وانتظرناك - خولة مطر - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 11:42 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وانتظرناك

نشر فى : الإثنين 11 مايو 2015 - 9:05 ص | آخر تحديث : الإثنين 11 مايو 2015 - 9:05 ص

إنه الفصل الأقصر رغم أننا نكثر من التغزل به والغناء عنه فأصبح كل ما هو جميل يقال له الربيع. فلا يأتى الربيع حتى يرحل سريعا، تدرك ذلك من الجاكارندا التى تزين شوارعنا بعد فصل شتاء قاس. فما أن تفرح بتلاوين الزهور حتى يغادر الربيع دون وداع وتبدأ درجات الحرارة فى الارتفاع التدريجى، فتتصور أن الشمس قد نزلت عن عليائها ووقفت فوق رأس الأرض تسقط حرارتها القاسية على البشر.

تعرف أنه الربيع من امتداد السهل على مد البصر بالعشب الأخضر المزين بالورود فهذه بلاد لم تعرف القحط وبقيت أرضها رغم البارود والدمار حبلى بمخزون سنين من الماء العذب.. وتتذكر كلمة درويش الشهيرة «على هذه الأرض ما يستحق الحياة».. نعم هى الأرض الأكثر قدرة من أى جهاز تسجيل أو تدوين، حتى إنها أقوى من الذاكرة أو ربما هى الذاكرة نفسها.

•••

تسقط الجبال عنها بقايا ثلج عالق هنا وهناك تتحول تدريجيا من اللون الأبيض شديد النقاوة إلى الأخضر والأصفر، البنفسجى الفاتح جدا.. كم جميل أن تعرف الأرض طعم الفصول الأربعة وكم صعب ألا يكون للأرض سوى تلاوين رمال الصحراء والقحط.. لا يمكن لبلد يعرف الفصول وخاصة الربيع إلا أن يكون قد نقش شىء منه بكتب التاريخ المعتقة. لا يمكن لوطن يعرف ألوان الفصول والسهول والجبال والوديان والانهار الا أن يحتفى بكل منها وخاصة بالربيع.

الفصول تنعكس على المزاج العام فقد وجدت أحد مراكز البحوث المتخصصة أن الربيع يخفف من أعداد المصابين بالاكتئاب ويعيد الأمل لليائسين ويرسم ابتسامات وضحكات على وجوه لطالما كانت عطشى للفرح البسيط. كما يدفع الربيع البشر فى كل مكان للخروج فى حفلة مستمرة لمعانقة الهواء النقى والعشب الأخضر والزهر المتفتح وأنغام الموسيقى والأصوات العذبة القادمة من حناجر ملائكية صافية..

•••

يحل الربيع فتلبس الموائد أيضا تلاوين من الطعام فهو ليس سوى مظهر من مظاهر الحضارة والثقافة المغمسة بأطياف الفصول الأربعة. يستغرب ذاك القادم من مدن الملح كيف يستطيع شعب أن يملك كل هذه الأصناف هو الذى لم يعلمه القحط إلا حياة اللون الواحد والنمط الواحد ورفض الآخر حتى لو تظاهر بعكس ذلك أحيانا أو برره تحت غطاء المحافظة على الهوية فى الكثير من الأحيان.. يكرر بعضهم تلك العبارة «الله لا يغير علينا» غير مدرك أنها لا تعنى سوى البقاء خارج التاريخ وبعيد عن الجغرافيا أو احترام أن التاريخ دروس متراكمة من لا يعيها أو يدرسها بعمق فهو حتما قادم على تكرار أخطائها وأن الجغرافيا أقوى من مجرد خرائط رسمها المنتصرون أحيانا أو المستعمرون فى الكثير من الأحيان!!.

فى تعاقب الفصول دروس أن الزمن متغير ومتحول فلا استدامة لأمر مهما طال الوقت.. وأنه مهما غاب الربيع فلا بد أن يأتى يوم ومهما قصرت مدته فهو حتما يعود ليذكرنا بأن للألوان فصلا وأن التنوع هو الأبقى والأكثر جمالا من اللون الواحد!!!!!

•••

كلما ردد البعض تلك الأغانى عن عودة الربيع ما يلبث المرء ويدرك كم هو فصل قصير وكم أن الزمن يسابق الفصول فما يلبث أن يعود وذكريات ربيع كانت لاتزال تبدو وكأنها الأمس القريب جدا..

عشق البعض الربيع بين كل الفصول الأخرى ووضعوه فى مكانة خاصة جدا حتى جاءت تلك العاصفة قبل أربع سنوات ونيف وتحول الربيع من فصل للتنوع والجمال إلى مدخل لصياغة فصل جديد فى تاريخ شعوب وأوطان ودول ربما تشهد رسما جديدا لخرائط بحدود ضيقة جدا على مقاس الفئة أو الطائفة أو الشعب أو ما تبقى منه أو منهم شعوب كثيرة وأطفال يكبرون ليكون للربيع عندهم مفهوم غير ذاك الذى لا طالما تغنينا به وانتظرناه طويلا نحن والسهول والانهار وبحر المدينة...!!!!

خولة مطر  كاتبة صحفية من البحرين
التعليقات