أزمة الخنازير : وباء وابتلاء ودرس مستفاد - أحمد ماهر - بوابة الشروق
الإثنين 5 مايو 2025 11:05 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

أزمة الخنازير : وباء وابتلاء ودرس مستفاد

نشر فى : الأحد 10 مايو 2009 - 6:12 م | آخر تحديث : الأحد 10 مايو 2009 - 6:12 م

 أثار موضوع انتشار وباء الحمى التى سميت حمى الخنازير ثم الحمى المكسيكية ثم تحولت إلى اسم علمى محايد، والتى قيل إنها تجمع ثلاثة فيروسات تمحورت إلى فيروس واحد، ثم قيل بعد ذلك إن المرض لا ينتقل من الخنزير بل من الإنسان، وتزايدت وتضاربت النصائح والأخبار حول كيفية تجنبه، وأسلوب علاجه وهل هو مصل التاميفلو أو مصل جديد مازال لم ينتج وينتظر التوصل إليه خلال أسابيع أو أشهر، وضرورة أو عدم ضرورة ارتداء قناع على الفم والأنف، وتعددت التقديرات حول مدى انتشار المرض وخطورته على الإنسانية والعدد المتوقع لضحاياه والذى قد يصل إلى ملايين تراوحت بين عشرة وثلاثين أو ما يزيد..

أثار هذا الموضوع حملات من الرعب وتضاربا فى الأرقام، وتخبطت منظمة الصحة العالمية فى أحكامها وآرائها منتقدة هذا الإجراء أو ذاك ومعدلة توقعاتها يوما بعد الآخر، وتوالى كل ذلك مما بدا محيرا، ومنافيا للأسلوب العلمى فى التناول، وتوالت فى مصر بالذات مجموعة من الأمور تستحق رصدها.

أولها تعايش أسلوبين لتناول الموضوع أحدهما يميل إلى التهويل والثانى يتجه إلى التهوين، وتوالت الاجتماعات على مستويات متعددة، وظهر السيد وزير الصحة على شاشات التليفزيون يحاول الطمأنة والتحذير فى آن واحد حيث بدا مرهقا ويعانى من مبادئ إنفلونزا عادية، وظهر مسئولون آخرون كان من الصعب الخروج من أحاديثهم برأى حاسم سواء من ناحية ضرورة القلق أو إمكان الاطمئنان.

وثانيها صدور قرار بإعدام كل الخنازير، ثم تعدل هذا القرار إلى ذبح الخنازير وتجميد لحومها لصالح المنتجين يبيعونها لحسابهم، وقد قوبل هذا القرار الذى لم تتخذ مثله أى دولة بإعلان منظمة الصحة العالمية أنه لا لزوم له قبل أن ترجع عن رأيها ومع ذلك لم تحذ أى دولة حذو مصر، وتساءل الناس عن الفرق بين الإعدام والذبح فقيل إن الإعدام يعنى ضرورة تعويض أصحاب الخنازير، أما الذبح والتجميد لحسابهم فقد لا يحتاج إلى تعويض لأن اللحوم ستباع لحسابهم.

وبعد ذلك اتضح عند محاولة جهة حكومية ما تسلم الخنازير أن تعويضا عرض كأنه يساوى شراء الحيوان، مع أنه لا يتعلق بالحيوان وحده بل برأس مال المنتجين الذى يدر عليهم أرباحا تتجدد ووقعت اشتباكات مؤسفة ولست هنا فى مجال الدفاع عن إبقاء الخنازير وسط أكوام الزبالة المتراكمة التى كان من المفروض التخلص منها منذ سنوات بناء على قرارات سبق صدورها بنقل زرائب الخنازير إلى مناطق بعيدة عن العمران، وبدا أنه كانت هناك مقاومة لتنفيذ تلك القرارات عبر السنين من جانب من يربون الخنازير ويوفر عليهم إطعامهم من الزبالة والقاذورات شراء علف لهم، ومقاومة من الجهات التى كان المفروض نقل الزرائب إليها لما توقعته من أضرار تلحق بالبيئة وبالصحة العامة فيها.

ثم اتضحت أمور أخرى منها أنه لا توجد مجازر كافية لذبح أكثر من ثلاثمائة ألف رأس، ولا ثلاجات لتجميد لحومها، وكل ذلك إضافة إلى أن بيع تلك اللحوم سوف يستغرق شهورا بل سنوات ويثير احتمال خلط لحم الخنازير بلحوم أخرى فى عملية غش خسيسة.

نقطة أخرى أثيرت متعلقة بالإجراءات المفروضة على الحدود لضمان عدم تسرب حاملين للفيروس إلى داخل البلاد.
وهى إجراءات وإن بدا للكثيرين أنها ليست على المستوى المطلوب ولا بالدقة المفترضة فإنها استطاعت حتى الآن أن توفر سياجا حاميا يمنع تسلل المرض.

