبيل المثال تنظيم القاعدة فى أفغانستان، فمن المستغرب أن تعتبر خلافة داعش الآن تهديدا للأمن القومى. وإذا كانت الإسلاموية، السلاح الذى استخدمته المملكة لصد خطر القومية العربية فى الحقبة السابقة، فما استراتيجيتها لمكافحة داعش؟ إذا نحينا وعيد القوة العسكرية جانبا، سيكون الحل الوحيد تخفيف أوجه التشابه بين المملكة والخلافة.

 وتشير الرشيد إلى أن فى جوهر نمط خلافة أبى بكر البغدادى، يقع الوعد بالروابط العابرة للقوميات، وهى تقلق المملكة العربية السعودية فى منطقة تقطع فيها الحدود السياسية أراض قبلية منذ ما بعد الحرب العالمية الأولى. ويشكل سكان شمال المملكة العربية السعودية فروع قبائل تعيش عبر الحدود فى الأردن وسوريا والعراق. فعلى سبيل المثال، لدى أبناء قبيلة شمر فى شمال المملكة العربية السعودية، أشقاء وأبناء عمومة «قبلية» تصل إلى الحسكة فى سورية وجبل سنجار فى العراق. وينطبق هذا أيضا على قبيلة عنيزة وغيرها الكثير. وتتبنى كل هذه الكيانات العابرة للقومية، علاقات القرابة «الوهمية» التى يمكن تعبئتها لصالح التضامن ودعم بعضها البعض فى المطالبات بالموارد، خصوصا فى أوقات الشدة. وقد ثبت أن هذه القرابة الوهمية والثقة التى التى تثيرها، لا تؤدى فقط إلى الدعم المتبادل ولكن أيضا إلى التهريب وغيره من الأنشطة عبر الحدود.

 وتضيف أن الروابط العابرة للقومية فى جوهر الخلافة القديمة وفى داعش، شكلها المعاصر تقدم الوعد بتوحيد الأراضى والسكان الذين قسمتهم القوى الاستعمارية، ورعت التقسيم، بعد ذلك، دول ما بعد الاستعمار. وحتى فى تلك الجمهوريات العربية التى كان المفترض أنها تتبنى الدعوة لتوحيد كل العرب، مثل مصر فى ظل جمال عبدالناصر والعراق فى عهد صدام حسين، نجد أن القادة الشعبويين احتفظوا بخطاب الوحدة، مع تطوير قومية محلية قوية. ورعى هؤلاء القادة القوميون حدود سايكس بيكو الشهيرة وتولوا حمايتها، على الرغم من أنهم واصلوا التنديد بها فى كل خطاب قومى ملتهب ألقوه على جماهيرهم المسحورة. واحتفت مراكز البحوث بتواريخهم القومية المحلية، على الرغم من التزامهم بالمتغيرات العربية لهذه التواريخ.

•••

 وترى الرشيد أن هناك دائما الخوف من أن يمتد الإرهاب من الدول المجاورة إلى المدن السعودية الكبرى ومن سرعة تقبل داعش بين السعوديين، خصوصا بعد نجاحها المذهل فى العراق وسوريا خلال فترة قصيرة من الزمن. وفى أيامها الأولى، فى صيف عام 2014، ضربت داعش على وتر حساس بين السعوديين الذين تربوا على الالتزام الشديد بتطبيق الشريعة وإقامة دول إسلامية. ولكن هذه الأسباب المشروعة للخوف من داعش لا تفسر تماما النفور عميق الجذور الذى يبديه النظام السعودى من نموذج الخلافة الذى وعد به البغدادى فى الصيف الماضى.

 وتشير الرشيد إلى أن هناك العديد من الأسباب التى دفعت الملك عبدالله إلى اتخاذ التدابير والانضمام إلى المجتمع الدولى فى حرب لا نهاية لها، تذكرنا تقريبا بـ «الحرب على الإرهاب» التى دامت عشر سنوات وخلفت الكثير من الآثار.

 وأوضحت الرشيد أن المملكة لم تنشغل أبدا بالإمارات المحلية التى تتباهى بهويتها الإسلامية مثل طالبان فى أفغانستان. ففى الواقع، كانت السعودية واحدة من أوائل الدول التى اعترفت بالإمارة فى التسعينيات. فلماذا تنزعج من قيام دولة إسلامية يراودها نموذج قديم للحكم الإسلامى، هو الخلافة؟

 وترى الرشيد أن الإمارات المحلية تظل محدودة التأثير، ولا تشكل تهديدا يذكر للمملكة التى نشأت هى نفسها نتيجة لغزو عدة إمارات (الحجاز، نجد، عسير والأحساء). ولكن الخلافة شىء مختلف تماما وتمثل حتى الآن تحديا أكبر للملكية فى الرياض التى تناضل من أجل القضاء على الاختلافات وفرض تجانس متخيل على التنوع السكانى.

 وكان الخطاب القومى العربى فى الخمسينيات والستينيات، قد أثار قلق المملكة العربية السعودية، حتى إنها سعت إلى مواجهته بعقيدة إسلاموية مضادة تهدف إلى تخفيف البعد العربى والامتزاج مع المسلمين من جميع أنحاء العالم. وفى ذلك الوقت، كانت القومية العربية توصف بأنها «جاهلية».

