الائتلاف الهش.. الحكومة الباكستانية الجديدة وتحديات المرحلة - قضايا آسيوية - بوابة الشروق
الثلاثاء 15 أكتوبر 2024 4:41 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الائتلاف الهش.. الحكومة الباكستانية الجديدة وتحديات المرحلة

نشر فى : الإثنين 11 مارس 2024 - 7:40 م | آخر تحديث : الإثنين 11 مارس 2024 - 7:40 م

نشر المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية مقالا للباحثة نوران عوضين، تناولت فيه هشاشة الائتلاف الحكومى الحالى فى باكستان، لأنه لا يتضمن حزب حركة الإنصاف (حزب عمران خان) رغم حصول الشخصيات المستقلة المدعومة من هذا الحزب على أكبر عدد من الأصوات فى الانتخابات التشريعية الأخيرة. كما تحدثت الكاتبة عن أبرز التحديات التى تواجه الائتلاف الجديد... نعرض من المقال ما يلى:

أسفرت انتخابات الجمعية الوطنية الباكستانية (مجلس النواب)، والتى أجريت يوم 3 مارس الحالى، عن اختيار شهباز شريف، المرشح عن حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية – جناح نواز شريف، ليكون رئيسًا للوزراء فى باكستان، وذلك بعد التوافق بين الحزب مع حزبى الشعب الباكستانى والحركة القومية المتحدة ــ الباكستانية، ولتتشكل بذلك حكومة ائتلافية جديدة فى باكستان، عقب انتخابات شهدت العديد من المفاجآت وشابها العديد من التساؤلات والاتهامات.
فى الثامن من فبراير، نظمت باكستان انتخابات تشريعية لاختيار 266 نائبًا فى الجمعية الوطنية، أسفرت عن عدم حصول أى حزب على الأغلبية اللازمة لتشكيل حكومة، لكنها حملت فى الوقت نفسه مفاجأة تمثلت فى أن المستقلين المدعومين من حزب حركة الإنصاف، والذى يتزعمه رئيس الوزراء السابق عمران خان، حصلوا على أكبر عدد من الأصوات، بما مكنهم من الحصول على 93 مقعدًا بالجمعية الوطنية، برغم ما تعرض له الحزب من تقييد تمثّل فى الحكم على عمران خان قبل أيام من الانتخابات بالسجن لمدة 31 عامًا، علاوة على فرض تعتيم إعلامى وقيود على الحملة الانتخابية لمرشحى الحزب، وغيرها.