وهناك أيضا تساؤلات أثيرت حول مصير أكوام الزبالة التى كانت الخنازير تقيم فوقها وعليها، وكيف سيتم التخلص منها بعد التخلص من الخنازير ذاتها، وهل توجد إمكانيات للتخلص منها بطريقة آمنة أو الاستفادة مما يصلح منها لإعادة التدوير كما يحدث فى الدول المتقدمة، هذا بالإضافة إلى السؤال حول مصير تلك الأراضى بعد تطهيرها من ناحية تحديد ملكيتها وأوجه استخدامها.

وفى خضم ذلك أقحم البعض بنوايا لا أريد الحكم عليها وفى إطار حملات من التهييج، اقحموا الدين فى الموضوع، سواء بالادعاء بأن قتل الخنازير يسىء إلى المسيحيين كما لو كان الخنزير حيوانا مقدسا، أو باستدعاء تحريم القرآن الكريم لأكل لحم الخنزير للمطالبة بإجراءات حاسمة وعدم تعويض المنتجين مع العودة إلى فكرة الإعدام، وبدأ رجال الدين يدلون بدلوهم فى موضوع ما كان يجب أن يتطرقوا إليه، فالموضوع يتعلق بالصحة العامة وليس بواجبات دينية بعيدة عن صلب الموضوع، وبدأت تظهر مظاهر مقلقة تهدد بفتنة طائفية بين المسلمين والأقباط تشعل نارا كنا نحاول كلما ظهرت بوادرها بشأن موضوع أو آخر أن نطفئها بأسرع ما يمكن، وأصبحنا نواجه مظهرا جديدا من مظاهر خلط الحقائق والوقائع، والإساءة إلى الأديان كلها بإقحامها فى أمور تنتمى على حد قول أديب من أشهر الأدباء المصريين المعاصريين إلى تفضيل المظهر على الجوهر، وأحيانا التضحية بجوهر الدين من أجل مظاهر شكلية تخفى أحيانا أمورا فيها أمور.

وفى أثناء كل ذلك، تضاربت الأنباء حول تطور انتشار المرض بين أنباء مطمئنة وأخرى مقلقة، وحول نسبة المرض إلى المكسيك أو غيرها، وإلى الخنازير أو الإنسان، وتوالت التشبيهات بأزمات وكوارث سابقة.

وقبل أن أصل إلى النتيجة التى أريد الانتهاء إليها، أود أن أقول إنه يبدو أن الحكومة بناء على التجربة السابقة الخاصة بوباء إنفلونزا الطيور الذى مازلنا نعيش معه، وتقع له ضحايا، رأت أن تعالج الأزمة الجديدة بسرعة وحزم مما ساهم فى منع دخول الوباء إلى بلادنا، ولكنه أظهر نواحى نقص وتناقضات لم تستطع الجهود المضنية وسرعة ردود الفعل وحسم النوايا أن تتغلب عليها، كما تكشف الأسئلة والموضوعات التى طرحتها ــ وهناك غيرها الكثير ــ والتى فرض ظهور الوباء فى العالم فجأة ضرورة الإجابة عنها ومعالجتها بسرعة دون أن يكون هناك استعداد مسبق.

ومن ذلك كله أستخلص دروسا للمستقبل لعل أهما أن يكون لدينا جهاز متخصص فى محاولة التنبؤ بالأزمات فى أبكر وقت ممكن والاستعداد لمواجهتها عن طريق تنسيق جهود كل الأجهزة التى لها علاقة بموضوع الأزمة حتى يمكن قدر الممكن تجنب القرارات المتسرعة والعشوائية وضمان العمل المدروس الذى يأخذ فى الاعتبار جميع الاحتمالات ويضمن معالجتها فى منظومة متكاملة تسمح بمواجهة الأزمة واجتيازها بأقل الأضرار وأكبر قدر من الكفاءة.

وقد سبق على حد علمى تشكيل جهاز لنفس الهدف فى مجلس الوزراء ولكن تولته شخصية ذات كفاءة ولكنها أقامت فترة طويلة فى السويد فتصورت أن ما يصلح لاستكهولم يمكن تطبيقه فى مصر مع اختلاف العادات والمفاهيم وأساليب الاستجابة للطوارئ ولذلك فشلت المحاولة، ولعل الاستفادة من تلك التجربة التى لم تنجح، ومن درس أزمة الخنازير يكون دافعا إلى تكوين ذلك الجهاز القادر على التعامل الفعال مع الأزمات لتقليل أضرارها وتعظيم فرص الخروج منها بنجاح، وأن يعطى هذا الجهاز من السلطات والصلاحيات والإمكانيات ما يجعله أداة فعالة وليس مجرد جهاز إدارى يضاف إلى الكثير من أجهزة الدولة الموجودة حاليا والمتخمة بالموظفين دون أن تستطيع أن تؤدى عملا فعالا ومفيدا.

أحمد ماهر  وزير خارجية مصر الأسبق
التعليقات