•••

 وتوضح الكاتبة أنه كان من المفترض أن تتبنى المملكة التى تفخر بأيديولوجية القومية الإسلامية نظرية الروابط العابرة للحدود الوطنية بدلا من الخوف منها. غير أن البغدادى لم يتعهد فقط بالقضاء على الحدود الاستعمارية القديمة ولكنه يسعى أيضا إلى دمج المسلمين فى قوة عسكرية متعددة الأعراق حيث تنصهر الثقافة المحلية واللغة والعرق فى الهوية الإسلامية الواحدة ونظام حكم واحد. وفى إمبراطورية وسائل إعلام داعش، يجرى الاحتفاء بتنوع جنسيات المسلمين بين مقاتليها لاجتذاب المسلمين فى كل مكان. ويبدو هناك نوع من الروح الكونية مهيمنة بين المقاتلين الشباب الذين انضموا إلى داعش. ولكن داعش لا تتسامح معهم إلا إذا تخلوا بسرعة عن هذه الروح واحتضنوا إسلاما ينفصل تماما عن ثقافاتهم وأعراقهم المحلية.

 وتتساءل الكاتبة أليس هذا ما تحاول المملكة القيام به على الرغم من لهجتها حول الوحدة الإسلامية؟ وهكذا، تطرح كل من الخلافة الوليدة والمملكة السعودية نموذجا للثقافة عابرة القومية، يشبه كل منهما الآخر فى التواصل مع المسلمين عبر الثقافات، ولكن بهدف تحقيق التجانس بينهم والقضاء على الاختلافات بينهم. وتختلف كل من المملكة وخلافة داعش الأخيرة اختلافا كبيرا عن النموذج القديم للخلافة التى ازدهرت فى دمشق ثم فى بغداد. وتشبه المملكة وخلافة داعش بعضهما البعض لدرجة أن كلا منهما ترفض الأخرى. ويبدو أن التشابه بينهما يغذى الازدراء.

 وتقوم خلافة البغدادى، كدولة تدعى العودة إلى الماضى المجيد المتصور، على الحكم وفقا لتفسير متشدد للشريعة، ودمج المسلمين على اختلافهم وصبهم فى شكل واحد هو النمط المألوف جدا للسعوديين. ولعل ما يهدد المملكة، الحماس لهذا النموذج، أو على الأقل هذا ما يعبر عنه فى وسائل الإعلام الاجتماعية. ويوضح استطلاع رأى حديث أن 5٪ فقط من السعوديين (حوالى 500 ألف شخص) لديهم شعور إيجابى تجاه داعش. وعلى الرغم من أن استطلاع آراء السعوديين حول داعش عمل محفوف بالمخاطر فى حد ذاته، ربما لا تكون هذه الأرقام معبرة عن درجة تأثير داعش على أذهان الناس فى البلاد.

 وأوضحت الرشيد أنه فى الآونة الأخيرة، جعلت داعش وجودها فى المملكة العربية السعودية، محسوسا عندما أودى هجوم على حسينية للشيعة خلال طقوس عاشوراء بأرواح سبعة من المصلين الشيعة. ومنذ ذلك الحين، تم إطلاق النار على عدد من الأجانب وطعن آخرين فى مراكز التسوق السعودية. وكان آخرهم دنماركى تعرض لهجوم فى ظروف غامضة. وادعت داعش مسئوليتها عن الهجوم.

•••

 وتختتم الرشيد المقال بقولها أن مكافحة داعش من السعودية تتطلب إعادة النظر فى أيديولوجية الدولة والعلاقات بين الحكام والمحكومين. وقد نجحت المملكة فى تطوير القومية «السعودية» المحلية كما هو واضح على شاشة التليفزيون، خلال مباريات كرة القدم واحتفالات اليوم الوطنى. ولكن ينبغى أن يتم تطبيق ذلك حقا كاستراتيجية لاستيعاب التنوع بدلا من القضاء عليه.

 وخلصت الرشيد إلى أن المملكة العربية السعودية قد لا تستطيع البقاء طويلا جدا إذا ما استمر التمييز ضد فئات السكان ــ الأقليات والنساء على سبيل المثال ــ وتهميش أولئك الذين يعبرون عن المعارضة، وتطبيق استراتيجية «العقوبات الهائلة» لتجريم مجموعة كاملة من الأعمال: من ممارسة الشعوذة إلى تشويه سمعة المملكة فى تغريدة قصيرة على تويتر. كما أن السماح للناس بتمثيل أنفسهم فى المجالس المنتخبة يمنحهم الإحساس بأن لهم حصة فى المملكة، ويربط بينهم بوسيلة أقوى من وسيلة البترول القديمة، فى معادلة الولاء. وفى حالة ما إذا تم التحرك بسرعة نحو إجراء هذه التغييرات، ربما لا يتبقى هناك أهمية لأوجه التشابه بين المملكة ودولة الخلافة التى ستفقد جاذبيتها.

التعليقات