• • •

يعد من ضمن أكبر التحديات المواجهة للحكومة الجديدة هو مسألة الاستقطاب السياسى، فقد أثبتت الانتخابات عدم نجاح أى إجراءات من شأنها استبعاد حركة الإنصاف، ومن ثَمّ لا يضمن تشكيل حكومة ائتلافية من دون حزب حركة الإنصاف الباكستانى جلب الاستقرار للبلاد. أظهر استطلاع غالوب لقياس الرأى، فى يناير الماضى، ارتفاع شعبية عمران خان مقارنة بالشخصيات السياسية الباكستانية الأخرى، لتصل إلى 57%. وفى ظل ما تمر به البلاد من تضخم اقتصادى بلغ 30%، يُنظر إلى أى حكومة باكستانية بدون عمران خان وحزبه، على أنها حكومة تفتقر إلى المصداقية.
لا تقتصر التحديات التى تواجهها الحكومة الائتلافية على تلك القادمة من حزب حركة الإنصاف، وإنما يأتى الجزء الآخر من قلب الائتلاف نفسه، وذلك نتيجة الدعم المشروط الذى يقدمه حزب الشعب الباكستانى، المنافس التاريخى لحزب الرابطة الإسلامية، والذى يطمح فى العودة بمفرده إلى السلطة.
بانتخابه رئيسًا للوزراء، ستشهد باكستان حكومة مماثلة إلى حد كبير تلك التى كانت قائمة حتى أغسطس 2023، والتى تولى فيها شهباز شريف، باعتباره زعيم حزب الرابطة الإسلامية ــ جناح نواز، رئاسة الوزراء عقب تصويت البرلمان على حجب الثقة عن حكومة خان، وذلك بعد ما اضطر للاتفاق مع منافسه التاريخى، حزب الشعب الباكستانى، على الإطاحة بخان، وانتخاب شريف رئيسًا للوزراء، وهو ما تكرر مرة أخرى خلال الانتخابات الأخيرة، حيث توصل الطرفان إلى صيغة اتفاق تضمن ترأس شهباز للحكومة الباكستانية، وتولى آصف على زردارى، زعيم حزب الشعب الباكستانى، رئاسة باكستان.
وعلى الرغم من كون الهدف الذى اجتمع عليه الحزبان لا يزال قائمًا، حيث الرغبة فى تحجيم شعبية ونفوذ حزب عمران خان، فقد عبرت فترة المفاوضات السابقة لإعلان الاتفاق عن حالة الانقسام بين الجانبين. فقد أُثير رفض حزب الشعب صيغة تقاسم السلطة مع حزب الرابطة الإسلامية، بما يتضمنه الأمر من تناوب رؤساء الوزراء، كما أُثير رفض الحزب جميع المناصب الوزارية، لتجنب أن يكون طرفًا فى القرارات التى لا تحظى بشعبية والمطلوبة للإصلاح الاقتصادى. ولم يتم التوصل إلى الاتفاق إلا بعد أن وافق حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية ــ جناح نواز على دعم حزب الشعب الباكستانى فى محاولته لتأمين جميع المناصب الدستورية العليا لصالح الحزب، ولا سيما منصب رئيس الجمهورية. وفى المقابل، أبدى بعض أعضاء حزب الرابطة الإسلامية اعتراضهم على شروط حزب الشعب الباكستانى، وأنه لا يمكن للحكومة الائتلافية العمل تبعًا لهذه الاشتراطات. ومن ثَمّ، يظل من المنتظر رؤية مدى قدرة الحكومة الائتلافية على معالجة الأزمات المتعددة فى ضوء وضعها المنقسم.

• • •

تواجه باكستان وضعًا اقتصاديًا شديد التعقيد، حيث يتعين على الحكومة الجديدة إدارة ما يتراوح بين 25 و30 مليار دولار من التزامات الديون الخارجية فى السنة المالية التى تبدأ فى يوليو المقبل، الأمر الذى يحتم عليها ضرورة التفاوض سريعًا على حزمة مالية جديدة مع صندوق النقد الدولى وما سيتطلبه هذا برنامج الصندوق من إصلاحات اقتصادية قاسية.
يزيد من تعقيد إدارة الملف الاقتصادى، التبعات الشعبية المحتملة جرّاء تطبيق الحكومة لبرنامج الإصلاح الاقتصادى، حيث من المؤكد أن تؤدى أى خسارة فى الوظائف الناجمة عن الخصخصة إلى تأجيج الغضب الشعبى، كما قد تواجه الحكومة إزاء أى تحرك من جانبها لتوسيع القاعدة الضريبية مقاومة شديدة من أصحاب المصالح القوية فى قطاعات الزراعة والعقارات وتجارة التجزئة. وفى سياق تنامى احتمال الرفض الشعبى لمتطلبات الإصلاح الاقتصادى، سيتعين على رئيس الوزراء مواجهة المعارضة المحتملة لسياسات الإصلاح الاقتصادى، ليس فقط من جانب حزب حركة إنصاف، وإنما أيضًا من جانب شركائه بالائتلاف الحاكم، الذين يخشون فقدان قاعدتهم الشعبية.

• • •

يتمثل التحدى الثالث الذى تواجهه الحكومة الجديدة فى معالجة الوضع الأمنى فى إقليمى خيبر بختونخوا وبلوشستان. فقد شهدت المنطقتان تصعيدًا حادًا فى الهجمات الإرهابية خلال الأشهر الأخيرة التى شنتها فصائل حركة طالبان باكستان، وداعش خراسان والقوميون البلوش المسلحون.

