تأثير كورونا على الاستقطاب فى تركيا - مواقع عالمية - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 5:24 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تأثير كورونا على الاستقطاب فى تركيا

نشر فى : الجمعة 10 أبريل 2020 - 10:05 م | آخر تحديث : الجمعة 10 أبريل 2020 - 10:05 م

نشر موقع The German Marshall Fund of the United States مقالا للكاتب Emre Erdogan يرى فيه أنه على الرغم من إجراءات الحكومة التركية الإيجابية فى التعامل مع الوباء، إلا أن هذه الأزمة بدأت فى تعميق الاستقطاب الدينى والسياسى فى المجتمع... نعرض منه ما يلى:

العالم الآن أصبح مهددا من قبل واحدة من أخطر الأوبئة فى تاريخ البشرية. شاهدنا الدول تتبع إجراءات صارمة لمواجهة انتشار المرض، وبدأ الركود يظهر فى الاقتصاد العالمى. وما سيكون له أثر على المدى البعيد هو مدى نجاح الدول الديمقراطية أو السلطوية فى مواجهة الوباء.
فى ظل مواجهة الأزمة فى مجتمع شديد الاستقطاب اعتمد حديثا على نظام تركيز السلطة فى أيدى الرئيس، قدمت تركيا حالة مثيرة للاهتمام فى هذا الموضوع. مع وجود 15,679 حالة إصابة رسمية و277 حالة وفاة حتى يوم 2 إبريل، فهذا دليل على نجاح إجراءاتها المتبعة. أغلقت المدارس والجامعات والمطاعم والأماكن العامة الأخرى، بما فى ذلك المساجد. يُنصح المواطنون بالبقاء فى منازلهم مع فرض حظر تجول للمسنين. لم يتم فرض حظر كامل ولكن يظل الخيار موجودا.
قوة النظام الرئاسى والجائحة
تحولت تركيا إلى النظام الرئاسى بعد استفتاء عام 2017 على اعتبار أن هذا النظام يلبى الحاجة إلى سلطة تنفيذية تحقق الكفاءة فى الحكم دون عرقلة السلطة التشريعية أو القضائية. هذا النظام أعطى للرئيس أردوغان القدرة على تعيين أو عزل جميع الوزراء أو القضاة دون الحاجة للرجوع إلى البرلمان. وبالتالى وضع فى يده كل القوى المطلوبة لاتخاذ قرارات سريعة وفعالة فى إدارة أزمة كورونا.. والذى بدوره سيسمح بتقييم فعالية حكم الرئيس أردوغان إلى جانب تقييم مزايا وعيوب النظام الرئاسى.
الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر انعقادها فى 2023 ستمثل فرصة للمواطنين لتقييم هذا النظام وفقا لطريقة تعامله مع فيروس كورونا. لطالما نجح أردوغان فى تزييف الحقائق لصالحه، ولكن هذه المرة سيكون هناك وقائع من فقدان للأحبة وإفلاس للشركات وزيادة للبطالة. ثانيا، قد يتخذ التوتر بين العلم والدين فى البلاد شكلا جديدا، وربما يفتح الوباء طرقا لإعادة تفسير الخطاب الدينى، الذى سيطر على المشهد السياسى والاجتماعى فى ظل حكم حزب العدالة والتنمية. نظرا لأن التدخلات الحكومية فى المجال العام تهيمن عليها الضرورات الدينية، فقد يؤدى تغيير تفسير الدين إلى رفع الضغوط على الحياة فى المجتمع التركى.
مجتمع مستقطب
وصل الوباء إلى تركيا فى الوقت الذى تشهد فيه درجة عالية من الاستقطاب السياسى بين الأحزاب المختلفة، جعل من الصعب وجود تعايش سلمى فى ظل عدم وجود تسامح بين الناس مع الحقوق السياسية للآخرين. الاستفتاءات والانتخابات الأخيرة زادت من الوضع سوءا بين المعسكرات السياسية وجعلت من كل حدث مسابقة للهويات السياسية. فى حين أشارت الملاحظات الأولية إلى أن الوباء قد يساعد فى التخفيف من هذا الاستقطاب، إلا أن هناك علامات أخرى تشير إلى أن هذا الاستقطاب سيتفاقم.
الطريقة التى قرر بها أردوغان التعامل مع الأزمة تعد من أحد العوامل التى تسببت فى خلق الوحدة فى مواجهتها. من يتحدث باسم الحكومة ويتواصل مع الشعب هو وزير الصحة فخرالدين قوجة الذى يحظى بالشرعية لأنه معين من قبل الرئيس ويحظى بالشرعية فى نظر الخبراء لأنه طبيب له صلة بالقطاع الطبى. بهذا الاختيار يبدو أنه نجح فى تقليل الانتقادات حيث يتمتع الوزير إلى الآن بدعم مشترك من الأحزاب. ولكن هذا الأمر من الممكن أن يتغير بسرعة، فالمعارضة إلى الآن تتعامل مع الأمر كحالة طوارئ، فيدعمون الإجراءات التى اتخذتها الحكومة ويطالبون بالتحسينات بطريقة تخلو من الاتهام بالتقصير.
