القانون الدولى.. السلاح الغائب ضد إسرائيل - علي حامد الغتيت - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 9:55 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

القانون الدولى.. السلاح الغائب ضد إسرائيل

نشر فى : الأربعاء 11 فبراير 2009 - 9:04 م | آخر تحديث : الإثنين 23 فبراير 2009 - 10:01 م
في غيبة استراتيجية قائمة، درجنا على أن نعاني من الحوادث والواقعات المفاجئة، تفِدُ علينا أو تنقض، ليفرض علينا التعامل معها أو الرد عليها واحدةً، تلو واحدة حسبما اتفق التفكير، أو رد الفعل في حينها وفي عجلة تفرضها الملابسات وربما حسبما يفرزها الانفعال الذي يستولده (إنقضاضها) المفاجئ علينا.

كما يلحظ المدقق أن هذا المنهج العفوي يصطحب معه، بالضرورة على ما يبدو، انقطاع في الذاكرة يتفكك معه سياق التعامل والردّ بين القديم، والقائم، والمستجد. بينما في الجانب الآخر الخصم بل الخصوم، يمطرونا في إطار استراتيجيتهم بالحوادث تتلوها الفجئات، متفرقات في الأثر فيما يبدو، إلا أنهن مرتبطات في الهدف، ومنفذات استراتيجية مستقرة لا حيدة لهم عنها.

ولاشك في أن مجموعة الحوادث الخطيرة الساخنة المتدافعة اليوم في سمائنا، وبحورنا، من اختراقات أمنية ودولية هي جرائم جديدة للإبادة وضد الإنسانية وجرائم حرب مازالت ترتكبها دولة إسرائيل المحتلة عسكرياً أراضي فلسطين على نحوٍ متكررٍ، بإصرارٍ، وترصّد مقصود بها جميعاً فرض الواقع الذي تختلقه، في انتهاك فاضح متبجِّح لكافة قواعد ومبادئ ومعايير القانون الدولي التي لا يختلف على وجوب احترامها إجماع الخبراء والحكومات، ذلك فضلاً عن القرارات الصادرة عن أجهزة الأمم المتحدة مرة بعد الأخرى، بإدانة دولة إسرائيل وكافة أذرعها وجندها.

وقد أفزعت هذه الحوادث الأخيرة الساخنة الجسيمة والخطيرة الضمير العام للشعوب، مطالباً بتحريك القانون الدولي وهذا أمر عظيم غير مسبوق، وأحسب أولي الأمر العرب منجزون هذا التحريك بالجهود القانونية والقضائية الدولية والسياسية والدبلوماسية العربية في ملاحقة دولة إسرائيل وأذرعتها وقادتها ومجرميها المنفذين الذين مازال مقصدهم إخلاء فلسطين من شعبها إبادةً، وتشريداً، وطرداً من أرضهم وديارهم. وهذه جرائم في حكم القانون الدولي قد تجاوزت إثم عدم المشروعية إلى بشاعة جرائم الدولة، قولاً واحداً.

لذا، لا يجوز أن يقع العرب وفلسطين من جديد للمرة العشرين أو الثلاثين في كمائن تكريس الإنشغال بالتعامل مع هذه النوازل المستجدة وحدها فينشغلوا بها عن التعجيل بوضع الاستراتيجية أو الاستراتيجيات الغائبة، التي دونها ضياع الحاضر والمستقبل. أقصد بالنوازل تحديداً وفضلاً عن جرائم الإبادة وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية استمرار دولة إسرائيل في جرائم التوسع في الاستيلاء غير المشروع المجرَّم على أراضي فلسطين، سواء ببناء المستوطنات وما كرَّسته لها ببناء الجدار العازل الذي أدانته وأثمته بدورها محكمة العدل الدولية في 9 من يوليو 2004 وأوجبت إلزام إسرائيل بإزالته وإزالة جرائمها التي أدانها القرار بالتعويضات، كما أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل بعدم العودة إلى تلك الجرائم.

إلا أن العرب لم يبدأوا حتى اليوم تنفيذه ضد دولة إسرائيل. الرأي القانوني الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية منذ سنوات وهو البات قد انتهى هو الآخر إلى إدانة دولة إسرائيل فيما تقيمه من المستوطنات ووجوب قيام إسرائيل بإزالتها أو التخلي عنها للفلسطينيين أصحاب الأرض.

إلا أن الخصوم ورعاة السلام المزعومون، كالمنتظر منهم نصحوا العرب نصيحة قوامها أن هذه المسائل (حقوق الفلسطينيين القانونية الرئيسية غير القابلة للتنازل عنها) لا يجب إثارتها إبَّان المفاوضات في "عملية" السلام حتى لا يعوق ذلك التوصل إلى التسوية السلمية.

وأضافوا أن من شأن استناد العرب إلى القانون الدولي ومبادئه وقرارات المنظمات الدولية ومحكمة العدل الدولية الصادرة لصالح الفلسطينيين وكما أن محاولة تنفيذها أمام جهات الاختصاص ضد إسرائيل من شأنه كذلك تعويق الوصول إلى تسوية سياسية.

والغريب المذهل أن العرب استجابوا للنصيحتين وقرروا الصمت عن سندهم و تركوا القانون الدولي وأدواته جانباً وأوقفوا تنفيذ القرارات الدولية الصادرة لصالحهم. وهكذا غاب القانون الدولي وغابت القرارات الدولية أو قل قد غيَّبها العرب بفعلهم.