• • •
يبرز ملف إدارة العلاقات الخارجية باعتباره من الملفات الشائكة التى يتعين على الحكومة الجديدة التعامل معها منذ اليوم الأول لها، لا سيما فى ضوء التنديدات الغربية التى طالت عملية الانتخابات الباكستانية، وهو ما يفرض على الحكومة الجديدة إيلاء اهتمام أكبر بملف السياسة الخارجية، وذلك فى ضوء حاجتها إلى تدعيم علاقتها الثنائية مع الدول المؤثرة بصندوق النقد الدولى، خاصة الولايات المتحدة باعتبارها أكبر مساهم بالصندوق. فى المقابل، ستستمر إسلام أباد فى مساعى تجديد العلاقات مع الصين، والتى شهدت بعض الفتور خلال الفترة الماضية نتيجة تنامى المخاوف الأمنية الصينية بشأن المشاريع المرتبطة بالممر الاقتصادى الصينى الباكستانى، فضلًا عن كون ثلث إجمالى ديون باكستان مستحقة للصين. لذا، قد تتجه الحكومة نحو معالجة مخاوف بكين الأمنية للحفاظ على تدفق ثابت ومتواصل للاستثمار الصينى المنشود.
وفى إطار علاقاتها الإقليمية، تبرز العلاقات مع إيران وأفغانستان والهند باعتبارها من الملفات الشائكة، والتى لا تزال وزارة الخارجية الباكستانية تديرها بتوجيه من المؤسسة العسكرية.
فيما يتعلق بإيران، فعلى الرغم مما شهدته الأيام الماضية من ارتفاع فى منسوب التوتر بين البلدين جرّاء إجراء طهران ضربات ضد مواقع تدعى تبعيتها لجيش العدل فى بلوشستان الباكستانية، فقد آثر الطرفان عدم تطوير الصراع، وانتهت محادثات وزيرى خارجية البلدين التى عقدت فى نهاية شهر يناير الماضى، بإسلام أباد، إلى الاتفاق على «إنشاء آلية تشاورية رفيعة المستوى على مستوى وزيرى خارجية البلدين، للإشراف على التقدم الذى يتم إحرازه فى مختلف مجالات التعاون». كما اتفقا على التعاون لمكافحة الإرهاب، وغيرها. ومن ثَمّ، قد تتمثل مهمة الحكومة الجديدة فى كيفية ضبط مستوى العلاقات مع إيران دون تحولها إلى صراع، وذلك عبر البحث عن سبل تطوير علاقاتهما الاقتصادية والتجارية العميقة، والتى من شأنها أن تسهم فى إيجاد حل طويل الأمد لقضية عدم الاستقرار على الحدود.
أما عن العلاقات مع أفغانستان، فمن غير المرجح أن تشهد العلاقات تحسنًا، وإنما قد يتطور مستوى العداء، نتيجة الهجمات المكثفة التى تشنها حركة طالبان الباكستانية ضد السكان المدنيين وأفراد الجيش والشرطة الباكستانيين، علاوة على استمرار الأزمة الحدودية بين البلدين، حيث أشار نائب وزير الخارجية فى الحكومة الأفغانية المؤقتة، فبراير الماضى، إلى عدم اعتراف كابول بخط ديورند كحدود مع باكستان.
وعن العلاقات مع الهند، فقد أُثير حديث بشأن احتمال توجه الحكومة الجديدة نحو تحسين العلاقات مع نيودلهى، وذلك فى ظل ما يتردد بشأن العلاقات الوطيدة التى تجمع شهباز شريف، ومن قبل نواز شريف خلال فترات توليه رئاسة الوزراء، مع الهند. ومع ذلك، فإن هناك العديد من العوامل الأخرى المتحكمة فى مسار العلاقات الثنائية، من أهمها موقف الرأى العام، ومدى تقبله لأى مبادرات من شأنها تطوير العلاقات مع نيودلهى. فيما قد يؤدى تصاعد الاضطرابات الدينية داخل الهند، والتى تستهدف الأقلية المسلمة، إلى تأجيج التوترات بين البلدين. ولكن فى الوقت نفسه، قد يؤدى انتخاب “ناريندرا مودي” كرئيس للوزراء للمرة الثالثة (وربما الأخيرة)، إلى وجود رغبة لديه فى توطيد أركان إرثه من خلال حل التوترات مع باكستان. ومع ذلك، سيظل النزاع حول كشمير أكبر عائق أمام أى جهود من شأنها تهدئة التوترات.

النص الأصلى

قضايا آسيوية قضايا آسيوية
التعليقات