باحث عظيم ومدرس عظيم - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 11:22 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

باحث عظيم ومدرس عظيم

نشر فى : السبت 16 مارس 2019 - 11:35 م | آخر تحديث : السبت 16 مارس 2019 - 11:35 م

 منذ عدة أسابيع حضرت حلقة نقاشية في الجامعة ضمت أساتذة وطلاب دكتوراه وطلاب مابعد الدكتوراه، كان النقاش الذي استغرق حوالي الساعة ونصف هو: كيف تكون باحث عظيم ومدرس عظيم؟ هذا السؤال صعب جداً لذلك كان عدد الحضور كبيراً، طبعاً لا تتوقع مني أن أقول لك وصفة سحرية لأنه لا توجد وصفة سحرية لذلك وإلا "مكنش حد غلب" كما يقولون، النقاش كان مثمراً ولكنه أثار عندي عدة تساؤلات وأحببت أن أشارك القراء هذه التساؤلات علنا نصل إلى وصفة تساعدنا في مصر.

 أولاً ماهو تعريف المدرس العظيم؟ عندما ترى الأساتذة المحبوبين من الطلبة والتي يذكرهم الطلبة بكل خير حتى بعد تخرجهم بسنين عديدة وتقرأ أو تسمع ما يقوله الطلاب عنهم سترى أوصافاً مثل: كان يشرح بطريقة شيقة، كان يعطي وقتاً كبيراً لطلابه ليستمع إلى مشاكلهم، كان يساعد الطلبة الفقراء بإعطاهم الكتب أو الملازم مجاناً، وما شابه، إذا تمعنا في هذه الصفات سنجدها صفات "راجل طيب دمث الخلق" ولكن هل هو مدرس عظيم؟ التدريس يشمل ثلاثة عناصر: المادة العلمية وطريقة التدريس والأدوات المستخدمة في التدريس مثل برامج كمبيوتر للتواصل أو للتصحيح وما شابه،المدرس العظيم يجب أن تكون مادته العلمية متجددة ويكون متابعاً لأحدث الأبحاث في المادة التي يدرسها، المدرس العظيم يستخدم أحدث الطرق في التدريس وتوصيل المعلومة وليس فقط أن يكون "رجل طيب" أو يدرس بطريقة واضحة وشيقة مادة علمية قديمة لم تعد تساير التقدم، إذا نظرنا إلى كل تلك الصفات لوجدنا أنه لكي تكون مدرساً عظيماً يجب أن تبذل الكثير من الجهد والوقت ويكون ذلك مضاعفاً إذا كنت تدرس أكثر من مادة.

 نأتي إلى الباحث العظيم: ما هي صفاته؟ أولاً يجب أن يكون متابعاً لأحدث الأبحاث في تخصصه ويجب أن يتميز بالفضول العلمي لأن الفضول يستتبعه تساؤلات كثيرة وكل تساؤل هو موضوع بحث، يجب أن يتميز بالتفكير النقدي والأمانة العلمية والقدرة الفائقة على الشرح لأنه يحتاجها في كتابة الأبحاث العلمية وإعطاء المحاضرات في المؤتمرات وماشابه، كما يجب أن تكون عنده صفات قيادية لقيادة فريق بحثي والإشراف على الطلاب والقدرة على الحصول على تمويل لأبحاثه العلمية.

 إذا نظرنا إلى صفات المدرس العظيم والباحث العظيم سنجد بعض الصفات المشتركة مثل القدرة على توصيل المعلومة والقدرة على متابعة آخر الأبحاث، لكن التقدم في التدريس يحتاج الوقت كله والتقدم في البحث العلمي يحتاج الوقت كله، قد يمكنك القيام ببعض المهام التي تفيد الإثنين مثل متابعة آخر التطورات في مادة علمية تدرسها وفي نفس الوقت هي مجال بحثك العلمي ولكن هذا لا يحدث كثيراً خاصة عندما يكون المطلوب منك تدريس عدة مواد في الفصل الدراسي الواحد.

 عندما تنظر إلى الجامعات في أمريكا تجد نوعين: الجامعات البحثية وفيها الترقية تعتمد أساساً على البحث العلمي لذلك يكون عدد المواد التي تدرسها كأستاذ جامعي هناك مادة أو مادتين في كل فصل دراسي لذلك يعطي الأستاذ 90 بالمائة من وقته للبحث العلمي والباقي للتدريس وبعض الأعمال الأخرى من لجان وما شابه، ثم هناك الجامعات التدريسية وهي على العكس من الأولى فيكون على الأستاذ أن يعطي 90 بالمائة من وقته للتدريس الذي يكون عادة ثلاث مواد أو أكثر في الفصل الدراسي الواحد والباقي للبحث العلمي والخدمات الأخرى وعادة تكون تلك الجامعات لمرحلة البكالريوس أو الماجستير وليس الدكتوراه.

 كيف إذا يمكن أن تكون باحثاً عظيماً ومدرساً عظيماً؟ إذا أعطيت 50 بالمائة من وقتك للتدريس ومثله للبحث العلمي فقد تصبح مدرساً متوسطاً وباحثاً متوسطاً، فما الحل؟ لننظر إلى جامعاتنا في مصر، مطلوب من الأستاذ الجامعي تدريس مادتين أو أكثر في كل فصل دراسي  ومطلوب منه أبحاثا من أجل الترقية وقد لا يكون عنده كل الإمكانيات التي يحتاجها من أجل البحث العلمي، كما قلت قبل ذلك مراراً في مقالات سابقة نحن في مصر حالياً في أمس الحاجة لتطوير التعليم والإرتقاء بها، فليعطي الأستاذ 60 أو 70 بالمائة من وقته ليكون مدرساً عظيماً ويخرج أجيالاً عظيمة وفي نفس الوقت ينتج بحثاً علميا أو بحثين في السنة مع طلبته للدراسات العليا في مشاكل بحثية يحتاجها الوطن وبهذا يكون أستاذاً عظيماً لبلده في التدريس والبحث العلمي، ونحب أن نهمس في أذن لجان الترقية في جامعاتنا في مصر: هلا وضعنا التدريس في مكانه الذي يليق به فهو ما نحتاجه الآن، ثم يأتي البحث العلمي في الجامعات في المركز الثاني بعد التدريس في الوقت الحالي، ثم في المستقبل نضع التدريس والبحث العلمي على نفس الدرجة في الأهمية، طبعاً هذا لا ينطبق على المراكز البحثية التي بكون أساس عملها هو البحث العلمي مثل المركز القومي للبحوث.

 تستطيع أن تكون مدرساً عظيما وباحثاً عظيماً لبلدك ... ولكل بلد أولوياتها ... وهذه الأولويات تتغير بتغير الظروف.

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات