لماذا سقط ترامب؟! - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:13 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا سقط ترامب؟!

نشر فى : الجمعة 13 نوفمبر 2020 - 9:40 م | آخر تحديث : الجمعة 13 نوفمبر 2020 - 9:40 م

عندما شاهدت الفيديو الذى يجمع بين ترامب والمستشارة الروحية له وهو خاشع أمامها، وهى ترفع يديها مصلية لأجله بحماس شديد، متضرعة إلى الله وملائكته لكى يتدخلوا ويهبوا النجاح لترامب فى الانتخابات، وتصرخ معلنة أن سبب تقهقر شعبية ترامب مصدرها إبليس وملائكته، وقوى الشر فى العالمين، وأنها تشكو للرب وتتضرع أن يُدمر الأجندة الشيطانية والتى هدفها سقوط ترامب المؤمن فى الانتخابات، وذلك لكى يتمكن العَلمانيون من حكم أمريكا والعالم، وبعد أن انتهت أعلنت أن الله قد استجاب لصلاتها وأرسل لها رسالة نصها: «إن الأمر قد تم، وإن الله يقف بجوار ترامب، وسوف يفوز فى الانتخابات مهما كانت العقبات»، وعندما سألت عن هذه السيدة عَلمت أنها تنتمى لحركة دينية تُدعى «لاهوت (فقه) المحبة»، وملخص فكرها أن الذين ينضمون لمثل هذه الجماعة لن يفشلوا فى حياتهم أو عملهم ولا يصيبهم مرض أو تعب أو ضيق من أى نوع... إلخ، وذلك لأن الله يرعاهم، ويعتنى بهم بطريقة خاصة جدًا؛ لأنهم شعبه وعائلته وأولاده، ويُوجد فى مصر فرع من هذه الجماعة، وفى إحدى القرى التى زرتها العام الماضى حكوا لى أن مجموعة من الشباب المنتمين للكنيسة، آمنوا بهذا الفكر وحاولوا إقناع قادة الكنيسة بها وفشلوا وهكذا خرجوا وكونوا مجموعة خاصة بهم، وبالطبع هذا الفكر يتناغم مع الأفكار الدينية الشعبية المنتشرة فى بلادنا، فالجماعات الصغيرة العدد الخارجة على المؤسسات الدينية هى حاملة الحق والفرقة الناجية، أما الفكر الدينى الشعبى المنتشر وسط الأغلبية من جميع الأديان أن المؤمن الذى ينتظم فى العبادة سوف ينجح فى حياته، والذى يبنى دور العبادة يحجز له مكانًا فى الجنة، وكذلك الذى يحفظ الفرائض ويتصدق على الفقراء والمحتاجين، بغض النظر إلى أى مدى هو يهتم بأمانته فى عمله أو استذكاره لدروسه أو سلوكه الأخلاقى، أو علاقته بالله وكلامه وأدبياته... إلخ. من هنا نرى بيوت العبادة مليئة بالعباد المتهجدين والسكارى فى حب الله، لكنهم بعد فترات العبادة أو الصلوات يتحولون إلى أناس مختلفين تمامًا؛ حيث يحللون لأنفسهم ارتكاب الأخطاء والخطايا طالما لا تراهم عيون البشر، هذا فى حين أننا جميعًا نؤمن أن الله ليس بظالم ليكافئ إنسانًا لا يَعمل أو يجتهد فى عمله، أو يمنع المكافأة عن آخر مجتهد لأنه لا يعبده...إلخ بل العكس هو الصحيح فنحن نسمع ونقرأ فى الأدبيات الدينية أن «الذى يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضًا»، وكذلك «إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا».
***
المهم ما أسعدنى هو أن نبوءة هذه السيدة لم تتحقق، وهذا ما لم تكن تتوقعه هذه السيدة وأتباعها، وليس من مبادئهم أو خبراتهم، بل العكس هو ما حدث، والأنكى من ذلك أن الذى نجح هو من الحزب الديمقراطى والمعروف أن أعضاءه إما ملحدون أو لا دينيون فى معظمهم، وحتى المتدينون منهم يؤمنون بحرية الإنسان المطلقة، وكنت قد كتبت منذ شهر تقريبًا أن ترامب سوف يفوز لأنه فاز فى الجولة الأولى على منافسته هيلارى والتى كانت لها خبرة سياسية أكثر بما لا يقاس به، وجاءت التحليلات بهذا الشأن أن الشعب الأمريكى يتطلع دائمًا للتغيير والتجديد، وكانت شخصية ترامب بالنسبة لهم جديدة، فهو ليس من أبناء المؤسسة السياسية، وقد جاء من الخارج من عالم البيزنس، والشعب لا يعرف عنه الكثير، لكنهم قبلوه وأنجحوه لأنه من نوعية سياسية مختلفة. وهكذا كانت المفاجأة التى حدثت فى الدورة الأولى سقوط هيلارى، أما فى هذه الجولة كانت المفاجأة سقوط ترامب رغم أن الأمريكان عادة