البندقية وحدها لا تكفى - محمد عصمت - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 5:48 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

البندقية وحدها لا تكفى

نشر فى : الإثنين 12 ديسمبر 2016 - 9:50 م | آخر تحديث : الإثنين 12 ديسمبر 2016 - 9:50 م
بطريقتنا التقليدية فى معالجة أزماتنا الكبرى، سوف نغرق بالتأكيد فى العديد من التفاصيل المهمة وغير المهمة حول الحادث الإرهابى الجبان فى الكنيسة المرقسية، دون أن ننجح فى منع تكرار هذه الحوادث الخسيسة مستقبلا، ودون أن ندرك أصلا لماذا تتزايد وتيرة الإرهاب بهذا الشكل غير المسبوق!

من المهم طبعا أن نعرف كيفية دخول 12 كيلو جراما من المتفجرات وسط المصلين، رغم الحراسة المشددة حول كاتدرائية العباسية، ومن هى الجهة أو التنظيم المتطرف الذى نفذ العملية؟
وهل تورطت إحدى «المسيحيات» فيها ونجحت بمتفجراتها فى اختراق الحواجز الأمنية؟
وهل ما حدث فصل جديد من «المؤامرة الدولية» المنصوبة لنا كما تقول السلطة فى مصر؟
وما هى بالتحديد هذه الدول التى تتآمر علينا؟ وما الذى تستفيده من مثل هذه العمليات الإرهابية؟
وهل صحيح فعلا أن هذا الهدف هو إسقاط الدولة المصرية، ثم تقسيم مصر مثلا لعدة دويلات، أم أن هذا التقسيم مجرد تخاريف فيسبوك؟

لكن الأهم من كل ذلك، هو أن ندرك أن البنيان السياسى المصرى كله يعانى من تشوهات مزمنة تمنعنا من حل مشاكلنا الحقيقية، وأن ندرك أيضا أن عقليتنا القديمة فى إدارة شئوننا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية، قد عفى عليها الزمن، حيث لم يعد ممكنا الآن أن تتحرك كل أجهزتنا القومية بناء على «تعليمات عليا»، أو بناء على تصورات تضعها ما يسمى بـ«الأجهزة العليا»، أو طبقا لاستراتيجات يتم وضعها فى الغرف المغلقة دون أن تخضع لمناقشات مجتمعية حرة وديمقراطية.

تأميم العمل السياسى، وتضييق المجال العام، وإفقار الناس بسياسات السوق المفتوح والخصخصة، وخنق أرواح الملايين فى دوامة الأزمات المعيشية المستعصية، هو الوقود الحقيقى للإرهاب، وهو الذى يفتح الأبواب أمام الشباب للبحث عن العنف كطريق مقدس للخلاص، وهو الذى يقدم لهم بدائل براقة تعطى لحياتهم ووجودهم معنى، أو هكذا يتوهمون!

حينما نطلق يد الأجهزة الأمنية بداية من تشكيل البرلمان، مرورا بمحاولات السيطرة على الأحزاب والنقابات، نهاية بترقية أساتذة الجامعات وانتخابات اتحادات الطلاب، فسوف يكون من العبث الحديث عن تجديد الخطاب الدينى، وعن تحديث الثقافة المصرية والعقل المصرى، فالمقدمات الأمنية غير الديمقراطية لن تعطى أبدا نتائج صحيحة، كما أن المجتمع الخائف المكبل بالقيود، لن يتمكن أبدا من التوصل لأى وسائل مبدعة لحل أزماته الكبرى، ولن تكون هذه العمليات الإرهابية سوى انعكاس لحالة العنف المكبوت فى شوارعنا، والذى يتجسد فى العلاقات الخشنة والفظة بين الناس، ومحاولة الالتفاف على القانون، واستباحة كل القيم النبيلة التى ينبغى أن تسود بين البشر فى مجتمع له تاريخ عريق، شهدت جنباته فجر الضمير الانسانى!

بدون ديمقراطية حقيقية، سنظل ندور فى نفس الدائرة المغلقة التى تحاصر عقولنا وأرواحنا وحركاتنا منذ عشرات السنين، تستطيع حكومتنا ان تشهر بنادقها وكل أسلحتها فى مواجهة الارهابيين، ولكن رصاصاتها ستتوجه إلى الهدف الخاطئ، وستقتل فينا بهجة أرواحنا، وكل أحلامنا فى غد جديد، فتحرير العقل هو السلاح الوحيد القادر على مواجهة أفكار الإرهابيين الظلامية.

المواجهة الحقيقية مع الإرهابيين، لن تحقق أهدافها بالتحجج بمزاعم المؤامرات الخارجية، ولكن بالحرية والعدالة الاجتماعية، وباحترام الدستور ودولة القانون، لا بالالتفاف عليها بشعارات بلا مضمون!

 

محمد عصمت كاتب صحفي