الشيوعية والإنسانية فى شريعة الإسلام - رجائي عطية - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 6:41 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشيوعية والإنسانية فى شريعة الإسلام

نشر فى : الأربعاء 11 مارس 2020 - 8:15 م | آخر تحديث : الأربعاء 11 مارس 2020 - 8:15 م

للأستاذ العقاد ــ من قديم ــ موقف شديد المعارضة للشيوعية، ويندر أن تخلو إحدى مجموعات مقالاته المجمعة، أو مجلدات يومياته، من مقال أو أكثر ينتقد فيها الشيوعية والشيوعيين، نقدا شديدا مشفوعا بتنبؤ لا يفتأ يردده أن مآلها إلى زوال، ورأينا كيف أوردها ضمن المبادئ الهدامة فى كتابه: «أفيون الشعوب ـ المذاهب الهدامة»، وحمل فيه عليها حملة شديدة، وأنهى الكتاب بالتنبؤ بانحسارها، وكيف أنها تراجعت فى كثير من المعالم المعدودة من أصول الشيوعية.
ولم يكتف الأستاذ العقاد بهذه الكتابات المتفرقة، وهى كثيرة، فأفرد كتابين للشيوعية تخصيصا، أحدهما كتاب «الشيوعية والإنسانية فى شريعة الإسلام»، وصدرت طبعته الأولى سنة 1956، والكتاب الثانى «لا شيوعية ولا استعمار» وصدر سنة 1957.
فى مقدمة الطبعة الثانية من كتاب «الشيوعية والإنسانية»، التى أصدرتها دار الهلال بكتاب الهلال عدد مايو 1963، كتب الأستاذ العقاد فى تقديمها أن هذه الطبعة الثانية تصدر بعد صدور الطبعة الأولى بنحو ست سنوات، وهى ليست بالمدة القصيرة، بل ربما كانت السنوات الست فى تاريخ الإنسانية الحديث أحفل بنتائج التجربة العملية من السنين التى نيفت على المائة منذ إعلان الفلسفة المادية، لأن تجربة السنوات الست الأخيرة أتت بعد نضج العهد الصناعى الأكبر الذى جعله أئمة المذهب الماركسى أساسا لمبادئ مذهبهم ودعامة للنبوءات المحتومة التى تترتب عليه، ولأن الحوادث التى ارتبطت بتجربة المذهب المادى التاريخى فى الزمن الأخير كانت على نطاقها العالمى الواسع أوفر عددا وأكثر تنويعا وأصح دلالة من جميع التجارب الصغيرة التى مرت بالمذهب من منتصف القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين.
كارل ماركس
صاحب المذاهب
خصص العقاد نحو خمسين صفحة من الكتاب للحديث عن «كارل ماركس» صاحب المذهب الشيوعى الماركسى، أو بالأحرى عن مثالبه العالقة بشخصيته وفكره، والتى لا يستقيم معها ـ من وجهه نظره ـ أن يفرز فكرا قويما ناهيك بأن يحكم البشرية وفق آماله ـ إلى ما شاء الله، وبذلك يفصح العقاد من السطور الأولى عن اتجاه فكره ورأيه، وعن حكمه أو قل إدانته للشيوعية الماركسية التى أدان بقوة مبتدع مذهبها.
بهذا الكتاب، وبما سبقه من مقالات هاجم فيها الشيوعية الماركسية، شجرت معارك حامية لم تتوقف بين العقاد وبين اليسار بصفة عامة، وكما اتخذ هو موقفا عدائيا من الشيوعية واليسار، وقف منه اليسار موقفا عدائيا لم تفلح السنون الطوال، ولا وفاته من نصف قرن، من تخفيف حدة هذه الخصومة الشديدة.
وبداهة لم يكن فى حسبان العقاد وإن تنبأ بنهاية الشيوعية، ولا كان فى حسبان اليسار ومن تصدوا لمواجهته فى المعركة، أن الشيوعية سوف تتعرض لنحر عميق وأن الاتحاد السوفيتى دولة المثل الأعلى للعالم الشيوعى، سوف تتفكك وينفرط عقد دولها قبل أن ينصرم القرن العشرون بنحو عشر سنوات، إثر حركة البريسترويكا التى قادها الرئيس جورباتشوف وانهمرت تداعياتها بسرعة شديدة لم يتوقعها أو يأملها أعدى أعداء الشيوعية والاتحاد السوفيتى.
وربما بدا الآن من هذا التحول الدرامى فى الحركة الشيوعية قبل انصرام القرن الماضى، أن ما كتبه العقاد عن الشيوعية قد جاوزه الزمن، إلا أن توالى هذه الظروف لا يحسر أهمية متابعة آراء العقاد، ليس فقط كدليل على صدق نظره، وإنما لأن الشيوعية رغم تداعيات البريسترويكا وما داخل الحركة من انعطافات ـ لا تزال باقية وإن اختلفت بعض معالمها، وتحكم النظم الاقتصادية لدول شرق أوروبا فضلا عن الصين الشعبية التى اقتحمت بقوة لافتة عالم الكبار.
الشيوعية إذن لم يتجاوزها الزمن نهائيا.
وما كتبه العقاد فى المذهب، لا يزال يحمل من الأهمية والجدارة ما يحمل على وجوب الإطلال عليه والنظر فيه، وهو مذهب لا يخفى العقاد ولا يدارى رفضه له من البداية بل ويساوى بينه وبين الاستعمار فى الغرض والغاية، وكان ذلك عنوانا لكتابه التالى ـ سنة 1957 ـ «لا شيوعية ولا استعمار».
