بعد مرور ثلاثة وخمسين عاما على مغامرة جمال عبدالناصر فى اليمن، ينضوى الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى تحت نفس راية العروبة، وتتورط مصر مرة أخرى فى الشئون الداخلية لليمن. غير أنها، خلافا لما حدث فى عهد جمال عبدالناصر، بدلا من السعى لمواجهة المصالح الإقليمية للمملكة العربية السعودية تلتحق بركب المملكة، وتلعب دورا رئيسا فى التحالف الذى تقوده السعودية. وبينما كانت مصر فى تجربة التدخل الأولى فى اليمن هى الآن تحمى الوضع القائم فى المنطقة، وهو وضع يتسم بالميول المحافظة السياسية والدينية، واللافت للنظر أنها فى ذات الوقت تحارب نفس العدو الذى حاربته فى السابق وهو قبيلة الحوثى.
•••
يختلف دور مصر فى الصراع حول اليمن اليوم، بشكل أساسى، حول الهدف. الهدف الآن هو الدفاع عن المصالح السعودية والمصرية، بينما كان الهدف فى السابق التدخل لمجرد التدخل. وفى وقت سابق، قالت السلطات المصرية إن مصر لن تتسامح مع أى تدخل فى مضيق باب المندب يعطل المرور إلى قناة السويس عبر البحر الأحمر. وفى أحد لقاءاته كمرشح رئاسى، وصف السيسى البحر الأحمر بأنه «بحيرة عربية»، ومن ثم، فإن نشر مشاة البحرية المصرية «لحراستها» لا يعتبر تدخلا عسكريا أجنبيا. فى أحد خطبه الأخيرة، أكد السيسى على هذه الفكرة مرة أخرى، واصفا ما يجرى فى اليمن، بأنه ليس عدوانا، ولكنه من أجل الدفاع عن المنطقة وأمنها، مضيفا أن مضيق باب المندب يرتبط بـ«الأمن القومى المصرى والعربى».
وذكر كل من السيسى ورئيس الوزراء إبراهيم محلب أنهما أحسا «بالتزام» بالاستجابة إلى مطالبات الرئيس اليمنى بدعم «الشرعية». وتطرح السلطات المصرية تدخلها فى اليمن اليوم كحالة تدخل عن طريق الدعوة. ومن ثم، تقارن مشاركة مصر بدورها فى فلسطين 1948 وحرب الخليج 1991. ويذكرنا الاستناد القانونى إلى ميثاقى جامعة الدول العربية والأمم المتحدة، لتبرير المشاركة فى اليمن، بمشاركة مصر فى حرب الخليج الثانية. ولكن الصراع فى اليمن محلى، بعكس فلسطين والعراق. ومن ثم أيضا، يمكن مقارنته بالتدخل السورى فى لبنان عام 1976.
•••
ويتسق قرار السيسى بالمشاركة فى عملية عاصفة الحزم مع دور العابر للحدود الذى تلعبه السعودية فى السياسة الداخلية المصرية. وقد صرح الرئيس بوضوح بأن الجيش المصرى على مرمى حجر من دول الخليج العربى، وفى أول خطاب له بعد انتخابه، واصل السيسى التأكيد بوضوح على أن أمن الخليج لا ينفصل عن الأمن القومى المصرى. وتتميز العلاقات السعودية مع المؤسسة العسكرية المصرية بالمرونة على نحو خاص. فقد استمرت التدريبات العسكرية المشتركة والزيارات المتبادلة فى ظل وزير الدفاع السيسى، حتى عندما توترت العلاقات السياسية بين البلدين.
ويبدو أن قرار السيسى متمشيا مع استراتيجيته لإحياء دور مصر الإقليمى بما يتجاوز «القوة الناعمة» التقليدية. ويعتبر التدخل فى كل من ليبيا واليمن جزءا من خطة واضحة لتطوير الموقف المصرى فى الصراعات الإقليمية. ويمثل هذا الموقف تحديا باعتبار أن جميع الصراعات الداخلية فى المنطقة يجرى تدويلها جميعا، لكن تبين أيضا أنه فرصة للتعجيل بالاعتراف بنظام السيسى، على الرغم من بعض المعارضة الإقليمية والدولية. ولعل هذا يفسر السبب فى أنه هرع إلى التدخل فى ليبيا وقبول دور فى اليمن، وتجاهل التقاليد المصرية فى انتظار الضوء الأخضر من مجلس الأمن الدولى. وبينما تفك الولايات المتحدة ارتباطها تدريجيا بالمنطقة، تجد مصر بشكل متدرج وبطىء مساحة أكبر للعب دور حراسة الإقليم مستندة إلى الدعم الانتقائى من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
ولم تكن مشاركة مصر فى عاصفة الحزم استجابة فقط لدعوة الرئيس اليمنى، ولكن أيضا للقرار السعودى بالتدخل. ويمكن أن ينظر إليه كتعويض ليس فقط عن دعم السعوديين السخى للسيسى، ولكن أيضا عن اختلاف مواقف القاهرة عن مواقف الرياض بالنسبة لسوريا وقطر وتركيا، وروسيا، أضف إلى ذلك كله الشائعات الأخيرة حول مصالحة سعودية مع الإخوان المسلمين.
