السياسة «الغائبة» فى الثورة - سامح فوزي - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 6:56 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السياسة «الغائبة» فى الثورة

نشر فى : السبت 16 يوليه 2011 - 9:47 ص | آخر تحديث : السبت 16 يوليه 2011 - 9:47 ص
أحد تداعيات ثورة 25 يناير هى حالة الانكفاء الجزئى على الشأن المصرى، وعدم امتداد النظر إلى ما يحدث فى المنطقة العربية من حراك سياسى.

فى حلقة نقاشية مصغرة نظمتها منذ أيام مبادرة «الإصلاح العربى» تحدث عدد من المثقفين والباحثين العرب حول مستقبل التغيير فى المنطقة العربية، وهو ما فتح الباب إلى التفكير فى عوامل الشبه والاختلاف بين الحالة المصرية وشقيقاتها العرب، ولكن الحوار كشف عن قضايا أعمق تتعلق بقدرة النخب السياسية العربية على إدارة التحول السياسى ذاته.

(1)

هناك أوجه تشابه كثيرة بين ما يحدث فى مصر وتونس. الاستقطاب الإسلامى العلمانى، وتراجع الأمن والاقتصاد، وضعف منظومة الحكم يشكل عناوين كبرى فى الدولتين. بينما تسعى المغرب للإصلاح عبر طرح دستور جديد يكرس الملكية الدستورية، يبدو أن الجزائر فى حالة ترقب لما سوف تنتهى إليه الأمور فى مصر وتونس، وحسم الصراع السياسى فى ليبيا وسوريا.

هناك خشية من التقسيم والتدخل الخارجى اللذين يتهددان ليبيا، ويستفيد النظام الجزائرى من صعود الإسلاميين فى الحالة الثورية العربية لبث الخوف فى نفوس الجزائريين، الذين دفعوا ما يقرب من مائتى ألف قتيل فى حرب الاستنزاف التى استغرقت سنوات بين النظام والإسلاميين.

الحالة الثورية لم تصل بعد إلى الجزائر، والأقرب إليها ليس ما حدث فى تونس، وما يحدث فى ليبيا، ولكن النموذج المغربى الاستيعابى الذى يطرح مشروعا للإصلاح. يساعد على ذلك أن النظام الجزائرى لايزال فى إمكانه التعامل مع المطالب الاقتصادية والاجتماعية بفضل العوائد المالية التى تتوفر لديه من تصدير النفط. ويمكن أن يذهب الرئيس الجزائرى وأركانه ولا يتغير النظام القائم. وتمثل السودان بعد الانقسام حالة مختلفة، وهى ــ على حد تعبير حيدر إبراهيم ــ على أعتاب دولتين فاشلتين، أحداهما فى الشمال قد تتحول إلى دولة طالبان، وأخرى فى الجنوب قد تصبح مثل رواندا.

الأولى تبحث عن مشروع الدولة الإسلامية الذى يقوم على النقاء العرقى، والثانية تنغرس فى خلافات قبلية، وتعانى من غياب أسس بناء الدولة الوليدة، فضلا عن شيوع الفساد، الذى يتغذى على المساعدات التى تنهمر على الجنوب منذ سنوات. أما سوريا فإن عناصر القوة لا تزال فى يد نظام الأسد، وهو يعرف كيف يتعامل مع معارضة ضعيفة، من تأليب جماعات على بعضها، وتسليح البعض فى مواجهة البعض الآخر، واستخدام القمع المفرط فى مواجهة قوى الاحتجاج، فضلا عما يتمتع به النظام من رغبة اسرائيلية فى بقائه، وتخفيف الضغوط الدولية عليه. وهكذا، فإن الوضع السورى، حسب حسن عباس، يحتاج إلى حوار، غير ذلك الذى يجرى الآن، حوار يقوم على التمثيل الحقيقى للقوى، ويتصدى للقضايا الحقيقية، ويسعى إلى تغيير بنية النظام. ولكن الأمر الملفت فى الحالة السورية أن المعارضين يريدون التعلم من الدرسين التونسى والمصرى، وهو عدم الانتظار حتى اسقاط النظام ثم بناء أسس التوافق حول النظام الجديد.