أتباع المذهب
أراد العقاد بهذا الفصل، أن يثبت أن أهم الحركات الثورية التى نسبت إلى الفلسفة الشيوعية، ليست مصداقا فى الواقع للفلسفة الماركسية التى رسمت تصورا قوامه أن للثورة مقدمات لازمة هى التى تفضى إلى الشيوعية، تخلص فى أيلولة الصناعة الكبرى المنتشرة إلى أيدى الاحتكاريين الذين يستأصلون كل طبقة غير طبقتهم وطبقة الأجراء أو «البروليتاريا» الذين تقوم الثورة على أيديهم.
إن الثورة الروسية لم تقم وفق هذا السيناريو، ولم يجر فيها هذا التطور، بل كانت من ثورات الهزائم الكبرى فى التاريخ القديم والحديث، بسقوط عرش «رومانوف» بعد هزائم الحرب العالمية الأولى، ويصدق ذلك على ذهاب أو سقوط عرش «هوهنزارن» و«هابسبرج» و«آل عثمان»، كما ذهبت هزائم ما قبل تلك الحرب بأسرة «المانشو» فى الصين على أيدى «صن يات صن» وأصحابه.
فالثورة الروسية لم تكن من فعل الشيوعية، ولا كانت مقدماتها من المقدمات التى تنبأ بها ماركس للثورة الشيوعية، إنما مرجعها إلى «مصادفة» أن الفئة التى استولت على مقاليد الثورة بعد تمرد الجيش على أسرة «رومانوف»، كانت ـ أى هذه الفئة ـ تدين بآراء كارل ماركس.
فمن الواجب الفصل فى شأن «المذهب الماركسى» فى قيمة التفكير، وبين الحوادث الكبرى التى أضيفت إلى فكرته بفعل «المصادفة» ولو لم يكن «لينين» وأصحابه يقولون إنهم ماركسيون، لذهب كتاب «رأس المال لكارل ماركس» فى طوايا النسيان دون أن يردد أحد ما فيه من لغو وخلط وترقيع وغلبة أهواء الشر على قواعد التفكير.
أما الحركات الثورية أو الدعوات الثورية، التى تولاها الشيوعيون بعد قيام سلطانهم فى روسيا، فإن كل ما كان لها من صلة بالصناعات الكبرى أن هذه الصناعات حشدت الأجراء بالألوف فى ميدان واحد مما سهل على الدعاة توجيه الدعوة إليهم جملة وإثارتهم جملة.
ولقد حاول ماركس أن يفرق بين أجراء الصناعة وأجراء الزراعة فى القابلية للثورة بفروق انتحلها، فقال مثلا: إن السبب يكمن فى أن الأجراء فى الصناعة قابلون للثورة الاجتماعية لأنهم لا يملكون شيئا فى المصانع، على عكس الفلاح الأجير لأنه يملك بعض الأرض أحيانا أو بعض الناتج أحيانا، بيد أن حقائق التاريخ تكذب هذا الهراء ـ فيما يبدى العقاد ـ وتثبت أن إمكان التجمع فى مكان واحد كان دائما هو الذى يهيئ إمكان حشد أسباب الثورة.
والدليل أنه حدثت أمثال هذه الحركات الاجتماعية فى القدم ومن قبل الميلاد بعدة قرون، دون أن تكون هناك صناعة كبرى ولا صغرى تربط بين الأجراء وبين أقطاب رءوس الأموال وملاك الصناعات وفقا لنظرية ماركس!.
حدثت حركة كبيرة من هذه الحركات الاجتماعية بعد الأسرة الفرعونية الرابعة، لأن الفلاحين تعودوا «الاجتماع» بالمئات والألوف فى بناء الأهرامات.
وحدثت حركة الأرقاء فى «إسبرطة» قبل الميلاد بأربعة قرون، وهم الأرقاء المعروفون باسم «الهيلوت» (Helots) أو باسم «الضواحين» وكلهم من الفلاحين زراع الأرض بالحصة والمقاسمة فى الثمرات.
وحدثت حركة الأرقاء فى الدولة الرومانية (72 ق. م) بقيادة «سبرتاكوس» الرقيق الذى تعلم المصارعة وتمكن من جمع زملائه فى الرق، فحشد منهم نحو سبعين ألفا دوخ بهم الجيوش الرومانية.
وحدثت حركة الأرقاء فى العصر الإسلامى بعد منتصف القرن الثالث للهجرة (التاسع للميلاد) ـ حين ثار الزنج فى البصرة بقيادة على بن محمد بن عبدالرحيم، وما برحت ثورتهم تحتدم وتخبو إلى عهد الخليفة المهتدى بن الواثق إلى أيام الخليفة المعتمد بن المتوكل، حيث تمكن الزنج من «التجمع» لأنهم كانوا يعملون فى الموانئ وسفن الشواطئ كما كانوا يعملون فى الزراعة ونقل البضائع، ولم يكن هؤلاء الأرقاء زملاء «سبرتاكوس» أو الأرقاء الهيلوت والضواحين ـ عمالا مسخرين فى صناعة كبرى أو صغرى كما يفرض ماركس، بل كانوا فلاحين أو حفارين فى المناجم أو حمالين على الشواطئ جمعتهم أماكن عملهم ووحدة الشكاية أو وحدة المصلحة بينهم فخرجوا فى تلك الحركات الاجتماعية قبل عصر الصناعة الكبرى بعشرين قرنا!.
Email:rattia2@hotmail.com
www.ragai2009.com

التعليقات