صاحب السيادة - علي حامد الغتيت - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 9:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صاحب السيادة

نشر فى : الأحد 9 يناير 2011 - 10:09 ص | آخر تحديث : الأحد 9 يناير 2011 - 10:09 ص

 على الشعب صاحب السيادة الأصيل والدائم، وعلى من أنابه وكلفه تكليفا موقوتا، أن يحمل مسئولية وأمانة سياسة المجتمع وشئونه، وعليهما أن يختارا فى فهم مشهد مجزرة العدوان المتوحش الذى لحق مقر كنيسة القديسين وأهلها فى الإسكندرية فى مفتتح 2011، إما أنه حدث إرهابى ملتبس باحتقان، وإما أنه زلزال مدمر، ولعله موقظ. فإن كان الأول فهذا نظر إلى عرض. وأما إن كان الثانى فهذا عين البصيرة، لأنه إدراك للجوهر وإدراك لما لم تكتمل شواهده بعد. ومن ثم يصبح فى إمكانهما معا معالجة العرض والتصدى للجذور والأهداف التى دبرت من قبل وتدبر. وتلك الأعراض لم تكن مقصورة على التفجيرات التى نالت من قبل صوامع، وبيع، وصلوات، ومساجد يذكر فيها اسم الله، من تدبير وفعل الخارج وعملائه فى الداخل. بل شملت انهيارا فى التعليم ومناهجه، وتصدعا فى أدوات التواصل بين الناس فيما بينهم، وفيما بينهم وبين من كلفه صاحب السيادة بحمل مسئولية وكفالة المجتمع، والقائمة طويلة.

أحصيت هذه الأعراض فوجدتها تجاوزت 96 عرضا خطيرا تناثرت أكثرها فى طيات وإفصاحات ما سطرته أقلام الكتاب والمثقفين والمحللين حتى أصبح الحديث عنها من قبيل تحصيل ما لا يحصل وهو ما يضفى غموضا وتشتتا يستعصى على الاستحضار، وترديدا يهدد بفقدان أثر إدراك الأخطار الملابسة لكل عرض على حدة، فضلا عن إدراك جسامة وسواد الأفق إذا ما تراكمت كل هذه العوارض وانحبست فى سماء مصر، وتوقفت مليا بين الحيرة والتشتت، وضياع الرؤية، وخفاء الأخطار خلف عوارض ظاهرة.

وأصدقكم القول لم يفارق ذهنى ولا مخيلتى انفجار بيروت فى فبراير 2005، الذى ذهب ضحيته الرئيس الراحل رفيق الحريرى، والذى تحول عند الغرب ــ بناء على طلب رئيس الحكومة اللبنانية السابقة ــ إلى حادث يهدد الأمن والسلم العالمى ويهدد الشرعية الدولية بإقامة محكمة دولية خاصة بلبنان، ونحن اليوم نتلقى التهديد تلو الآخر بذات الأمر، بحسبانه مآلا مقصودا فى شأن مصر، فلنحذر كل الحذر.

أقول إنه لا يجوز أن يخفى على أحد منا، ومن يخفى عليه فليسترجع معنا جذور الأمر، فالشعب المصرى هو الصاحب الأصيل والدائم للسيادة فى مصر، وهو لا يملك أن ينقل السيادة إلى من يختاره أو ينتخبه أو يكلفه بالقيام بتمثيله فى حمل مسئولية وأمانة المجتمع وسياسة شئونه.

فالسيادة لا تنتقل، ولا تجمد، ولا تفوض بالقسم أو بحلف اليمين، كما أنها لا تسقط عن صاحبها الأصيل. وعندما يكلف صاحب السيادة شخص من يحمل هذه المسئولية فهو يحدد له مهمته وأدواتها وضوابطها ويحاسبه عليها أولا بأول. أما ما يسمى بالديمقراطية فمفهوم أنها ليست سوى أدوات لممارسة الشعب لسيادته الدائمة على من أنابه بإدارة حكم شئون المجتمع ومصالحه، وهو فى ذلك يباشر على من أنابهم رقابته ويمارس محاسبته لهم، كلما اقتضى الأمر ذلك. إذن فحكام المجتمع القائمون على سياسة شئونه لا يمارسون السيادة ولا جزءا منها، إنما يباشرون حمل أعباء مسئولياتهم وفق ما ارتآه صاحب السيادة ووفق القانون ووفق الدستور، حماية للشعب صاحب السيادة الوحيد، ومن ثم لا يتصور استمرار التكليف للقائمين عليه إذا ما ألحقوا بمقام صاحب السيادة تقزيما.


وغنى عن البيان أن صاحب السيادة هو الآخر محكوم «من قبيل لزوم ما يلزم لتنظيم ذاتى وموضوعى، يضبط ويضمن ممارسته لمظاهر هذه السيادة» بممارسة فعلية حقيقية، وفعليتها دليل حقيقتها، وفى هذا المقام نقول إن من بين تلك الضوابط والضمانات تنظيم الانتخاب، وتنظيم ممارسة هذه السيادة بعد الانتخاب. ونعنى بذلك التزام مجموعات المكلفين فى المجالس التمثيلية عن صاحب السيادة الدائمة التزاما لا يمكن معه الادعاء بأنهم أصحاب السيادة بعد الانتخاب.

وأحد الاسئلة المحورية الأولية فى كل هذا هو كيف يمارس الشعب سيادته؟ تظهر ممارسة السيادة فى صور وأشكال متباينة قد تكون: مقالا أو دعوة أو تحذيرا أو حوارا أو لفت انتباه أو فعلا، كما قد يكون التعبير عن إرادة السيادة فى مرحلة متأخرة بالاستغاثة، أو شكوى بشكل أو بأخر، وإذا ما أهمل المكلفون استقبال هذه الإرادة ــ بأن التفوا عنها إهمالا أو عمدا أو استخفافا أو استهتارا ــ يصبح هنا مأخذ الغضب حقا أصيلا لصاحب السيادة، وقد يصل الأمر بصاحب السيادة أن يستعمل حقه فى إعادة النظر فى التكليف ومن كلفهم، إذ إن الأمر دستوريا لا يستقيم فيه مبدأ معاملة صاحب السيادة الأصيل على نسق «دعه يتكلم ويدعو، ويكتب، ويحذر، ويستغيث، ويتظاهر، ويشكو، ثم دعنى وما أريد».

ونقول إن الأمر لا يستقيم دستوريا إذا ما وصل هذا الجرف، ذلك أنه يفصح عن أن المكلف من طرف صاحب السيادة قد أسقط احترامه الإرادة الدستورية، وهو سقوط يلحق الاحتقان بالشعب ويضع شرعية التكليف والقائمين على أمانة سياسة المجتمع محل المساءلة الدستورية.

ومن الدلائل الحاسمة على أن الاحتقان قد لحق الشعب، أن تتقاطع المهام الدستورية الموكلة لمؤسسات المجتمع بحيث لا يجد صاحب السيادة ملاذا إلا القضاء، كى يتمكن من استرداد حقوقه التى أهملت الاستجابة إليها القنوات الدستورية المختصة الأصيلة بالتفاتها عن مقالة الشعب ودعوته وإرادته وشكايته ومظاهراته وحواراته، ومن ثم تصبح فى المجتمع حكومة قضائية بديلا عن حكومة تنفيذية، وهو أمر شاذ تصبح معه أحكام القضاء موضوعا دائما يشغل الصحافة والإعلام.

علي حامد الغتيت  مفكر وكاتب
التعليقات