وهو ما يجسد بعضا من إشكاليات الحالة السياسية فى كل من مصر وتونس، الحوار بين المعارضين السوريين يجرى فى الوقت الراهن لبلورة توافق حول النظام الجديد.
(2)
تأمل المشهد العربى الراهن يشير إلى أهمية السياسات العامة فى لحظات التغيير السياسى، سواء فى الدول التى أخذت بالنهج الثورى، أو تلك التى لا تزال تراهن على إصلاح النظام. أزمة العالم العربى هى «فقر» السياسات العامة التى تتصدى إلى المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. القوى الثورية لها مطالب تتعلق بتغيير النظام السياسى، وكثير من الجماهير الثائرة لها مطالبها الاجتماعية والاقتصادية التى تشعر أن الثورة لم تلبها، بل إن بعضا من الأوضاع العامة تردت وتراجعت.

والأنظمة العربية التى لا تزال لديها فرص فى التغيير والإصلاح تحتاج إلى تطوير السياسات العامة بحيث تلبى مطالب الجماهير فى الحياة الكريمة، والتنوع الخلاق، والمشاركة فى الشأن العام.
من الخطأ تجاهل أهمية السياسات العامة فى تغيير المجتمع، وتمكين قطاع عريض من المواطنين من الشعور بالتغيير، ورؤية ثماره. خلال الشهور الماضية أنشغل الثوار فى المجتمع المصرى بالفساد، ومحاكمة رموز النظام، والخلافات حول الانتخابات أم الدستور أولا، ولم نجد مقترحات لسياسات عامة يمكن تبنيها فى شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية.

المفارقة أن حكومة شرف «الأولى» جاءت من «ميدان التحرير»، ولكن سياساتها جاءت من ميدان «مصطفى محمود»، بمعنى أنها سارت على نهج النظام السابق فى التصدى للقضايا، وهو ما يكشف عن فقر الفكر الثورى لما يمكن أن يطرح من سياسات عامة تصحح الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية، وتدير العلاقات بين المواطنين على أسس مختلفة تقوم على المساواة والحرية، ودمج الهوامش الاجتماعية الغاضبة فى المجتمع. الثورة ليست فقط هدم لنظام قديم، ولكن أيضا بناء نظام جديد. الجدل لا يزال يدور حول تصفية تناقضات سابقة أكثر من بناء نموذج سياسى جديد.

(3)

ما يحدث فى المجتمعات العربية
يفتح المجال أمام تساؤل أساسى: إلى أى حد تمتلك النخب السياسية والفكرية القدرة على إدارة شئون المجتمع، من حيث طرح سياسات عامة، وإحداث التوافق السياسى الذى يحمى المجتمع من مغبة التشرذم؟ الإجابة قد تكون بالنفى، لا أعتقد أن النخب القائمة لديها القدرة على إدارة شئون المجتمع، فقد أمضت عقودا تواجه أنظمة مستبدة بخطابات احتجاجية فضفاضة، وهى تعلم أن فرص توليها مقاليد الأمور تكاد تكون منعدمة. لم تتعلم هذه النخب السياسة المباشرة، التى تتعلق بالناس ومطالبهم الحياتية، بل انشغلت بمواقف عامة عريضة.

الظاهر أن التوافق لابد أن يأتى من خارجها. مثال على ذلك البيان الذى صدر عن المجلس العسكرى، والذى هدئ من المخاوف تجاه عملية وضع الدستور القادم، وذلك بالإعلان عن وضع ضوابط لتشكيل لجنة وضع الدستور بعد الاتفاق بين القوى والأحزاب السياسية. والسؤال ألم يكن ممكنا أن تصل هذه القوى والأحزاب إلى هذه الصيغة دون الحاجة إلى حسم الملف من خارجها؟ لماذا لم تسفر معركة الشهور الممتدة حول شرعية «الثورة» وشرعية «الاستفتاء» عن اتفاق بين القوى السياسية؟ الظاهر أن النخبة القائمة، التى عاشت فى أجواء التشرذم عقودا لم يعد فى مقدورها بناء التوافقات السياسية، وإن مصدر التوافق قد يكون خارجها، هل نقول فى النهاية أن المجلس العسكرى يحتاج للبقاء فترة أطول؟
سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات