هل يمكن أن نقبل أن تصير أوطاننا وأبناؤنا ومستقبلنا رهينة لغطرسة حكومة إسرائيلية تضم وزراء إرهابيين يسلحون المستعمرين لإرهاب الفلسطينيين والاستيلاء على ممتلكاتهم وأراضيهم ويروجون لسيطرة إسرائيل النهائية على الضفة الغربية والأردن والجولان وأراضٍ لبنانية؟ هل نقبل أن تكون أمتنا ووطننا العربى رهينة الأجندة الإرهابية الإسرائيلية وتفاعلاتها مع إيران؟ هل نقبل أن يقرر كيان مارق يحتقر الأمم المتحدة ولا يعترف بولاية محكمة العدل الدولية ولا المحكمة الجنائية الدولية ولا أية قواعد قانونية دولية الصراع فى المنطقة ومدى حدته وما يرتبط به من أزمات وتطوره إلى حروب إبادة جماعية للفلسطينيين على أراضيهم فى غزة؟ وهل من المقبول فى عالم يفترض أنه قائم على احترام حقوق الإنسان ونشر ثقافة السلام والتعاون أن يحث عضو الكونجرس الأمريكى إسرائيل باستخدام الأسلحة النووية لإنهاء الحرب فى غزة والتخلص التام من الفلسطينيين الذين نعتهم وزير الدفاع الإسرائيلى بـ«الحيوانات»؟ وهل يمكن فى ظل الهوس الإسرائيلى بإشعال حرب إقليمية شاملة مستندا إلى الدعم المطلق والمساندة الشاملة، العسكرية والمالية والدبلوماسية، الأمريكية والغربية أن تستمر التفاعلات العربية ــ الدولية بنفس الوتيرة وكأن تلك الحروب لن تمس أوطاننا وأبنائنا ومستقبلنا؟.
أسئلة معقدة ولكنها مصيرية، والإجابات عليها أكثر تعقيدا لأنها ينبغى أن تكون جماعية إقليمية وليست وطنية الحدود أو فردية المدى، صفوة القول تؤكد أن العرب جميعا فى نفس المركب وأن مصالحهم المشتركة تكمن فى إقليم مستقر وآمن وأن العلاقات السلمية تتيح فرصا طيبة للتنمية والتقدم. ومع ذلك، فإن هناك بعض الخصائص التى تجعل الإقليم العربى وما حوله له سمات غير نمطية للنظم الإقليمية الأخرى، فمن ناحية يضم الوطن العربى 22 دولة عربية هى أعضاء جامعة الدول العربية، دول كانت تسعى إلى التكامل والاندماج والدفاع المشترك. بيد أنه منذ وعد بلفور عام 1917 وحرب 1948 وإنشاء إسرائيل فى 15 مايو من نفس العام. وصارت كيانا غير قابل للاندماج، بالعكس صار أداة لخلق شقاق إقليمى وبث الصراع الإقليمى والحروب المدمرة فى المنطقة، وفوق ذلك. وفى الوقت التى تستنزف فيه القوى الغربية الموارد العربية من نفط وغاز وسوق رائج واستثمارات عربية هناك، تقوم تلك القوى بدعم إسرائيل والمشروع الصهيونى التوسعى على حساب العرب.
ومن ناحية أخرى، فإن الإقليم توجد به دول غير عربية، هى دول الجوار، لديها مصالح استراتيجية توسعية وعدوانية أيضا ضد أوطاننا ومستقبلنا، هناك إيران وتركيا وإثيوبيا وهى دول جوار مباشرة لوطننا، ولدى كل منها أطماع تضر بالمصالح العربية العليا والمشتركة، ويزيد ذلك من المصاعب وربما التهديدات التى تواجه الأمة العربية وهى تحاول أن تتقدم وتتعاون مثل أية دول تنتمى إلى إقليم واحد. ومن جانب ثالث، فإن القوى الغربية تسعى بتحالفها مع إسرائيل ودول الجوار غير العربية أن تزيد من السيطرة على الوطن العربى وتطوق أية محاولات للتنسيق الاستراتيجى والتعاون العسكرى الفعال والاندماج القومى.
