المستقبل الدستورى لصاحـب السيادة - علي حامد الغتيت - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 5:09 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المستقبل الدستورى لصاحـب السيادة

نشر فى : الإثنين 14 مارس 2011 - 10:19 ص | آخر تحديث : الإثنين 14 مارس 2011 - 10:19 ص

 سبق الحديث مع الشعب «صاحب السيادة» من قبل، فى مقال بهذا العنوان، نشرته «الشروق» يوم 9 من يناير 2011، ونستكمله اليوم بعد تسارع مذهل نشهده فى أحداث ومكونات المشهد الثورى التاريخى أعادت، وتعيد، شئنا أم أبينا، تشكل البانوراما المعقدة والديناميكيات فى هذا المشهد، على نحو يتأبى على الاستقرار ــ الآن ــ، وإن كان لا يستعصى على الاستقراء والاستشراف أو فى الأقل لا يستعصى على المحاولة الشريفة الجادة للرؤية المبكرة أو المتصورة لباكر الأيام العشرة الدقيقة وأحسبها حاسمة فى أوضاع الثورة وشرعيتها وتشكيل معالم المستقبل الدستورى لمصر بما يقتضيه إقامة وبنيان المشروع القومى الذى طال غيابه، لكفالة تحقيق مستقبل الإصلاح السياسى والدستورى والقانونى الممكّن من النهوض الاجتماعى والاقتصادى للمجتمع واستعادة مصر لدورها الوطنى، والإقليمى، العربى والأفريقى والإسلامى المشارك فى تخليق جديد لنظام عالمى جديد.

وغنى عن البيان أن المشهد الثورى والتاريخى الذى نعيش داخله، ونشارك فى صنعه، هو مشهد مربك بطبيعة الأمور، وبسبب ما يفرزه كل يوم بل كل ساعة من تناقضات، ويتخلق عنه من التباسات، وما يطرح بقوة من إشكاليات استثنائية، يحض عليهما النشاط المفاجئ الذى هبت فيه الحياة فى جنبات روح الجموع المكونة لصاحب السيادة، فقد أدركت فجأة ولأول مرة منذ عقود امتدت طويلا أن المشاركة السياسية الفعالة والمنتجة لآثار ملموسة، تكاد تكون فورية، قد أصبحت أمرا ممكنا، وحقيقيا. وينضاف كل يوم شركاء جدد إلى هذه الديناميكية الثورية المنعشة والمربكة فى آن معا، بل يضيفون بمشاركاتهم المفاجئة والمرحب بها، تفرقا وتشتتا طبيعيا يقتضى مزيدا من التنبه إلى ضرورات التبكير فى محاولات الاستقراء والاستشراف للمشهد فى الأيام العشرة الدقيقة المقبلة.

فتلك أيام بزخمها الذاتى وتعدد وجهات النظر، لا يجوز أن تسبقنا فيها الأحداث، وتتجمد المواقف فنفاجأ بها متحكمة فى المشهد ومُعقدة لقسماته بغير مقتضى وبلا لزوم حتمى، فتبدو الشئون والأوضاع وكأنها بحكم البادئ من سطحها الهادئ، وكأنها أمور مُسلمة، بدائلها تحددت ابتداء، بينما اليم الثورى تحتها لم يكتشف صاحب السيادة ابعاده الحقيقية الكاملة أو الكامنة كيما يتعامل معها بالحنكة والكفاءة والحكمة الواجبة.

مبكرا وبمرونة تقتضيها سنن الثورات، كما ان على الربان والقائم معه على الشأن الثورى أن يسبرا أغواره تحسبا لمفاجآت قد ترتج لها السفينة بعد حين، أو لا قدر الله بعد الأوان.

واليوم نعاود الحوار والنظر مع جموع صاحب السيادة والربان فى أمور عاجلة ومتسارعة قد تعين على تحديد معالم وضمانات المستقبل الدستورى واستقرار الشرعية الثورية مع دعوة إلى وضع الاستراتيجيات واختيار المنهج وصياغة المشروع القومى الذى طال غيابه.

