المعادلة المستحيلة.. الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى - مواقع عالمية - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 3:13 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المعادلة المستحيلة.. الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى

نشر فى : الجمعة 14 مايو 2021 - 10:00 م | آخر تحديث : الجمعة 14 مايو 2021 - 10:00 م
نشر موقع Eurasia Review مقالا للكاتبة تيريزا فالون، تحدثت فيه عن صعوبة حفاظ الاتحاد الأوروبى على علاقات وثيقة مع الصين فى ظل تدهور العلاقات الأمريكية الصينية، ذاكرة استراتيجية الاتحاد الأوروبى للتعامل مع الصين فى السنوات المقبلة... نعرض منه ما يلى:

أدت جائحة كوفيدــ19 إلى تفاقم الأوضاع الجيوسياسية، ولا سيما التنافس بين الصين والولايات المتحدة. كان صعود الصين مستمرا بثبات خلال العقدين الماضيين، ووصل إلى نقطة تتحدى فيها بشكل مباشر القيادة الأمريكية فى العالم. وفى السنوات الخمس الماضية، زادت من سماتها الاستبدادية تحت حكم الرئيس شى جين بينغ. ولمواجهة النفوذ الصينى المتزايد وتدهور العلاقات الصينية الأمريكية، يجد الاتحاد الأوروبى صعوبة متزايدة فى الحفاظ على علاقات جيدة مع كل من بكين وواشنطن فى آن واحد.
فى بداية الوباء، حجبت الصين المعلومات حول الفيروس وشنت حملة على المراسلين المستقلين محليا. بعد ذلك، حاولت زيادة نفوذها فى الخارج من خلال «دبلوماسية القناع» وتوفير اللقاحات. كما ردت بغضب على أى انتقاد لأفعالها فيما يتعلق بالوباء، ووصلت إلى مستويات جديدة من الحزم عند استخدامها الدبلوماسية. وبالرغم من الانتكاسة الأولية المحدودة، فإن الوباء لم يوقف النمو الاقتصادى الصينى. لكن فى الواقع، يبدو أن الصين خرجت من الوباء فى حالة أفضل نسبيا من الاقتصادات الرئيسية الأخرى.
شجع ذلك الصين على مواصلة وتعزيز قمعها الداخلى وإبراز قوتها الخارجية. فصعدت من قمعها فى شينجيانغ وهونغ كونغ، فضلا عن سعيها إلى التأثير الدولى من خلال مبادرة الحزام والطريق. بالإضافة إلى ذلك جددت الصين ضغطها على طول حدودها فى جبال الهيمالايا وكذلك فى بحر الصين الشرقى وبحر الصين الجنوبى وتايوان مختبرة بذلك التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن الشركاء فى المنطقة.
تحت إدارة ترامب، أعلنت الولايات المتحدة أن الصين منافس استراتيجى. وأكد الرئيس الأمريكى الجديد جو بايدن هذا الرأى، مشيرا إلى أن التنافس بين الولايات المتحدة والصين هو سمة هيكلية للعلاقات الدولية فى السنوات القادمة. لذلك سعت الولايات المتحدة إلى إنشاء تحالفات من الديمقراطيات للرد على نفوذ الصين المتزايد، بما فى ذلك الهند واليابان وأستراليا فى المحيطين الهندى والهادئ، وكذلك شركاؤها التقليديين عبر المحيط الأطلسى وأوروبا.
***
تريد الولايات المتحدة من أوروبا أن تتخذ موقفا واضحا فى الدفاع عن الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان فى المنظمات الدولية، واستمرار انتقاد الصين. كما تريد من أوروبا المساعدة فى وقف التحديث العسكرى الصينى من خلال فرض حظر على عمليات نقل التكنولوجيا، وإجراء فحص أمنى لصفقات الشراء والاستثمارات الحكومية لمنع الصين من السيطرة على الاتصالات السلكية واللاسلكية فى أوروبا والبنى التحتية الحيوية الأخرى. لا تريد الولايات المتحدة أيضا أن تعتمد أوروبا على الغاز الروسى عبر خط أنابيب نوردستريم 2، ولا على معدات الاتصالات الصينية من خلال العقود مع هواوى. لكن الاتحاد الأوروبى لا يحب سماع ذلك، ولديه علاقة أكثر دقة مع الصين.
كان الاتحاد الأوروبى سعيدا للغاية عندما انتقلت الولايات المتحدة من ترامب إلى بايدن، الذى استأنف دعم الولايات المتحدة للديمقراطية الليبرالية والاتفاقيات متعددة الأطراف، على سبيل المثال اتفاق إيران النووى وتغير المناخ. ومع ذلك، لم يكن الاتحاد الأوروبى راضيا لأن بايدن لم يغير مساره بشأن الصين وطالب الاتحاد الأوروبى بالتوافق مع الولايات المتحدة لتشكيل جبهة مشتركة فى مواجهة بكين.
فى توقعاته الاستراتيجية لعام 2019 بشأن الصين، حدد الاتحاد الأوروبى الصين بثلاث مسميات: شريك (على سبيل المثال بشأن تغير المناخ)، ومنافس (على سبيل المثال فى التجارة) ومنافس منهجى (فيما يتعلق بالقيم والحوكمة). ولا يزال الاتحاد الأوروبى يتبع هذه السياسة، ويحجم عن الوقوف إلى جانب الولايات المتحدة ضد الصين. فالاتحاد حريص على الاستفادة من التجارة والاستثمارات الصينية، التى يغذيها النمو الاقتصادى المستدام للصين.