يصف الخطاب الطائفى السعودى النزاع فى اليمن، بأنه صراع بين العرب السنة، بدعم من الخليج، والشيعة، بدعم من إيران، وهو خطاب غريب على جيش مصر ودبلوماسيتها. ونتيجة لذلك، تسمح مشاركة مصر المحدودة فى عملية عاصفة الحزم بضمان دور لها فى عمليات بناء التوازن الإقليمى الحالى حاليا بين الرياض وطهران. غير أن ذلك، قد لا يكون الهدف الرئيسى لمصر. وقد تجنب السيسى حتى الآن استخدام الخطاب الطائفى لتبرير مشاركة مصر فى عملية اليمن. ووفقا لروايته، فإن المشاركة فى اليمن ينبغى ألا ترسل رسالة إلى طهران وحدها، ولكن لجميع الجهات الفاعلة من غير الدول العربية، وبخاصة «الإرهابيين» الذين يهددون السلطة الحالية، وبالتالى «الشرعية»، للنخب الحاكمة. وهكذا، يعتبر نهج الرياض فى اليمن أكثر محدودية من النهج المصرى. ففى حين تضع الأولى اليمن فى المواجهة الطائفية والاستراتيجية مع إيران، تضعه الثانية فى سياق أوسع من «الأمن القومى العربى» تفسر معتبرة نفسها حامية «الشرعية».
•••
يتسق تدخل مصر فى اليمن مع السياسة الداخلية للسيسى. أولا، ليس هناك مكان فى السياسة العربية اليوم لا للثوار ولا لـ«الإرهابيين». ثانيا، تؤكد المشاركة العسكرية فى مصر على أولوية المؤسسات العسكرية على جميع مؤسسات الدولة الأخرى، بما فى ذلك السلك الدبلوماسى. ومرة أخرى، يلعب الجيش دور «المنقذ» ولكن هذه المرة فى السياسة الخارجية.
وربما تقدم المشاركة المصرية فى عملية برية محتملة فرصة أيضا للجيش لاكتساب معرفة يفتقر إليها عن الحرب غير النظامية. وكانت المؤسسة العسكرية المصرية منذ فترة طويلة تقاوم التغيير فى عقيدتها لإعادة توجيه التدريب نحو مكافحة الإرهاب بدلا من الجيوش التقليدية. ومع ذلك، يمكن أن يؤدى نشر القوات أيضا، إلى عدد كبير من الضحايا إذا قرر الحوثيون المقاومة، أو نتيجة الصدام بين الحوثيين والقاعدة. وقد سارع الكثيرون بالتذكير بخسارة عشرة آلاف جندى مصرى فى حرب 1962. وستعتمد النتيجة أيضا على ما إذا كانت القوات المصرية ستلعب دورا محدودا فى عمليات حفظ السلام بدلا من الدور التدخلى لصنع السلام.
تحظى عملية عاصفة الحزم، بدعم من إسلاميين مصريين وغير إسلاميين. فأعلن حزب النور، أكبر الأحزاب السلفية فى مصر، والمؤيد للإطاحة بالرئيس محمد مرسى عام 2013، دعمه لقوات التحالف التى تقودها السعودية. فى حين أصدرت جماعة الإخوان المسلمين بيانا، لم تشر فيه بشكل صريح إلى مشاركة السيسى، أعربت فيه عن أملها أن «تؤدى التطورات الراهنة فى اليمن سريعا إلى حوار وطنى بنّاء وموضوعى، يقوم على مبادرة مجلس التعاون الخليجى واحترام إرادة الشعب اليمنى وثورته، التى أنتجت بالفعل نظاما شرعيا لا ينبغى إزاحته». ونشر موقع الجماعة أيضا بيانا صادرا عن التجمع اليمنى للإصلاح، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين فى اليمن، معربا عن دعم العملية العسكرية.
بيد أن دور مصر أثار أيضا موضوعين للجدل فى مصر. حيث تساءل البعض عن دور الجيش فى السياسة الخارجية، وهل يتعين على المؤسسة العسكرية، المنهكة بالفعل فى السياسة الداخلية، أن تقيد نفسها بالدفاع عن أمن مصر القومى أو ينبغى عليها استباق التهديدات خارج حدودها؟ وإلى أى مدى سوف يذهب بمصر التحالف مع السعودية، الأمر الذى يشكك فى تكلفة الدعم السعودى السياسى والمالى لمصر؟ ورد السيسى على الموضوع الثانى قائلا إن مصر لا تشارك فى العمل العسكرى لرد جميل الخليجيين. وسوف تظل مستعدة لمساندتهم وحمايتهم، حتى لو لم تكن لديهم فرصة لمساعدتها.
•••
من خلال المشاركة فى عملية عاصفة الحزم، يسير السيسى على حبل رفيع بين تأمين الدعم الخليجى لمصر وتجنب المستنقع اليمنى الثانى، الذى قد يؤثر على شعبيته فى الداخل. وتوضح التجارب السابقة فى الحروب العربية الإسرائيلية، وفى اليمن، وحتى فى حرب الخليج 1991، أن التأييد يمكن أن يتلاشى مع تزايد عدد القتلى من الجنود المصريين فى الخارج. ومع تزايد عدد قتلى القوات فى سيناء والعمليات المحتملة فى ليبيا، قد تصبح المطالبة بعودة جنود مصر للوطن، مطلبا مشروعا. ويبدو أن السيسى مدرك لهذا «القلق لدى بعض الرأى العام»، كما سماه. ففى الرابع من أبريل قال إنه يهتم بـ«كل قطرة دم وكل ابن من هذا البلد». وبينما يواجه السيسى حاليا انتقادات بطيئة ولكن مطردة بسبب تأجيل الانتخابات البرلمانية، وتصاعد القمع، هو لا يريد أن يخسر دعما من المؤسسة العسكرية ودائرة مؤيديها.
ياسمين فاروق
نشر بالاتفاق مع مؤسسة Atlantic Council