رسائل إلى ثائر حائر (3) - بلال فضل - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 8:35 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رسائل إلى ثائر حائر (3)

نشر فى : الخميس 14 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 18 مارس 2013 - 5:20 م

«إنما الأمر في نظري أن مسائل الحياة لا تجري على المنطق دائما، وخاصة أيام الثورات، وحوادثنا القريبة في ثوراتنا الحديثة أكبر شاهد على ذلك، فكم انتقل رأي الكبراء من ناحية إلى ناحية تحت تأثير تيار الرأي العام»، هذه العبارة البليغة كتبها المفكر العظيم أحمد أمين في كتابه (زعماء الإصلاح في العصر الحديث) وهو يروي سيرة الإمام محمد عبده وموقفه من الثورة العرابية الذي بدأ بكراهية مفرطة لأحمد عرابي الذي كان يراه رجلا بالغ الضرر على المصريين لأن حلمه الثوري سيجهض الحلم الإصلاحي الذي كان يسعى إليه محمد عبده بشتى السبل، كان محمد عبده متشككا في جدوى الثورة العرابية مع أنه كما يقول أحمد أمين كان بدعوته الإصلاحية «سببا بعيدا من أسبابها ولم يكن سببا قريبا كعبد الله النديم... لكن شكه فيها استمر حتى رأى كل الأمة في ناحيتها، فاشترك فيها المسلمون والأقباط واليهود، ولم يصبح الأمر أمر حزب أمام حزب، بل أمر مصر أمام الإنجليز»، هنا انضم محمد عبده إلى الثورة متأخرا، لكنه دفع ثمن ذلك غاليا، حيث حوكم وسُجِن ونُفي خارج مصر، تماما كعرابي الذي ظل محمد عبده يلومه دائما على مواقفه العنيدة المتصلبة، لكن أعداء الثورة عندما قاموا بكسرها لم يفرقوا بين الإصلاحي والثائر، لم يفرقوا بين من كان مع الثورة من بدايتها ومن انضم إليها متأخرا بل سعوا للقضاء على الثورة وكل من ارتبط بها، لكن الثورة العرابية برغم إنكسارها بقيت كفكرة، ونجحت بعد مرور سنوات قليلة في أن تتغلب على إتهامها بأنها هوجة عابرة، لتنبعث ثانية في وجدان المصريين، ولينصف الزمن فرسانها كلٌ حسب دوره وجهده وعطائه، ولتبقى سيرتها ملهمة للثائرين بكل بطولاتها العظيمة وأخطائها الجسيمة أيضا.

 

هل تُلهم سيرة الثورة العرابية كل من جمّعت الثورة على مبارك شتات نفوسهم ثم فرقتهم فراقا يبدو ألا رجعة فيه، فيدركوا أنه لا خلاص لنا سوى أن نعود إلى مواقعنا يوم 11 فبراير 2011 أو نهلك جميعا. إذا كانت حموضة الليمون قد أهلكتك، فلن ألومك إذا تخيلت أن هذه دعوة توافقية بنكهة الليمون، مع أنها دعوة واقعية بنكهة العلقم، أظنها سبيلنا الوحيد للنجاة، لأن سفينة الثورة إذا غرقت لن ينجو منها أحد، سواءا كان من صناع السفينة وملاحيها أو من الذين ركبوها متأخرين وحاولوا الإستحواذ عليها، الكل وقتها سيغرق، الإصلاحي والجذري والمندفع والزيّاط، ولن ينفع أحد ظنه أنه وحده «الثائر الحق» أو «الثائر اللي على حق»، لأن الحق قد يكون أبلج كما ذكّرنا «السلطان الخائر» محمد مرسي، لكن طريق الوصول إلى الحق لجلج ومتعدد ومُجهِد ومُربك، وكل يدعي وصلا به وإمتلاكا له، لكن قالها من قبلنا فؤاد حداد فأعجز من بعده «غير الدم ماحدش صادق».

