•• كانت حرب الخليج الثانية تضرم نارها فى بغداد وأقاليم العراق. وكان الآلاف يحتشدون بالملعب لمتابعة مباراة فى الدورى العراقى لكرة القدم. فى ذلك الوقت سأل مراسل صحفى مواطنا: كيف تتابعون المباريات على أصوات القنابل وصواريخ كروز؟ أجاب المواطن: كرة القدم هى المتعة الوحيدة الباقية لنا. فى المدرجات ننسى ما نحن فيه من خوف وآلام..
•• تذكرت هذا الموقف وأنا أتابع نتائج الدورى السورى. فمنذ قرابة العامين تعانى مدن وأقاليم سورية من الاحتراق والاختناق بدخان القنابل. الدمار يحيط بكل شارع وحارة. والدولة تعيش حالة الحرب الأهلية. الدورى يسير والمنتخب يشتبك فى مباريات خارج أرضه. والانقسام أصاب لاعبى المنتخب بين مؤيد ومعارض. فهذا هو اللاعب عمر السومة يجرى احتفالا بالفوز ببطولة غرب أسيا التى أقيمت بالكويت وكان يحمل علم الجيش الحر، ويجرى خلفه زملاؤه والمسئولون فى الفريق لمنعه من هذا الاحتفال.
•• منذ قرابة العامين تعانى الرياضة السورية مما تعانى منه سوريا. تعانى الانقسام والاختلاف والصراع والحرب والدمار. وسقط قتلى من الرياضيين، فيما انضم عدد منهم إلى الثورة. وتتوقف مسابقة الدورى ثم تعود على الرغم من صعوبات الانتقال والتحرك. وعلى الرغم من قصف المدافع ورصاص البنادق الذى يدوى فى حمص وحلب وحماة ودرعا ودير الزور.. لماذا هذا الإصرار على لعب كرة القدم وسط طبول الحرب؟ هل هى المتعة التى تنسى أهل سوريا ما هم فيه؟ هل هى وسيلة لإشاعة فكرة الاستقرار وأن فئة قليلة تحاول أن تعكر حياة الأغلبية؟
•• انظر إلى سوريا التى زرتها عدة مرات وأنا أتألم للدمار الذى أصاب أحياءها ومدنها، وأصاب شعبها الطيب الجميل، وفى أيام السبعينيات حين زرنا سوريا رتبت لنا جولات إلى سفح الجولان وإلى القنيطرة المدمرة بفعل حرب 67، والآن طال التدمير كل متر وكل شبر بفعل حرب السوريين. ونتيجة 50 عاما من الاستبداد القائم والموروث..
الآن الحرائق أكلت أقاليم ومحافظات سوريا ومدنها وريفها وغوطة دمشق.. إنه عالمنا العربى الذى بدأ ثورات اليقظة والرفض بعد مائتى عام من ثورات العالم ضد الظلم والاستبداد ولنفس الأسباب..
•• كل هذا.. وسوريا ــ كما كان العراق ــ تحاول أن تلعب كرة القدم، على أنغام الحرب والقنابل والرصاص.. كل هذا والغرب لا يستطيع أن يتدخل، ولا يريد أن يتدخل. وهو، هذا الغرب، يغذى الحرب والانقسام حتى لو ادعى ليل نهار بغير ذلك. وهو لا يستطيع، ولا يريد، لأن سوريا ليست ليبيا. ولأن مخاطر التدخل قد تشعل منطقة الشرق الأوسط برمتها فى حرب دامية سوف تطول الغرب..
•• كل هذا.. وسوريا تحاول أن تلعب كرة القدم.. إنه لأمر مدهش..و.. إنه لأمر مدهش أيضا أن تشهد كل مباراة كرة قدم فى مصر قبل موعدها بأيام نقاشا حول مكانها وملعبها وعدد حضور جماهيرها.. وسط أصوات مستمرة لا تتوقف ولا تهدأ تطالب بوقف نشاط كرة القدم لأن مصر تعانى ولأن مصر فى خطر..
وتلك الأصوات نفسها، هى بعينها، وراء المعاناة، والسبب الأول للخطر الذى يهدد مصر.. إنه لأمر مدهش.. حقا..