يفضلون أن ينتخبوا ثانية من قضى الدورة الرئاسية الأولى معهم، لكن هذه المرة حدث العكس، كما حدث مع جورج بوش الأب، وهذه تعتبر استثناءات فى تاريخ الانتخابات الرئاسية، والسبب الأساسى فى اختيار بايدن لم يكن ــ بحسب رأيي ــ لأنه الأفضل أو الأذكى أو الأقدر... إلخ، لكن السبب الحقيقى كان ترامب نفسه فقد كان هو العامل الأساسى فى فشله، فالذين صوتوا لبايدن كان تصويتهم ليس لأنهم يريدونه ــ شخصيًا ــ رئيسًا لهم، لكن لأنهم يرفضون ترامب الذى بدا وكأنه يحتقر السود، وهذا ضد حقوق الإنسان بشكل عام، وأن نظرته للسود توضح أنه يرى أن ذكاءهم محدودًا، ففى واقعة قتل الشرطة لإنسان أسود انحاز مع الشرطة ضد السود ولم يتعاطف مع الأسود المقتول، إنها العنصرية الأنجلوسكسونية، الرجل الأبيض الذى اكتشف أمريكا وقتل الهنود الحمر؛ واستعبد السود لقرون، هذه النزعة العنصرية أضاعت الكثير من شعبيته التى بدأ بها، كذلك ارتكب خطأ آخر أكبر أو يتساوى على الأقل مع تصريحه ضد السود، وذلك عندما أطلق تصريحًا ضد المرأة. والمرأة فى أمريكا لها مكانة لا تقل عن الرجل فهى تتبوأ أكبر المناصب، لذلك عندما أعلن بايدن أنه سيعين كامالا هاريس السيدة السوداء ــ والتى أصل عائلتها جزيرة جامايكا ــ نائبة له، استطاع أن يحصل على أكبر عدد من أصوات النساء، وهكذا ضرب بايدن عصفورين بحجر واحد، امرأة وسوداء، وبهذا قدم بايدن نموذجًا يضارع إن لم يتفوق على نموذج أوباما وهيلارى اللذين احتضنا مسلمى أمريكا، بل وصل بهما الحال أن ينحازا للإخوان وعضدا ثورات الربيع العربى التى قفز عليها الإخوان المسلمون والجماعات المتطرفة، فنموذج هيلارى أوباما كان نموذجًا سيئًا، لذلك كان على بايدن أن يقدم البديل، أى نموذج معتدل فى هذا الشأن، أى فى احتوائه للمرأة والسود مع حرصه على تجنب خطأ التدخل فى الأمور الداخلية للدول والذى تورط فيه أوباما وهيلارى.
أيضًا ارتكب ترامب خطأ فادحًا آخر فى موقفه من المهاجرين الذين وصلوا للحدود أو الداخل الأمريكى، لقد تصرف تصرفًا أحمق وغير إنسانى بل فى منتهى السوء، حيث قبل هجرة الأطفال إلى أمريكا دون والديهم، وأصدر قانونًا بذلك، وفى الحقيقة هو قانون بدائى مجحف، وقد وعد بايدن بإلغاء مثل هذا القانون. لكن وللإنصاف لترامب لابد وأن نذكر أنه أقام علاقات جيدة، وحقق نجاحات مع الحكومات العربية، وأبرزها مع السعودية ومصر والإمارات، بل وحقق نجاحًا واستقرارًا فى السياسة المشتركة والعلاقات الدبلوماسية، كذلك تبنى رؤية مصر والسودان فى موقفهما من سد النهضة، ومن سلبيات سياساته كانت علاقاته غير الموفقة مع أوروبا حيث لم يسترح الأوروبيون لسياسته، وما يطمئن فى كل ذلك هو أن ما يميز أمريكا فى تاريخها الطويل أن سياستها الدولية لا تتغير بتغير الرئيس، فلها ثوابت سياسية وعلاقتية وأساسيات من المستحيل أن يخرج عنها الرئيس، ونحن نتوقع أن بايدن لن يكرر أخطاء أوباما وهيلارى فى علاقاتهما بالإخوان لعدة أسباب، أولها أن جماعة الإخوان انهارت فى السنين القليلة الماضية وليس لديهم التأثير المباشر السابق، والذى ظهر فى التوترات التى حدثت فى الوطن العربى. ومن الأهمية بمكان هنا أن نشير إلى أن بايدن يعشق الحلول الوسط مع خبرته السياسية الطويلة والتى جعلت منه سياسيًا لا يتبنى آراءً حادة، ومن الجدير بالذكر أنه لم يتحالف مع الإخوان حتى أثناء رئاسة أوباما، وكان دائمًا يُمسك العصا من المنتصف، فهو سياسى برجماتى من أصحاب القرارات الوسطية.
***
عزيزى القارئ وأنا أختم مقالى جاءنى خاطر ماذا لو عاد ترامب للرئاسة بعد إعادة فرز الأصوات؟! هنا سأكون مضطرًا أن أعتذر للسيدة الروحانية، وهذا موقف محرج جدًا بالنسبة لى، وسوف يستخدم هذا الموقف فى الترويج لجماعتهم، فبماذا تنصحني؟!

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات