أين نحن من ثقافة الاعتذار؟ - امال قرامى - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 7:26 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أين نحن من ثقافة الاعتذار؟

نشر فى : الثلاثاء 10 يونيو 2014 - 5:10 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 10 يونيو 2014 - 5:10 ص

للاعتذار فى ثقافات الشعوب معجم، ودلالات، وصيغ، وطقوس، وأدوار لعل أهمها تحسين العلاقات الاجتماعية عندما تتعرض للاختلال. وقد أدرجت أغلب الشعوب أدب الاعتذار فى مناهجها التربوية، وعلمت الناشئة كيف تعتذر؟ ومتى؟ ولماذا؟. وقد ربط القوم الاعتذار بفلسفة تهذيب السلوك، ومنظومة قيم أخلاقية ودينية، واجتماعية، وبنى اجتماعية، ورمزية، ونفسية. فللاعتذار صلة بالشعور بالخجل، والإحساس بالذنب، والإقرار بارتكاب الأخطاء والزلات، وانتهاك المعايير والحدود والقوانين... كما أن له علاقة ببناء الشخصية، وتعويد الفرد على تحمل المسئولية.

وقد ميزت الشعوب بين الاعتذار الصادق الذى ينم عن إدراك ووعى وقدرة على الاعتراف بارتكاب الأخطاء، وإلحاق الضرر (المادى، والاجتماعى، والاقتصادى، والنفسى...) بالآخر بقطع النظر عن جنسه، وسنه، وعرقه، ودينه، والاعتذار المزيف الذى لا غاية له سوى البحث عن طريق للخروج من المأزق. وضمنت بعض البلدان قوانينها صيغا من أشكال الاعتذار منها الشفوى، ومنها المدون.(كاليابان مثلا).

•••

ولئن أطنب العلماء فى الثقافة العربية الإسلامية فى الحديث عن الآداب: آداب المؤاكلة والشرب، والمجالسة، وآداب النوم، وآداب الجماع، وآداب دخول الخلاء، وآداب اللباس...فإنهم والعهدة على المؤرخين، لم يولوا، فى الغالب، الاعتذار أهمية بالغة. ولعل للأمر علاقة وشيجة بالنظام التراتبى، وتوزيع السلطة، وبنية العلاقات الاجتماعية والسياسية. فالكبير لا يعتذر للصغير، والمسلم لا يعتذر للذمى، والسلطان لا يعتذر للرعاع، والحر لا يعتذر للعبد، والأبيض لا يعتذر للأسود...

أحداث كثيرة تجرنا إلى الحديث عن هذا الموضوع، لعل أبرزها أداء عدد من الإعلاميين المصريين فى تغطية الحملة الانتخابية، وتصرف السياسيين فى أكثر من بلد آخرها ظهور (على العريض) رئيس الحكومة السابق فى برنامج تلفزى ليرد على اتهامات وجهت له بشأن إصدار أوامر بعدم إلقاء القبض على «أبوعياض»، بل تيسير عملية فراره إلى ليبيا، دون أن ننسى مسئولية «العريض» فيما عرف بأحداث الرش فى سليانة التى أودت بعيون عدد من الشبان. فهل يملك سياسيونا وقادة الرأى من مثقفين، وفنانين، وإعلاميين وغيرهم ثقافة تجعل الواحد منهم قادرا على الاعتراف بأخطائه ثم تقديم الاعتذار فى الوقت الملائم، وباللغة المناسبة؟

•••

مازالت ذاكرة التونسيين حية تسترجع بين الحين والآخر خطابات من قبيل «السلفية فزاعة يختلقها البعض لترهيب التونسيين»، «السلفيون يبشرون بثقافة وهم أبناؤنا»، والذين يتدربون فى الجبال هم مولعون بالرياضة»، و«لا وجود لأمن موازى»، و«أهالى الشهداء تحركهم الأحزاب،... ويعود الفضل إلى شبكات التواصل الاجتماعى التى نشرت وخزنت مقاطع من الفيديوهات التى تعد بمثابة دليل إدانة لعدد من المسئولين السياسيين وتورطهم فى تبديد المال العام، وسوء التصرف، إن لم نقل قضايا فساد. يكفى أن يرجع المرء إلى هذه الأخبار المتداولة على أكثر من موقع وصحيفة ليتساءل أما آن أوان الاعتذار ما دامت المساءلة والمحاسبة قد عزتا فى حكومات تعاقبت بعد الثورة؟

عدد ولا حرج: فمن رؤساء الحكومات المتعاقبة إلى الرؤساء إلى عدد من الوزراء، وثلة من النواب بالمجلس، وزمرة المستشارين، وعدد من الإعلاميين الذين صنعوا «الظواهر الشاذة» التى تنادى بزواج الصغيرات، وتعدد الزوجات، وتبرر الزواج العرفى، والجهاد،... باسم حرية التعبير، و«دمقرطة» التكلم باسم الدين والانتصاب للدعوة.

•••

الكل أخطأ فى حق الوطن، وفى حق الشهداء، والجرحى، والشعب، لا أحد معصوم : كلهم أذنبوا بحق من فوضهم لقيادة المسار الانتقالى، ومن استأمنهم على عملية البناء والـتأسيس فكانوا إما دهاة يدبرون المكيدة تلو الأخرى أو صبيانا ما بلغوا الرشد ليعقلوا العبر والدروس.

كثرت التصريحات والانتقادات، وتبادل التهم والسباب، وتراكمت حجج الإدانة، وعاين القوم وشاهدوا وسمعوا، وعيل الصبر، والناس بانتظار قيادى واحد يتجرأ على مواجهة الجماهير، والاعتراف العلنى، وتقديم الاعتذار الصادق ولكن ها أنهم يفاجأون بصفاقة لا مثيل لها، وتنصل غريب من المسئولية وكأن الماضى البعيد قادر على أن يشفع لهم.

وما دامت علامات تأسيس ثقافة الاعتذار قد تأخرت حتى فى عهد «المهدى»، فلا أمل فى الإصلاح. وطالما أن مسار العدالة الاجتماعية قد تعطل بسابق إضمار، وأن السياسى يرتكب الخطأ تلو الآخر ويمر بلا حساب ولا مساءلة. فليتنصل الجميع من مسئولياتهم، ولينكروا ما قاموا به، ولينضموا إلى زمرة الناعقين المتحسرين على نظام سقط.

التعليقات