 

لست من المغرمين بتلك النغمة الخبيثة التي تقوم بتوزيع مسئولية الدماء التي سالت منذ الإعلان الدستوري المشموم على الحكومة والمعارضة والقوى الثورية، فقد قلتها عقب اليوم الأول الذي سالت فيه الدماء أمام قصر الإتحادية «إما أن يخرج حسني مبارك من السجن أو يلحق محمد مرسي به»، فلا يتحمل مسئولية الدماء التي سالت بسبب كذبه وفشله إلا هو، لذلك لا زلت أرى أن أكثر المخارج أمنا لما نحن فيه أن يسحب محمد مرسي نفسه من المشهد بنفسه، ليتوافق الجميع على الدعوة إلى إنتخابات رئاسية مبكرة تعقبها إنتخابات نيابية تجريان في ظل حكومة إنتقالية محايدة، على أن يتم إجبار جماعة الإخوان على التقنين الفوري لأوضاعها والخضوع للمحاسبة والرقابة، لأن ذلك وحده الذي سيجنبنا ما قد يجعل الدم دائما بفعل إستفحال حالة الكراهية التي تسري في عروق الوطن، والتي جعلت الكثيرين يتخيلون أن هناك قوة مسلحة يمكن أن تحميهم من بعضهم إلى الأبد، وتكون بديلا عن إضطرارهم إلى التعايش سويا دون أن يجور بعضهم على بعض.

 

أعلم أنك غاضب وحزين وقرفان من شعورك بالخديعة، لكن صدقني، لن تخفي الكراهية وحدها خصومك من الوجود، لو كانت أفران الغاز قد نفعت المجحوم هتلر، لما كان البشر المسكونون بالكراهية قد تأخروا في تعميمها في جنبات الأرض، ولو كان زرار البلوك الذي يريحنا في مواقع التواصل الإجتماعي واقعا حقيقيا لما خلق الله الإنسان في كَبَد، ولذلك وإن كان 11 فبراير حلما بعيد المنال، فهو أبرك وأحَنُّ وأرحم من تواريخ غامضة في علم الغيب إن تُبدَ لكم تسؤكم.

 

ليس محمد مرسي أقصى همنا، لأنه كما قلت مرارا «سقط وإن استمر»، فكروا في مستقبلنا الذي لن يستطيع أحد فيه أن يُلغي أحدا، ودعوا مرسي يستمتع بفقاعة الخدر اللذيذ التي تغلفه بها جماعته البائسة وأجهزته التعسة، فيوقن كوزير داخليته بأنه لم تنطلق رصاصة لتقتل أحدا منذ 25 يناير، ويظن أن مجرد ذهابه إلى القصر كل يوم يعني أنه ممسك بمقاليد الأمور، دعوه في أوهامه، فالواقع وحده سيجعله يدرك ربما بعد فوات الأوان وربما قبله أنه يصنع كل يوم عدوا لنفسه ولجماعته وطريقتها في التفكير والممارسة، وأن الطاقة السلبية التي تضطرم في صدور الناس بسبب بقائه على كرسي الحكم ستجعل من كل الدولارات المقترضة والممنوحة والموعود بها هباءا منثورا، لأن العنف غير المُشبع سيواصل إنفجاراته مجهولة التوقيت مدمرة الأثر، ولن يخرجه من جسد الوطن إلى غير رجعة سوى منفذ وحيد هو العدالة والمصالحة الوطنية.

 

أمام مرسي خيار آخر غير الرحيل، لكنه سيكون أصعب بكثير على نفسه، وهو أن يُضَحِّي بخيرت الشاطر، أعني خيرت الشاطر (الفكرة والعقلية والممارسة) فلا يعنيني شخص خيرت الشاطر في شيئ، لكنني أظن أن مرسي سيواصل التشبث بذيل خيرت (الفكرة والعقلية والممارسة) ليكملا سيرهما بجماعتهما نحو المجهول، أما الوطن فمصيره معلوم وإن حجب رؤيته ضباب الكآبة الكثيف: الأوطان تبقى دائما، والمستبدون الأغبياء بعضهم يهلكون، وبعضهم يبقون ليواصلوا محاولة تحقيق أحلامهم البلهاء في الإستحواذ والمغالبة والتكويش.

 

عودوا إلى 11 فبراير يرحمكم الله.

 

belalfadl@hotmail.com