في ذكرى مصطفى النحاس (١) - علاء الحديدي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 2:15 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

في ذكرى مصطفى النحاس (١)

نشر فى : الإثنين 10 يونيو 2019 - 9:15 م | آخر تحديث : الإثنين 10 يونيو 2019 - 9:15 م

تحل علينا بعد أيام قليلة، الذكرى الـ ١٤٠ على مولد مصطفى النحاس والذى ولد فى ١٥ يونيو من عام ١٨٧٩. وللأسف الشديد، فإن اسم مصطفى النحاس قد طواه النسيان لفترة طويلة حتى أن بعض شباب اليوم قد لا يعرفون عنه شيئا سوى ذلك الشارع المسمى باسمه فى مدينة نصر. فقد كتب الكثير عن سعد زغلول وأحمد عرابى، ولكن لا يذكر اسم النحاس إلا نادرا، إلى حد أن المؤرخ الراحل الدكتور عبدالعظيم رمضان قد وصفه فى مقال له فى عام ١٩٧٤ بـ«الزعيم الذى نسيه المؤرخون». وقد بدأ اهتمامى بمصطفى النحاس من خلال ما قرأته عن تاريخ مصر قبل ثورة يوليو ١٩٥٢، ومحاولاتى فهم الأسباب التى دفعت مجموعة من الضباط إلى القيام بهذه الثورة. وقد استهوتنى هذه الفترة ما بين ثورة ١٩١٩ وثورة ١٩٥٢ والتى بدأت مع قراءة كتاب عفاف لطفى السيد بعنوان «التجربة الليبرالية فى مصر١٩٢٢ــ ١٩٣٦» Egypt’s Liberal Experiment 1922 ــ 1936. وشد انتباهى بطبيعة الحال الدور الذى لعبه حزب الوفد وخاصة زعيماه سعد زغلول ومصطفى النحاس. ورغم أن النحاس لم يحظ بشهرة سعد زغلول كما ذكرنا، إلا أن للرجل دورا وتاريخا لا يمكن إنكاره أو تجاهله. كما أن ما قرأته عن شخصيته واختلافه فى طبعه وسلوكه عن سعد زغلول، دفعنى لأن يكون هو موضوع رسالة الدكتوراه الخاصة بى فى العلوم السياسية من جامعة لندن بعنوان «مصطفى النحاس؛ دراسة فى الزعامة السياسية». فمن كان مصطفى النحاس؟ وماذا كان دوره فى الحركة الوطنية المصرية؟

ولد مصطفى النحاس فى قرية سمنود بمحافظة الغربية حاليا، كان والده تاجر أخشاب ميسور الحال، ومثل أبناء جيله، دخل أولا كتاب القرية ثم المدرسة فمدرسة الحقوق التى تخرج فيها عام ١٩٠٠. وكانت مدرسة ــ أى كلية ــ الحقوق فى ذلك الوقت تمثل طريق الأجيال الجديدة إلى الوظائف الحكومية وبما تمثله من إغراء أمام الطبقة الوسطى الصاعدة حديثا فى ذلك الوقت. وكان طلبة هذه المدرسة يدرسون فنون الخطابة والكتابة للدفاع عن حقوق الأفراد أمام المحاكم، ثم سرعان ما بدأ الطلبة يتعلمون الدفاع عن حقوق الوطن ككل وليس فقط حقوق الأفراد. وهكذا أصبحت مدرسة الحقوق هى مدرسة الوطنية المصرية وقاد خريجوها الحركة الوطنية سواء من خلال أشهر خريجيها فى ذلك الوقت الزعيم مصطفى كامل، أو من خلال قادة ثورة ١٩١٩ وما تلاها من أحداث وتطورات. وكان النحاس، مثله مثل الغالبية العظمى من خريجى مدرسة الحقوق، من أنصار «الحزب الوطنى» (حزب مصطفى كامل) وليس «حزب الأمة» الذى كان يمثل النخبة وعلية القوم وكبار ملاك الأرض الزراعية.

ومع نهاية الحرب العالمية الأولى وإعلان مبادئ ويلسون الأربعة عشر، ومن بينها حق الشعوب فى تقرير مصيرها، سارعت القوى الوطنية المختلفة فى لحظة نادرة من الإجماع الوطنى إلى تشكيل وفد يمثل الشعب المصرى للذهاب إلى مؤتمر فرساى فى باريس للمطالبة بالاستقلال تطبيقا لشعار ويلسون سالف الذكر. ومع قيام ثورة ١٩١٩، انضم النحاس وحافظ عفيفى كممثلين عن «الحزب الوطنى» إلى «الوفد المصرى» الذى كان سعد زغلول يقوم بتشكيله للتفاوض مع الإنجليز. وكان سعد زغلول حريصا على أن يكون هذا الوفد الذى يتحدث باسم الشعب المصرى ممثلا لجميع القوى والتيارات فى المجتمع، ولتحقيق نوع من التوازن مع أعضاء «حزب الأمة» فى هذا الوفد. وكان «الحزب الوطنى» ينادى بالاستقلال التام، ويرفض مبدأ التفاوض لما كان يراه فى ذلك من إضفاء لشرعية على الاحتلال. بينما كان «حزب الأمة» يرى أولوية الإصلاح الداخلى وبناء نظام ديمقراطى يؤهل البلاد بشكل تدريجى للحصول على الاستقلال. الملفت للنظر هنا أن سعد زغلول قد نجح فى دمج مطالب «الحزب الوطنى» فى الاستقلال التام والفورى مع أسلوب عمل «حزب الأمة» فى قبول مبدأ المفاوضات، أى أن «الوفد المصرى» تبنى شعار «الحزب الوطنى» فى الاستقلال التام كهدف، ولكنه تبنى نهج «حزب الأمة» فى تحقيق هذا الاستقلال عن طريق التفاوض.

ودون الدخول فى تفاصيل هذه المرحلة، فسرعان ما ظهرت الخلافات بين أعضاء الوفد حول أسلوب التفاوض مع الإنجليز، حيث كان البعض على استعداد للقبول بما كان يعرض عليهم، حتى لو كان ذلك يعنى تقديم بعض التنازلات. وأصبح سعد زغلول وأنصاره، ومن بينهم النحاس، يتم وصفهم بالجناح المتشدد داخل الوفد المفاوض، فى حين أصبح الآخرون يمثلون الجناح المعتدل. وأصبح سعد زغلول والنحاس من بعده فى نظر الشعب والتاريخ ممثلى الحركة الوطنية المصرية، وذلك لتمسكهم بمطالب الأمة فى الاستقلال التام، ورفضهم تقديم أى تنازلات تنتقص من هذا الاستقلال.

هذا الانقسام فى قيادة الحركة الوطنية، بين ما سمى بالجناح المتشدد وبين الجناح المعتدل، لم يعكس فقط الانقسام القديم بين «حزب الأمة» و«الحزب الوطنى»، ولكنه كان يعكس انقساما آخر فى التكوين الاجتماعى لكلا هذين المعسكرين أو الجناحين. فجناح المعتدلين كان يتشكل أساسا من كبار ملاك الأراضى الزراعية، فى حين كان الجناح الآخر الأكثر تشددا يتشكل أساسا من «الأفندية» ذوى الخلفية القانونية وعلى رأسهم المحامون. وهو الأمر الذى سينعكس بعد ذلك على الحياة السياسية المصرية وكذلك داخل الوفد الذى تحول إلى حزب مع انتخابات ١٩٢٤. وقد تجلى ذلك الصراع والتنافس غير المعلن بين الأفندية وأصحاب الأطيان وبشكل أوضح فى المعركة التى دارت رحاها لانتخاب زعيم «الوفد» الجديد بعد وفاة سعد زغلول فى عام ١٩٢٧.

فرغم أن النحاس كان سكرتير عام حزب الوفد عند وفاة سعد زغلول، إلا أن ذلك لم يكن يعنى أنه المرشح المؤكد فوزه لمنصب رئيس «حزب الوفد» وخلافة سعد زغلول. وكان المرشح الأوفر حظا فى البداية هو فتح الله بركات، ابن أخت سعد زغلول، والذى يتمتع بتاريخ وطنى لا يقل عن أى شخص آخر. وكان بركات يحظى بدعم النخبة التقليدية فى قيادة حزب الوفد من أقرانه من ملاك الأراضى الزراعية، أو «أصحاب الأطيان» كما كان يطلق عليهم. فى الجانب المقابل، كان مصطفى النحاس من أبناء الطبقة الوسطى الصاعدة من الأفندية المحامين فى ذلك الوقت، وكان لوقوف شباب المحامين وغيرهم من الأفندية كأحمد ماهر ومحمود فهمى النقراشى فى صف النحاس ما رجح فوزه على فتح الله بركات. كان انتخاب النحاس يعنى أن صفحة جديدة فى تاريخ مصر والحركة الوطنية قد بدأت بقيادة أبناء الطبقة الوسطى من الأفندية والمحامين، وهو موضوع المقال القادم بإذن الله.

التعليقات