وهذا الحوار يجىء وقد أعلن صاحب السيادة غضبة ثورته الكبرى وأكد انعقاد إرادته وعزمه، الحياة فوق القمم وحيث يتدفق الآن الحوار الوطنى بين دوائر المجتمع المدنى والأهلى، وأحزابه التى بدأت فى استعادة عافيتها ونقاباته ومنظماته وشبابه وأطياف الشعب حول مسودات التعديلات الدستورية التى كان قد استدعاها الرئيس السابق فى رد فعل متراخ إلا أنه كان مدبرا فور سقوط دستور 1971 بقيام ثورة 25 يناير ضده وضد نظامه وضد الدستور. وفاقم من الحوار كون الاقتراح بالتعديلات نفذ فى ظل حكومة سقطت هى الأخرى استجابة للإرادة المعلنة لصاحب السيادة.

أما حوارى اليوم فيستدعيه اطروحات لإشكاليات ملحة يفرضها الاستفتاء المطروح الآن والذى تحدد 19/3/2011 يوما له، وهو استفتاء يجىء فى سياق التطورات المتسارعة، والمستجدات المتتابعة، منذ صدور الإعلان الدستورى الأول يوم 15/2/2011 وإلى يومنا هذا 14/3/2011، وقد انقضت أسابيع عددا كالسنين تسارعت فيها خطى الثورة وتغير ظرفها، تجاوزت بها كلها الهدف الذى ارتآه ذلك الإعلان الدستورى عندئذ من تلك التعديلات. خاصة وأنه قد ثبت فى الاستبيان الذى أجراه مجلس الوزراء قد اسفر عن أنه حتى يوم 11/3/2011 فإن نسبة 59٪ من جموع صاحب السيادة ترفض تلك التعديلات وتتصاعد مع كل يوم نسبة الرافضين. ولما كانت هذه الاشكاليات الملحة بأطروحاتها تستوجب حسما مبكرا، فقد حرصنا أن نشترك فى النظر فيها لنستنطقها للحفاظ الدائم على وشائج الشرعية الثورية التى تربط بين صاحب السيادة الأصيل والدائم، ومن كلفهم تكلفهم مقدسا وإن كان موقوتا، بحمل مسئولية وأمانة سياسة المجتمع وشئونه، وهم المستجيبون لصوته وإرادته وتطلعاته الاستحقاق من الإصلاحات السياسية والدستورية والقانونية وفيما يتطلبه ويصبو إليه فى إعداد وإقامة نظامه الدستورى الجديد، فنبدأ بأولى هذه الاطروحات واشكالياتها ثم نوالى النظر فيما يليها:

● هل التعديلات الدستورية الجزئية «بغض النظر عن اختلاف الآراء فى شأنها» تستجيب لمطالب وتطلعات الثورة فى اللحظة الراهنة؟

● هل الإصرار على إجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية الجزئية، من شأنه ترسيخ الاستقرار والسلم الوطنى؟.. بالرغم من أنه لم يعقد الحوار القومى حولها للنظر فى مضمونها، ومن ثم لم تتح الفرصة الحقيقية لمناقشتها والحوار الوطنى بشأنها كما سبق الوعد؟ خاصة أنه بالنظر إلى الأحداث الثورية المتسارعة من 25 يناير إلى 11 من مارس 2011، فإن الراجح فى الفقه هو سقوط وليس تعطيل الدستور السابق 1971 (على تفصيل)، حيث كلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد، وخلا منصب رئيس الجمهورية وصدر بعد ذلك البيان رقم (5) فى يوم 15/2/2011 من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، المسمى بـ«البيان الدستورى» بتعطيل الدستور، وبحل مجلسى الشعب والشورى ضمن عدد آخر محدود من المبادئ الدستورية العامة المنظمة للوظائف التشريعية... الخ، وقبول الشعب عندئذ بذلك الإعلان الدستورى الجزئى بالمقارنة بالإعلانات الدستورية الأكثر شمولا التى كانت قد صدرت تباعا إبان فترة بداية ثورة 1952.

