أكبر غلط - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 6:19 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أكبر غلط

نشر فى : الأحد 17 يونيو 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 17 يونيو 2012 - 8:00 ص

أكبر غلط أن يقول قائل إن ما بين المرشحين للرئاسة فى مصر هو صراع بين ممثل الدولة الدينية ومرشح الدولة المدنية. وهو كلام يمكن أن يؤخذ باعتباره نكتة اعتمادا على أن الدكتور محمد مرسى له لحية فى حين أن كل صلة الفريق شفيق بالمدنية ينحصر فى كونه ظل وزيرا للطيران «المدنى» لمدة تسع سنوات تقريبا، خلع خلالها ثيابه العسكرية وظل يرتدى الثياب «المدنية». لكنك إذا انطلقت فى ذلك من كون الدكتور مرسى ينتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين التى لها «مرشد» يمكن أن يؤثر على قراراته، فإن المقارنة عندئذ لن تكون فى صالح الفريق شفيق الذى رشحته مشيخة الطرق الصوفية وأيده فصيل منسوب إلى جماعة «الجهاد». ذلك أن مرشد الجماعة ــ إذا صح أن له كلمة فى الموضوع ــ فكل ما يصدر عنه يؤخذ من كلامه ويرد. أما عند الصوفية فعلاقة المريد بالشيخ تصفها أدبياتهم بأنها كالميت بين يدى مغسله، بمعنى أنها حالة استسلام كامل. ولا أعرف رأى الفريق فى مجموعة تنظيم الجهاد التى أيدته، والتى لا ترى غير العنف والسلاح سبيلا للتغيير فى المجتمع. الأمر الذى يضطرنا إلى إعادة النظر فى تعريف «المدنية» التى يرمز إليها الفريق. أما إذا أردنا أن نأخذ الأمر على محمل الجد، فسوف نكتشف أننا بصدد صراع موهوم بين مشروعين افتراضيين، لا علاقة بالرجلين بهما. فموضوع الدولة الدينية ليس واردا فى مصر، كما أن الفريق شفيق لا علاقة له من قريب أو بعيد بالدولة المدنية. إلا فى الحدود «المدنية» التى سبق ذكرها.

 

إننى أستغرب ما يتحدث به البعض عن احتمالات إقامة الدولة الدينية فى مصر. وأرجح أنهم يلوحون بذلك لمجرد التشهير والتخويف لا أكثر، حيث لا يخطر على بال أى أحد أن عاقلا فى هذا الزمان يمكن أن يدعى أنه ظل الله فى الأرض وأن كلامه تعبير عن المشيئة الإلهية. وإذا اختل عقله وفعلها تحت أى ظرف، فإن أحدا لا يتصور أن المجتمع يمكن أن يقبل منه ذلك. وأغلب الظن أنه سيتحول إلى مادة للتندر والسخرية. هذا إذا لم يطالب البعض بإيداعه فى أحد مستشفيات الأمراض العقلية.

 

صحيح أن الدين ظل العامود الفقرى وحجر الأساس فى الدولة الإسلامية على مدى تاريخها، لكن ذلك لم ينشئ دولة دينية بالمفهوم السائد فى التجربة الغربية. حيث لم يمنح الحاكم ولا السلطة قداسة من أى نوع، الأمر الذى شجع أحد المسلمين على أن يقول فى وجه الخليفة الثانى أبوبكر الصديق: والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا. وهى ذات الحقيقة التى جعلت تكليف الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر يستهدف أهل السلطة بالدرجة الأولى. وهى ذاتها التى قننت وحرضت المسلمين على مقاومة الظلم، وأنتجت ما يعرف بفقه الخروج على الحاكم الجائز، الذى يستأثر بالسلطة والمال، إلى غير ذلك من الأدلة والقرائن التى تجعل الترويج لفكرة الدولة الدينية بمثابة شائعة خبيثة سيئة النية، أو مزحة ثقيلة تبعث على الاستياء والامتعاض.

 

المروجون لفكرة الدولة الدينية لم يكتفوا بذلك، وإنما انتقوا من كل بلد له علاقة بالإسلام أسوأ ما فيه وخوفوا الناس من اقتباسه فى مصر. من فرض الحجاب فى إيران، إلى محاربة الفنون وإغلاق البنوك فى أفغانستان طالبان، إلى منع النساء من قيادة السيارات فى السعودية، إلى مهاجمة الحانات فى تونس، وصولا إلى انفصال الجنوب فى السودان ــ ولأسباب مفهومة لم يخطر على بال أحد منهم أن يكون حظ مصر أفضل، بحيث تمضى فى الطريق الذى سلكته تركيا أو ماليزيا أو حتى إندونيسيا.

 

التدليس فى مسألة الدولة الدينية قابله كذب صُراح فى ادعاء تمثيل الدولة المدنية من جانب المرشح الآخر. ناهيك عن التغليط غير البرىء فى وضع المدنى نقيضا للدينى، بعد العبث بالمصطلح وتفريغه من مضمونه، ومن ثم تحويله إلى أداة فى الصراع السياسى بدلا من استثمار الفكرة الأصلية لصالح المصلحة الوطنية العليا. ذلك أن المرشح الذى يريد إقناعنا بأنه رمز للدولة المدنية، فى حين يعتبر مبارك مثلا أعلى له، وتعتبره إسرائيل كنزا استراتيجيا أكثر أهمية من رئيسه السابق، لا يخدعنا فحسب، وإنما يهين الدولة المدنية ويشوه صورتها.

 

حتى إذا أدخل بعض التعديلات وركَّب بعض الأقنعة على نظام مبارك الذى يمثله فإن ذلك لا يمكنه أن يطمس حقيقة الدولة البوليسية الكامنة فى تلافيف النظام. وقد أفصح الرجل عن ذلك فى حديثه إلى غرفة التجارة المصرية الأمريكية، الذى فضحته صحيفة «نيويورك تايمز»، وقوبل بتصفيق حاد من قبل رجال الأعمال الحاضرين، حسبما ذكرت الصحيفة الأمريكية.

 

حين قرأت قول المرشح المحترم الذى كان رئيس وزراء مبارك «إننا صنعنا ثورة ناجحة» مراهنا على بلاهة وغباء الشعب المصرى، الذى لم ينس أنه كان رئيس الوزراء المسئول سياسيا عن معركة الجمل، فإننى لم استغرب اجتراءه على الادعاء بأنه يمثل الدولة المدنية. لقد صرنا بإزاء صراع مفتعل بين أكذوبتين، واحدة تخوفنا من الدولة الدينية، والأخرى تخدعنا باسم الدولة المدنية، والأولى مجرد وهم أطلق فى الفضاء الإعلامى والثانية تحولت إلى ورقة توت لستر عورة نظام مبارك ــ لذا لزم التنويه.

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.