وفى ديسمبر الماضى، توصل الاتحاد الأوروبى إلى اتفاق سياسى مع الصين بشأن اتفاقية شاملة جديدة للاستثمار (CAI)، مما يحسن وصول الشركات الأوروبية إلى السوق الصينية. أما عن الشركات الصينية فهى تتمتع بالفعل بوصول مجانى إلى حد كبير إلى السوق الأوروبية. لكن يمكن القول إن الاتحاد الأوروبى كان يمكن أن يكون لديه قوة تفاوضية أفضل إذا كان قد تصرف مع الولايات المتحدة، أو كان من الممكن أن يتوصل إلى اتفاقية متعددة الأطراف. ومع ذلك، تدخل الرئيس الصينى شى جين بينغ شخصيا وقدم التنازلات النهائية اللازمة لتأمين الاتفاق الثنائى بين الصين والاتحاد الأوروبى، مما أدى إلى إحداث شرخ بين الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة.
دافع الاتحاد الأوروبى عن نهجه المستقل فى التجارة والاستثمار مع الصين من خلال توضيح أنه على عكس الولايات المتحدة، فإن الاتحاد الأوروبى لا يسعى إلى الانفصال الاقتصادى عن الصين. وفى الواقع، لا تسعى الولايات المتحدة إلى الانفصال أيضا فالاقتصادات متشابكة للغاية ولن يكون من الممكن قطع الروابط تماما. لكن ما تسعى إليه الولايات المتحدة هو تنويع سلاسل التوريد لتجنب الاعتماد على الصين فى الإمدادات الحيوية. وتود من الاتحاد الأوروبى أن يفعل الشىء نفسه. لكن يبدو أن الاتحاد الأوروبى أقل اهتماما. بدليل أن ألمانيا، على سبيل المثال، قررت السماح لشركة هواوى بتوفير المعدات لشبكات الاتصالات الجديدة الخاصة بها، وكانت فرنسا سعيدة لكونها الطرف المتلقى لكابل «السلام» الصينى للاتصالات الرقمية من الصين إلى أوروبا، والترحيب بمصنع هواوى على أراضيها.
***
لكن فى 22 مارس الماضى، فرض الاتحاد الأوروبى عقوبات على أربعة أفراد صينيين وكيان واحد متورط فى القمع فى شينجيانغ، فى خطوة منسقة مع الولايات المتحدة وشركاء آخرين. ردت الصين بالمثل وبشكل غير متناسب فى نفس اليوم بمجموعة من العقوبات على دبلوماسيى الاتحاد الأوروبى وأعضاء البرلمان من جميع الفصائل السياسية والباحثين وعائلاتهم. ومن المفارقات أن هذا سيجعل من الصعب على البرلمان الأوروبى المصادقة على الاتفاقية الشاملة للاستثمار. كما تدهورت النظرة العامة للصين فى الاتحاد الأوروبى بشكل حاد مع انتشار وباء كورونا، والإكراه الاقتصادى، والعقوبات المضادة. وبناء عليه، يبدو أن الصين نفسها تقود أوروبا إلى أحضان الولايات المتحدة.
ومع ذلك، سيكون من الخطأ استنتاج أن الصين هى من أجبرت الاتحاد الأوروبى على اتخاذ خيار واضح ضدها. ففى 16 أبريل الماضى، عقد زعماء فرنسا وألمانيا اجتماعا خاصا مع شى جين بينغ قالوا فيه إنهم تبادلا وجهات النظر حول تغير المناخ، والذى يعد قضية مشتركة فى العلاقات بين الاتحاد الأوروبى والصين، قبل قمة المناخ الافتراضية التى استضافتها الولايات المتحدة يومى 22 و23 أبريل الماضى. وفى 19 أبريل، أصدر الاتحاد الأوروبى استنتاجات بشأن استراتيجية الاتحاد الأوروبى الجديدة لمنطقة المحيطين الهندى والهادئ، والتى تضمنت إشارات إلى الحاجة إلى دعم القانون الدولى وحرية الملاحة، فضلا عن التعاون مع شركاء متشابهين فى التفكير، بجانب أيضا نية اتخاذ خطوات نحو إبرام اتفاقية شاملة للاستثمار. حددت الاستراتيجية أيضا أن نهج الاتحاد الأوروبى تجاه المحيطين الهندى والهادئ «شامل لجميع الشركاء»، أى ليس موجها ضد الصين.
باختصار، لدى الاتحاد الأوروبى المزيد من نقاط التقارب مع الولايات المتحدة فى ظل إدارة بايدن بجانب أن الولايات المتحدة تحافظ على أمن أوروبا من خلال الناتو. ومع ذلك، يرغب الاتحاد الأوروبى فى الاستفادة من فرص التجارة والاستثمار التى توفرها الصين. لذلك، فى السنوات القادمة، سيواصل الاتحاد الأوروبى السعى وراء علاقات جيدة مع كل من الولايات المتحدة والصين، وتحقيق التوازن بين الأمن والقيم والمصالح الاقتصادية، ذلك إذا لم تجعل الصين هذا الأمر محرجا للغاية من خلال سلوكها الداخلى والخارجى. سيتوقف الكثير بالطبع على الانتخابات الألمانية فى سبتمبر القادم لاختيار الزعيم الجديد لحقبة ما بعد ميركل. كما أن محاولات الرئيس الصينى الحازمة لجذب القيادات الأوروبية من أجل التعاون معها وتحييدها تخلق حالة من استمرار الحسابات والمصالح فى مثلث واشنطن وبكين وبروكسل.

إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى:

التعليقات