ولما كانت إسرائيل معتمدة على الولايات المتحدة وأوروبا عسكريا وماليا وتجاريا إلى حد تعويضها عن أية خسائر نتيجة طول أمد حرب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين فى غزة، فإنها لا تفكر كثيرا فى إنهاء الحرب أو إشعال حروب إقليمية أوسع. ولا يعنيها فى كثير أو قليل الخسائر التى يمكن أن تحل بالدول العربية والآثار السلبية للحروب على الحياة والأنشطة الإنسانية. وفوق ذلك تستند إسرائيل إلى الدعم المكثف من المسيحية الصهيونية فى الولايات المتحدة والتى تضع السلطة التشريعية، الكونجرس، والإدارة الأمريكية ومرشحى الرئاسة رهينة لمدى مساندة المشروع الصهيونى على حسابنا جميعا، ولا شك أن تلك المصادر المتعددة لمساندة إسرائيل تدفعها إلى الغطرسة، والأنانية فى اتخاذ القرارات الاستراتيجية التى تمس الدول المحيطة والشعوب العربية.
• • •
ولقد فندت تلك الغطرسة وحرب الإبادة الجماعية فى غزة والإرهاب الإسرائيلى فى الضفة الغربية مقولة أن إسرائيل هى الدولة الديمقراطية الوحيدة فى الشرق الأوسط، هل تعنى الديمقراطية قتل الأبرياء المسالمين من الأطفال والنساء وكبار السن وذوى الاحتياجات الخاصة؟ هل تعنى الديمقراطية احتلال أراضى الغير والاستيلاء عليها وطرد أصحابها؟ هل تعنى الديمقراطية خلق عداء للجيران كافة، وهل تعنى الديمقراطية تخويف الأغيار وكراهيتهم وعدم احترام خصائصهم الثقافية والفكرية والإثنية؟ ولعل من النتائج الإيجابية للعدوان الإسرائيلى والحرب الممتدة فى غزة كشف عورة إسرائيل حكومة وشعبا أمام العرب والعالم، كما كشفت سياسات الإيباك وغيرها من المنظمات الصهيونية إلى أى مدى تؤثر سلبا على معالم وأبعاد الديمقراطية الأمريكية حين «يخاف» المرشحون للإدارة والكونجرس من مجرد انتقاد إسرائيل لأن ذلك يؤثر على مستقبلهم السياسى.
نحن فى الوطن العربى فى موقف تاريخى لا نحسد عليه، فالنظام الدولى لا يزال أوروبيا تسيطر عليه الولايات المتحدة، ودور الصين وروسيا لا يزال بعيدا عن السيطرة على مفاصل النظام الدولى، والنظام الإقليمى المحيط بنا، أى الشرق الأوسط، نظام غير مستقر ومعرض لتغيرات يتم رسمها فى الخارج، وعدد من الدول العربية فى حالة حرب وبوادر تجزئة وضعف وعدم استقرار، ومع ذلك فإن الغطرسة الإسرائيلية ومحاولة إشعال حروب إقليمية شاملة تخدم أوضاعها الداخلية. تقتضى التفكير والعمل الجدى من أجل صيانة أوطاننا، وحماية أراضينا، وفتح مستقبل أفضل لأبنائنا، ويبدو أن هناك تحركات عربية على المستوى الثنائى بين دول عربية شقيقة توطئة لتحرك عربى مشترك يبحث فى كيفية درء المخاطر ومواجهة التهديدات الإسرائيلية التى لا تتوقف، نحن شعوب تؤمن بالسلام والتعاون كأسس للأمن والأمان، فكيف يمكن أن تتحول قناعات الإسرائيليين من الصراع وتهديد الجيران والحروب إلى التعايش السلمى الذى يفيد الجميع، فإذا لم يتم هذا التحول ستظل إسرائيل الدولة المارقة فى المنطقة والعالم.