ومن نافلة القول أن ذلك لن يجدي العرب فتيلاً. إذاً مَن أراد القانون الدولي العام قائماً وفاعلاً حصناً لحقوقه، وحرَّكه، واستعان بأدواته، ببصيرة وجدِّية وإصرار، حقَّق لنفسه مقاصد الحماية. أما من اختار الصمت، أو قبل تأجيل تحريك الحقوق وتحصيلها رغم توفر سندها القانوني الحاسم القابل للتنفيذ دولياً ورغم توفر أدواته في إطار القانون الدولي بحيث يضحى صاحب الحق وقد استبعد الحجة القانونية أثناء عمليات التفاوض المقترحة، يكون قد جرَّد نفسه من أهم وأخطر مكونات القوة في موقفه. فكأنه يردم على الحقوق ركام من آمال زائفة علقها بسراب كاذب هو إتمام "عملية" التسوية السلمية.

وذاك موقف أو قـُل استراتيجية عفوية سندها يناقض المعقول عقلاً والمتبع عرفاً، وتكشف فسادها حقائق التاريخ، والواقع المُعاش، كما يوقظ الوجدان البكر العدوان والإبادة المستمرة والاستيطان المتوحش.
وعلى ذلك فلنا أن نتصور بل قد يفوق قدرتنا على التصور خطورة المعقبات الكارثية التي تنتظر الانقضاض هذه المرة لو أن العرب استمروا في استراتيجيتهم العفوية.

لذلك فإني أطالب حكام العرب وفلسطين وهم مسئولون عن حقوق ومصائر شعوبهم والمسئولون عن ترجمة مطالب شعوبهم وأمنهم واسترداد حقوقهم والذود عن بلادهم إلى اتخاذ استراتيجية موحدة جديدة يصبح المفاوض العربي فيها مسلحاً – ضمن ما يؤهل نفسه به -بالمحاجة بالمبادئ القانونية الدولية والتقريرات الدولية والسوابق الدولية، وفي الوقت ذاته يتخذ العرب ما يلزم من الإجراءات القانونية المحلية والدولية لتنفيذ ما صدر لصالحهم من قرارات دولية، وبحيث تكرِّس لهذه الاستراتيجية الجهود والكفاءات والمهارات القانونية وحنكة المتفاوض والمدافع العربي ومهاراتهما وكفاءاتهما التي يستخدمانها حينما يريدان.

قد أثبت التاريخ أنه حيثما إنتظمت الاستراتيجيات القويمة احتشد لها التنفيذ الأمين القوي، نجحت الأمم أصحاب الحقوق في تحقيق مقاصدها.

وألحُّ في مطالبة حكام العرب نبذ الفرقة بين النظم الحاكمة، وأن يبصروا بخطورة الانقسام بين سلطة ليست بسلطة، وحكومة ليست بحكومة، أن يستنفروا تحريك أدوات ووسائل وإجراءات القانون الدولي العام، والقانون الجنائي الدولي، والقانون الدولي الإنساني، وأن يستردوا الإرادة حتى تصح لهم وأن يستحضروا العزم بشأن كافة القضايا بحيث لا يسمحوا بردم ركام الحوادث الساخنة ونوازل الخروقات المذهلة الصادرة من القوى المهيمنة ضد حقوق العرب في دولهم وسيادتها ومتى فعلتم أيَّدتكم الشعوب في القاصي والداني في الأوطان. كما أدعو إلى الحرص على أن يكون كل ذلك مصحوباً باستراتيجيات رئيسية حاكمة تشمل كل ما هو مطروح بما في ذلك:

1) إسترداد الحقوق العربية بما في ذلك حقوق فلسطين بتنفيذ القرارات الدولية وتفعيل القانون الدولي العام أمام المنظمات والقضاء الدوليين على التفصيل السابق.
2) الملاحقة القضائية الجادة أمام القضاء الدولي والوطني لمجرمي الحرب .
3) الحماية القضائية للمقاومة المشروعة طبقاً للقانون الدولي.
4) تزويد المفاوض العربي والفلسطيني بموقف متكامل يتضمن المحاجة بالحقوق القانونية الأساسية وسوابق القضاء الدولي ووثائقه القانونية والتي تشكل القوة الدافعة للخصوم لتحقيق التسوية السلمية العادلة والجادة.
5) الملاحقة القضائية لدولة إسرائيل (القوة العسكرية المحتلة) في شأن مسئوليتها عن حماية المدنيين في وقت الحرب.

وأخيراً نذكر أن اختيار العرب عدم تحريك القانون الدولي وأدواته وعدم متابعة تنفيذ القرارات الصادرة لصالحهم هم السبب المباشر الوحيد لضعفهم القديم الذي إذا ما استمر فإنه قد يُمكن دولة إسرائيل من الإفلات من جرائمها جميعاً المؤثمة دولياً. ونعيد للتأكيد أن تحييد الحجج القانونية وعدم التمسك بها على ما ينصح الخصوم والوسطاء بحجة أن ذلك ييسر حصول العرب على التسوية الودية، هو في حقيقته قول عقيم، وخطير إذا اتبع إذ هو يقيم العقبة الكبرى أمام التسوية العادلة.

إذاً فالقانون الدولي يحرِّكه ويحقِّق مقاصده مَن انعقدت له الإرادة وصحّ له العزم على أصحاب الحقوق والمطالب. وقد أثبتنا من قبل على مر التاريخ القديم وكذلك التاريخ المعاصر القريب أن هذا في مكنتكم أمام القضاء الدولي (قرار الجدار) وكذا أمام المنظمات الدولية. وإنَّ سعيكم سوف يُرى.

علي حامد الغتيت  مفكر وكاتب
التعليقات