انتقـام جمهورية 52 - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الثلاثاء 10 ديسمبر 2024 1:52 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

انتقـام جمهورية 52

نشر فى : الجمعة 10 يناير 2014 - 8:45 ص | آخر تحديث : الجمعة 10 يناير 2014 - 8:47 ص

اعتقدت مع كثيرين بانتهاء جمهورية 1952 مع نجاح الحشود الشعبية فى إسقاط الرئيس السابق حسنى مبارك يوم 11 فبراير 2011. وساهم فى دعم هذا الاعتقاد سوء أداء حكم المجلس العسكرى، واعترافه بعدم امتلاكه خبرة سياسية تساعده على إدارة المرحلة الانتقالية بدون أخطاء. كما ساهمت صور البث الحى لاشتباكات متكررة بين آلاف المتظاهرين من ناحية، وبين جنود وضباط من ناحية أخرى فى عدة مناسبات لزيادة الاعتقاد بانتهاء جمهورية 52. وكان للتأكيدات المتكررة من قيادات المجلس العسكرى بعدم وجود مرشح رئاسى من بينهم لتدعم هذه الفكرة إلى أن وصلنا لإجراء الانتخاب الرئاسية الحرة الأولى فى التاريخ المصرى فى منتصف 2012. وكان انتخاب محمد مرسى وتسلمه الحكم كأول رئيس مدنى علامة تاريخية فارقة اعتقد معها الكثيرون انتهاء الجمهورية المصرية الأولى رسميا وعمليا وبصورة نهائية لا رجعة فيها.

توقع الكثيرون أن تنتهى الجمهورية المصرية الأولى وأن تصبح شيئا تراثيا من بقايا القرن الماضى. وحلم الكثيرون بجمهورية جديدة لا يعرف فيها المواطن الخوف من السلطة، ولا تجرؤ السلطة فيها على المساس بالحقوق السياسية والحريات الأساسية، وعلى رأسها حرية التعبير والتظاهر للمواطنين. حلم الكثيرون باصلاح هيكلى للأجهزة الأمنية لتكون فى خدمة الشعب بدلا من خدمة السلطة وخدمة مصالحهم. وتوقع الكثيرون أن تكون لقيم العيش والحرية والعدالة الاجتماعية دور أكبر فى سياسات ما بعد 25 يناير. إلا أن هذه التوقعات والآمال تبخرت مع عودة قوية لما تمثله جمهورية 52 ليس فقط لإرجاع الأوضاع إلى ما كانت عليه أثناء حكم الرئيس حسنى مبارك، بل عادت لتنتقم من كل محاولات التغيير والإصلاح اللازمة للحاق بالعالم من حولنا. ويدعم هذه العودة فئة من منظرى الماضى يدافعون عن جهود بناء استبداد جديد فى صيغة عصرية عن طريق توظيف خاطئ لمسلمات على شاكلة ضرورة «الحفاظ على هيبة الدولة» ولا صوت يعلو فوق صوت «الحرب على الإرهاب». ويبرر منظرو ذلك الماضى الذى تثور عليه جموع الشعب المصرى منذ 25 يناير الانتهاكات المستمرة لأبسط حقوق الإنسان كالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية على يد أجهزة الدولة.

•••

نعم كانت 52 حدثا كبيرا ليس فقط فى تاريخ مصر، بل فى تاريخ العالم كله، فقد مكنت مصر من قيادة حركة التحرر فى العالم الثالث‏، غير أنه فى الوقت نفسه فقد عجزت عن تلبية أحد أهم مبادئها الأساسية، وهو إقامة حياة ديمقراطية سليمة. اختار ناصر والسادات ومبارك أن يحكموا مستخدمين نظام الحزب الواحد مع تجميل الحياة السياسية بالسماح بليبرالية شكلية وديمقراطية مقيدة، ومنافسة حزبية صورية. ورغم ذلك تمتع ناصر بشعبية جارفة بسبب سياسات العدالة الاجتماعية على غرار مجانية التعليم، وإعادة توزيع الأراضى الزراعية، وإقامة قاعدة صناعية جيدة. وساعد صغر عدد سكان مصر الذى لم يتعد عشرين مليون نسمة حينذاك من شعور غالبية الشعب المصرى بالتأثير الإيجابى لهذه السياسات. جمهورية 52 تمكنت من الحصول على شعبيتها بسياسات عدالة اجتماعية لا يمكن تطبيقها اليوم فى دولة يبلغ عدد سكانها 90 مليونا من البشر، خاصة فى ظل التوحش غير المسبوق للرأسمالية المصرية التى لا تسعى إلا لتعظيم أرباحها.

اعتمدت جمهورية 52 فى جوهرها على وضعية حساسة وشديدة الخصوصية للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية فى المجتمع المصرى. وسمحت هذه الوضعية الخاصة بسيطرة شبه مطلقة على مختلف مراكز الحياة السياسية المهمة. وقد كان أهم ما توارثه رؤساء جمهورية 52 هو «الديكتاتورية الأمنية»، وإذا كان الرئيس عبدالناصر رغم تجاهله للديمقراطية قد حاز شعبية كبيرة نتيجة تركيزه على مبدأ «تحقيق العدالة الاجتماعية»، فإن الرئيسين السابقين السادات ومبارك، قد تجاهلا الديمقراطية والعدالة الاجتماعية معا.

نتج عن تدخل الجيش فى الحياة السياسية ضياع فرصة تاريخية أمامه كى يكون العمود الفقرى لدولة مصرية حديثة. لقد وصلت أحوال مصر خلال العقود الستة الأخيرة من ترد لا يستحقه الشعب. وينعكس ذلك بوضوح معايير التنمية البشرية والتعليمية والعلمية الدولية المحايدة. ويظل بقاء أكثر من 20 مليون مصرى لا يعرفون القراءة والكتابة دليلا على هذا السقوط. وطبقا لمختلف التصنيفات المتخصصة تعد مصر «دولة متخلفة»، إذ تقع جامعات ومدارس ومستشفيات مصر فى ذيل قوائم الترتيب العالمى. لقد أشار تقرير التنافسية العالمى لعام 2013 إلى أن مصر احتلت المرتبة الأخيرة بين الدول فى جودة التعليم الأساسى بحصولها على الترتيب الـ 148 من بين 148 دولة. أما الانحدار المستمر فى حال مستشفيات وطرق وجامعات مصر، إضافة لانتشار الأمراض بين ملايين المصريين، كدلائل واضحة على غياب هذه الدولة المتقدمة الحديثة.

•••

ما تشهده مصر الآن يتعد هدف القضاء على تنظيم جماعة الإخوان المسلمين. ما تشهده مصر هو إعادة إنتاج استبداد جديد بنسخة حديثة معدلة من جمهورية 52 يمكن معها استيعاب متغيرات العصر من تقدم تكنولوجى وثورة اتصالات وتطلعات شباب. وتستخدم القوانين سيئة السمعة كقانون التظاهر أو محاكمة مدنيين أمام محاكم عسكرية على سبيل المثال لوضع حدود كبيرة على حركة المواطنين. لم تهدف ثورة مصر فقط لإسقاط ما مثلته فقط نظم حكم 52، بل هدفت لتغيير أنماط التفكير والسلوك فى المجتمع عموما بما لا يمكن معه وجود استبداد من أى نوع.

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات