فضح المستور - امال قرامى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:01 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فضح المستور

نشر فى : الثلاثاء 10 نوفمبر 2015 - 9:20 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 10 نوفمبر 2015 - 9:20 ص

عادة ما يضطر السياسيون إلى تبنى سلوك قائم على تصيد زلات خصومهم وبث الشائعات والتنقيب عن وثائق تؤكد الانحراف أو تثبت إخفاء الحقائق أو التزوير. وكثيرا ما يبرر السياسيون هذه الأساليب فى التعامل مع الخصم بأنها مشروعة وتدخل ضمن قواعد اللعبة السياسية إذ لا أخلاق فى السياسية. بيد أن ما تعيشه تونس منذ تولى حزب النداء الحكم من تراشق بالتهم بين «الإخوة الأعداء» واعتداء بالعنف وتشويه لسمعة عدد من القيادات و... يثبت أن الخصم لم يعد من الخارج بل من الداخل، وأن التصدع قد تحقق داخل الحزب الواحد: شق يوالى ابن رئيس الجمهورية حافظ قائد السبسى فى مقابل شق يناصر محسن مرزوق الأمين العام لحزب النداء. وهكذا صارت الأساليب المعتمدة ضد الآخر توجه ضد الإخوة الذين تقاسموا نفس الحلم وسعوا إلى كسب الانتخابات والوصول إلى الحكم.

يفيد ما وصل إليه الحزب الحاكم من انشقاق، خاصة بعد تعليق أكثر من 30 عضوا فى مجلس الشعب عضويتهم فى الحزب أن توقعات عدد من المهتمين بالشأن السياسى بخصوص تفكك بنية حزب النداء قد صارت حقيقة لا مرية فيها. فهجانة تركيبة الحزب وتضارب مصالح أتباعه وانحدارهم من تيارات أيديولوجية مختلفة وانتماءهم إلى أجيال مختلفة كل هذه العوامل تجعل الحزب بمثابة مولود مشوه منذ اللحظة التى تكون فيها.

أما الاستنتاج الثانى الذى نتوصل إليه بعد هذه الأحداث فيتمثل فى انتشار عدوى العنف فى صفوف حزب حاكم كان قياديوه من أشد المنددين بالانتهاكات والاعتداءات على الناس بل أكثر من ذلك كان الندائيون أكثر من مرة ضحية اعتداءات بالعنف. ويترتب عن لجوء فئة من الندائيين إلى توظيف ميليشيات تحترف البلطجة فقدان الثقة فى هذا الحزب والتشكيك فى قدرته على شن الحرب على الإرهاب إذ كيف يتسنى للحكومة أن تصوغ استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب والحال أن قياديين بارزين من الحزب الحاكم يرون استعمال العنف مشروعا فى العمل السياسى؟

•••

ويكمن الاستنتاج الثالث فى عجز المنضويين تحت حزب النداء عن صياغة برنامج للحزب ورؤية دقيقة وتصور حول العمل السياسى. كما أن هؤلاء لم يتوصلوا إلى تحديد الأولويات والتعاقد الأخلاقى حول ضرورة تقديم خدمة البلاد على خدمة المصالح الشخصية، وهو أمر يؤكد أن الحزب جمع فئة من التونسيين الخائفين من النهضة فجعلهم يساندوه لا عن قناعة وتقدير للكفاءات بل بحثا عن الخلاص.

ولا يمكن التغاضى عن استنتاج رابع يتمثل فى سيادة منطق الغنيمة على حساب المسئولية السياسية. فالتناحر بين الإخوة الأعداء مرده تمثل للسلطة على أنها يجب أن توزع على الجميع. فكل فاعل سياسى يرى أنه يستحق أن يكون فى موقع صنع القرار. ومن ثمة فإن الفعل السياسى يُختزل فى تحقيق المصالح وخدمة الذات وتقصى أخبار الخلان لمعرفة كم حققوا من مكاسب؟

إن ما يسترعى الانتباه فى الأزمة التى يعيشها حزب النداء هو هيمنة بنى القرابة وعودة فكرة التوريث من جديد، والحال أن بورقيبة كان قد حسم هذا الموضوع بكل صرامة. فقد منع مؤسس دولة الاستقلال ابنه من ممارسة العمل السياسى والتموقع فى المشهد السياسى باعتباره ابن الرئيس.

وبالإضافة إلى ما سبق نرى أن إدارة الأزمة بتحكيم الباجى قائد السبسى باعتباره مؤسس الحزب والأب الراعى يقيم الدليل على أن الفعل السياسى تأسس منذ البدء، على مراعاة كاريزما السبسى من جهة، ومراعاة التوازنات بين أصحاب الأموال الذين دعموا الحزب وأصحاب الخبرة والحنكة ممن انتموا إلى حزب التجمع الدستورى وغيرهم من جهة أخرى.

ليست تجربة حكم الأحزاب بعد الثورات إلا حجة على هشاشة الثقافة السياسية وسيطرة التمركز على حساب التشاركية وتضخم الأنوات فى مقابل الإيمان بخدمة الوطن. ويبقى ثمن النضج السياسى باهظا وتكلفة «التجريب» مرتفعة.

التعليقات