وذلك دون أن يفوتنا أن إجراء الاستفتاء على هذه التعديلات الجزئية ــ حسبما هى عليه الآن ــ من شأنه أن يفتح الباب مرة أخرى على مصراعيه لمن ينتخب لرئاسة الجمهورية أن يستحضر النظام القديم بذات الطغيان والاستبداد، فى غياب ضمان دستورى يكفل إلزام رئيس الجمهورية المنتخب بالقيام بإجراءات إعادة توصيف سلطاته دستوريا والحد منها. وبعبارة أخرى: إذن لماذا نفرض على أنفسنا الآن قبول تأجيل إعادة توصيف سلطات رئيس الجمهورية قبل انتخاب الرئيس الجديد؟ وهل من المعقول أن نؤجل ذلك إلى مرحلة متأخرة بعد انتخاب الرئيس الجديد فنأتى ــ بعد أن منحته نصوص دستور 1971 والتى كان يجب تعديلها ابتداء ــ لنطالبه بإعادة توصيف السلطات والحد منها ثم العودة إلى إجراء استفتاء جديد على تلك التعديلات الدستورية المتأخرة؟ وهذا أمر قد يقبله الرئيس المنتخب وقد لا يقبله. هذا فضلا عن التكلفة المادية الباهظة التى تترتب على إجراء استفتاء ثان تتكبدها خزانة الدولة التى تستدعى الدعم القوى الآن.

●فهل يجوز لنا القبول بالمخاطرة الجسيمة الماثلة أم يتعين علينا الاستباق بطلب تأجيل موعد الاستفتاء أو إلغائه أو العدول ثم إعادة النظر فى موضوعه ومشموله؟

وعلى ذلك فإن الإشكالية التى تطرح نفسها بقوة: الآن، وفى ظل تسارع الظروف التى أفرزتها وتفرزها الثورة، وتجاوزت بها الأوضاع التى اقترحت فى ظلها تلك التعديلات، والمقاصد التى دفعت إلى اقتراحها من قبل الرئيس السابق.. أليس الأولى اليوم والأجدر بنا:

أولا: تأجيل موعد الاستفتاء أو إلغائه أو العدول عنه وإعادة النظر فى موضوعه ومشموله.

ثم ثانيا: استصدار إعلان دستورى شامل للأحكام الدستورية العامة اللازمة لحكم البلاد فى هذه الظروف وخلال الفترة الانتقالية التى تعد فيها وثيقة الدستور الجديد؟.. بحيث يستجيب الإعلان الدستورى الثانى للمتطلبات والإرادة الواعية للشعب فى الوقت الراهن.

ثالثا: ينبغى أن يكون مطلب صاحب السيادة فى صدور هذا الإعلان الدستورى الشامل مصحوبا بإعلان من جانب الحكومة بعقد مؤتمر للحوار القومى بشأن: إما مضمون التعديلات الدستورية المقترحة وضوابطها الفلسفية مع إضافة التعديلات الدستورية الأخرى اللازمة، وعلى وجه الخصوص التعديلات بشأن تحديد سلطات رئيس الجمهورية بما يتفق مع النظام الدستورى البرلمانى، وإما ــ وهو الأولى بصاحب السيادة ــ أن يفتح حوارا فى إطار مؤتمر قومى بشأن اقتراح وضع وثيقة دستور جديد على الاستفتاء، معبرة عن خلاصة ما تتوصل إليه جموع صاحب السيادة إذا ما تحقق التوافق حولها، تطرح على الاستفتاء.