التهديد المشترك الذى شكّله فيروس كورونا يجب أن يوحّد المواطنين ويحفزهم على التعاون. وهناك ما يدل على ذلك فى المجتمع التركى.. فيبدو أن الانقسام الأكبر فى تركيا الآن هو بين من يطبقون التباعد الاجتماعى ومن لا يطبقونه. من يشددون على التباعد الاجتماعى وضعوا اعتباراتهم الثقافية والسياسية جانبا... فحث الإسلاميون على سبيل المثال على إغلاق المساجد مؤقتا وانتقد أعضاء حزب الشعب الجمهورى، وهو الحزب المعارض، رئيس فرع الحزب فى اسطنبول لتنظيمه تجمعا كبيرا.. لكن بينما يمكن للخوف أن يوحّد المجتمع، هناك أيضا مؤشرات على أنه قد يقسّم الأتراك.
العلم والدين والسياسة
تصاعد الجدل بين العلم والدين منذ ظهور الوباء... بعض الناس فى تركيا، كأى مكان آخر، يتمسكون بإيمانهم للتعامل مع الصدمة... وقد أدلى بعضهم بتصريحات تقوض من آراء الخبراء، فيجادلون بأن اتخاذ الاحتياطات أمر غير ضرورى وغير مجدٍ لأنه لن يغير من قضاء الله، والصلاة ستكون أكثر فاعلية من الاحتياطات الطبية... على الجانب الآخر، هناك من يرى فى المجتمع أن الوباء أثبت مرة أخرى أن الدين لا جدوى منه ويجب أن يتنحى جانبا وترك الأمر للعلم للتعامل مع الأزمة.. استخف البعض علنا بالدين كمؤسسة وسخروا ممن يتمسكون بدينهم وبخاصة عندما تأخرت مديرية الشئون الدينية فى قرار غلق المساجد. من المحتمل أن يلعب هذا النقاش دورا فى تأجيج الاستقطاب فى تركيا لأنه يعكس انقساما اجتماعيا عميقا وهو علامة أخرى على الحرب الثقافية الموجودة فى البلد.
تمثل قضية جمع التبرعات من المواطنين المثال الأبرز على الاستقطاب الموجود فى المجتمع. فبينما كانت الحكومة تحاول التعامل مع تأثير الوباء، أطلقت أحزاب المعارضة حملات فى البلديات التى تسيطر عليها تهدف إلى دعم شرائح المجتمع الأكثر تضررا. كان رد أردوغان هو إطلاق حملة تبرع خاصة به دون ذكر كيف ستنفق هذه الأموال، وقامت وزارة الداخلية بتعليق حملات الأحزاب المعارضة.
المضى قدما
أدى الوباء فى البداية إلى الشعور بالوحدة ضد ما فرضه من تهديد مشترك وكان لثلاثة عوامل دور فى هذه النتيجة الإيجابية... أولا، قررت الحكومة إدارة الأزمة بطريقة غير استقطابية من خلال المتحدث الرسمى الذى يُنظر إليه على أنه تكنوقراطى أكثر من كونه سياسيا، واتخذت قرارات يمكن أن تعارض قاعدة ناخبيها مثل إغلاق المساجد ووضع من عادوا من الحج تحت الحجر الصحى. ثانيا، تعاملت المعارضة مع هذا على أنه حالة طوارئ وطنية، ودعمت الإجراءات التى اتخذتها الحكومة وتعاونت البلديات التى تسيطر عليها المعارضة مع الحكومة فى تنفيذ الإجراءات التقييدية التى اتخذتها. أخيرا، وضع معظم المواطنين خلافاتهم الأيديولوجية والسياسية والثقافية جانبا للتغلب على ما اعتبروه تهديدا مشتركا، كما يحدث فى ظروف نادرة مثل الهجوم الأجنبى.
كان من الممكن أن يؤدى ذلك لو كان استمر إلى التخفيف من الاستقطاب وتعزيز أسس التعددية فى تركيا، لكن عوامل أخرى قطعت هذه الآمال. أولا، غيرت الحكومة نهجها من التعاون إلى مواجهة المعارضة عندما شعرت أنها تكتسب نقاط لدى الرأى العام، فعلقت حملات التبرعات ورفضت قيام المعارضة بدور مستقل بعيدا عن الحكومة. ثانيا، أصبحت الانقسامات حول الدين أكثر وضوحا وأدت سياسات مديرية الشئون الدينية إلى تفاقم الوضع. وأصبح مؤيدو أحزاب المعارضة ينتقدون الحكومة بشكل متزايد مما سيزيد من التوتر السياسى.
لا نعلم بالضبط كيف سيكون للوباء تأثير عميق على المجتمع والسياسة التركية، ولكن نعلم أن ما يحدث الآن سيرسم ملامح الجيل الحالى.

إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى

التعليقات