علما بأنه إذا ما نجح الاتجاه المتزايد والمتصاعد اليوم فى الحوار الدائر بين أطياف الشعب المصرى فى فرض التصويت برفض التعديلات الدستورية الجزئية، وهو أمر مرجح حدوثه، فإن المرجح ان يترتب عليه تكريس الفراغ الدستورى القائم فضلا عن تداعياته السلبية الأخرى. وهذا مما يقتضى من صاحب السيادة المسارعة إلى التعبير عن حرصه على قيام المكلفين بأمانة سياسة المجتمع وأمنه باتخاذ ما يلزم بكل وضوح وحزم لتفادى ذلك، درءا للمحاولات المعادية للثورة المستهدفة زعزعة الثقة وإثارة الشكوك حول مدى الالتزام بالشرعية الثورية.

ولا يجوز ان يفوتنا الانتباه فى هذا المقام ان التطورات المتلاحقة التالية لقيام ثورة تونس ومصر وليبيا وباقى دول المشرق والمغرب العربيين، وما استنهضته هذه الثورة بين الشعوب العربية من شوق إلى التغيير والإصلاح السياسى والدستورى الشامل، ما أعلنه العاهل المغربى الملك محمد السادس فى 9/3/2011 عن وجوب مراجعة دستورية شاملة فى المملكة المغربية تستهدف تعزيز التعددية السياسية والحريات الفردية واستقلالية القضاء وتقليص سلطات الملك لصالح السلطة التنفيذية، ووضع السلطة التشريعية فى الصدارة بين السلطات، فضلا عن توسعة صلاحيات رئيس الوزراء وانتخابه بحيث يصبح رئيس السلطة التنفيذية الفعلية، كل ذلك على أن تتم صياغة الدستور الجديد فى مدة ثلاثة شهور تنتهى فى يونيو ٢٠١١.

نقول: إن مشروع الإصلاح الدستورى فى المغرب قد رفع سقف تطلعات الإصلاحات الدستورية واجبة الاستحقاق لدى الشعوب العربية فى الدول العربية الملكية فضلا عن الجمهوريات.

وفى هذا الإطار المستجد هل سيكون مقبولا فى مصر إجراء استفتاء على تعديلات دستورية جزئية..؟ أم سيصر الشعب المصرى فى ثورته على إعادة توصيف استحقاقاته الدستورية والقانونية فيما يتطلبه ويصبو إليه فى إعداد نظامه الدستورى الجديد متسقا وملاحقا للنسق العربى المستجد وسقفه الأعلى الذى ظهر فى أفق الإصلاح الدستورى مؤخرا؟

أحسبنى فى نهاية قولى هذا لا أغادر المعقول، ولا تذهل عن قولى الحكمة إذا ما تصورت أن ثورة 25 يناير تطالب بإجراءات مستجيبة لإرادة الشعب لتحقيق الإصلاح السياسى والدستورى والقانونى ولوضع الاستراتيجية العامة للمشروع القومى المصرى على النسق التالى:

أولا: عدم جواز، ومن ثم وجود إلغاء الاستفتاء على مشروع التعديلات المقترحة على دستور 1971 الذى سقط بقيام ثورة 25 يناير ضده وضد النظام السابق الذى أفرزه.

ثانيا: إصدار إعلان دستورى شامل وواف بمتطلبات المرحلة الانتقالية.

ثالثا: وجوب عقد الحكومة المؤتمر القومى للإصلاح السياسى والدستورى والقانونى.

رابعا: وجوب عقد الحكومة مؤتمرا قوميا معاصرا وموازيا لوضع الاستراتيجية العامة والمشروع القومى للنهوض التعليمى والاجتماعى والاقتصادى والاستراتيجى المصرى.

ادعوك إلى التفكير يا صاحب السيادة أقصد يا جموع صاحب السيادة وأدعوك إلى الحوار وإلى الاختيار بعد ذلك وأنتم على بينة من أمركم.

علي حامد الغتيت  مفكر وكاتب
التعليقات