مستجدات مؤثرة على الأزمة السورية - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 7:15 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مستجدات مؤثرة على الأزمة السورية

نشر فى : الثلاثاء 17 مايو 2022 - 7:30 م | آخر تحديث : الثلاثاء 17 مايو 2022 - 7:30 م

شهدت الفترة الأخيرة عدة مستجدات سورية وإقليمية ودولية ذات صلة وتأثير على تطورات الأزمة السورية، بعضها ناتج عن تأزم الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية فى سوريا، وبعضها نتيجة قرارات وإجراءات قوى إقليمية ضالعة فى الأزمة السورية مباشرة، وأخرى ناتجة تحركات وقرارات من القوى الدولية التى لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بالأزمة السورية.
• • •
على مستوى الأوضاع الداخلية زادت حدة الأزمة الاقتصادية خاصة فى مجال المواد الغذائية والطاقة والبطالة ومواجهة السوريين صعوبات كبيرة فى الحصول على احتياجاتهم اليومية. ومما زاد هذه الأزمة حدة الحرب الروسية الأوكرانية وما نتج عنها من انخفاض معدلات وقيمة المساعدات الروسية وتوقف ورود بعض المواد الغذائية من أوكرانيا خاصة القمح وزيت الطعام نتيجة وقوف سوريا إلى جانب روسيا من ناحية، وإغلاق الموانئ الأوكرانية الرئيسية بالحصار الروسى والارتفاع الكبير فى أسعار المواد الغذائية والطاقة عالميا.
كما خفضت روسيا بعض قواتها فى عدد من المواقع فى سوريا للاستعانة بخبرات هؤلاء الجنود والضباط الميدانية فى الحرب السورية ضد الجماعات الإرهابية والميليشيات للاستعانة بهم فى حرب روسيا فى إقليم دونباس فى شرقى أوكرانيا. وإحلال قوات سورية وايرانية محل القوات الروسية فى مواقعها فى سوريا حتى لا تحدث خلخلة تشجع داعش والميليشيات المسلحة ضد النظام السورى على استئناف نشاطها لاسترداد بعض المواقع التى أخرجها منها النظام بمساعدة قوات روسية وإيرانية.

وقد أثار هذا الإجراء الروسى قلقا لدى إسرائيل من إعادة وزيادة انتشار القوات الإيرانية وتمركزها وتمكنها فى سوريا إذا ما طال أمد الحرب الأوكرانية، وبدأت إسرائيل تزيد من معدلات هجماتها الجوية على المواقع العسكرية الإيرانية فى سوريا وعلى بعض المواقع العسكرية السورية، وتحرص على استمرار التنسيق فى قواعد الاشتباك مع القوات الروسية فى سوريا لذا سارع الجانبان الروسى والإسرائيلى باحتواء رد الفعل الإسرائيلى واليهودى الغاضب على تصريح وزير الخارجية الروسى بأن هتلر فيه دماء يهودية، واعتذر عن ذلك الرئيس بوتين لرئيس وزراء إسرائيل بنيت الذى قبل الاعتذار حفاظا على المصالح المشتركة بين بلديهما.
حرص النظام السورى على اتخاذ إجراءات داخلية للتهدئة العامة منها إصدار قرار رئاسى فى 30 إبريل وبدأ تنفيذه فى أول مايو 2022 بالعفو العام عن المتهمين فى جرائم إرهابية لا تكون أدت إلى قتل إنسان، وتولت الحكومة نقل المفرج عنهم إلى أحيائهم السكنية بلا مقابل، وستستمر عمليات الإفراج حتى شهر يونيو 2022، ويتوقع الإفراج عن عشرات الآلاف من المسجونين، ويتحسب بعض المفرج عنهم من أنهم قد لا يجدون أحدا من أسرهم لمغادرتهم إلى أماكن لا يعلمون بها، أو يجدون منازلهم مهدمة لا يمكنهم العيش فيها.

ولا شك أن عمليات الإفراج عن المعتقلين تلقى ارتياحا من الأهالى بصفة عامة، وتحدث انفراجة نسبية فى أوضاع متأزمة بالغة التعقيد.
وقد قام الرئيس السورى بشار الأسد بزيارة مفاجئة لإيران يوم 8 مايو 2022 لطلب مساعدة إيران لمواجهة هذه المستجدات والأزمة الاقتصادية، والتقى بالمرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية على خامنئى، ورئيس الجمهورية ابراهيم رئيسى، وكبار المسئولين، وأكدت إيران استمرار التعاون بين البلدين لعدم السماح للأمريكيين بإعادة بناء منظومة الإرهاب الدولية. واستمرار دعم إيران لسوريا لاستكمال انتصارها على الإرهاب وتحرير باقى الأراضى السورية وتأكيد أنها قادرة على ذلك، وأن تبقى سوريا موحدة خاصة وقد زاد احترامها لأنها أصبحت أكثر قوة، وأن إيران وقفت إلى جانب سوريا عندما كان يراهن بعض القادة العرب وغير العرب فى المنطقة على توقيت سقوط الحكومة السورية. كما تم الاتفاق على توسيع العلاقات الاقتصادية والتجارية، وموافقة إيران على تجديد خط الائتمان الذى كان توقف منذ مارس 2022 وكان يتعين على سوريا سداد ثمن البترول نقدا، وقد تضمن تجديد خط الائتمان الذى وقعه الرئيس الأسد تزويد سوريا بالطاقة والمواد الأساسية الأخرى. ويقدم خط الائتمان تسهيلات مالية وقروضا ميسرة وفق سقف مالى محدد للمبالغ التى يتم سحبها مع الالتزام بمواعيد السداد. وكانت دمشق قد طلبت من بعض الدول العربية إمدادها بالبترول من خلال القطاع الخاص، إلا أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا حالت دون ذلك. كما بحث الرئيس الأسد التعاون العسكرى مع إيران على ضوء إعادة توزيع القوات الروسية فى سوريا وتداعيات الحرب الأوكرانية، وأكد الأسد على العلاقات الاستراتيجية بين البلدين بشقيها العام والخاص، وأنه بعد عقد من الحرب ثبت أن الصمود نهج فعال ومثمر وأن سوريا شعبا وحكومة مدينون لإيران وملتزمون بالعلاقات معها.
• • •
أعلن الرئيس التركى أردوغان، وسط هذه التطورات، أن حكومته بالتعاون مع منظمات تركية ودولية، يعملون من أجل إعادة مليون لاجئ سورى فى تركيا إلى بلدهم وأن تكون عودتهم طوعية، ويجرى بناء مساكن لهم فى القطاع الشرقى من سوريا الذى تسيطر عليه القوات التركية والقوات السورية الموالية لتركيا على الحدود مع كل من تركيا والعراق. هذا ويقدر عدد اللاجئين السوريين فى تركيا بنحو 3.6 مليون شخص. وتعمل تركيا على تأمين السكن والخدمات والمرافق العامة من مدارس ومستشفيات وأسواق ومساجد وحدائق أطفال ومخابز، وذلك فى مناطق اعزاز، وجرابلس، والباب، وتل أبيض، ورأس العين، بالتعاون مع المجالس المحلية فى تلك المناطق، وأنه تم إيواء 50 ألف أسرة حتى الآن فى المنازل التى تم الانتهاء من بنائها، وإقامة بعض المشروعات الصناعية. وأجريت دراسات لبناء 200 ألف منزل بتمويل من قطر وطرحت للمناقصات.

واضح أن الرئيس أردوغان يبدى الاستجابة لمطالبة أحزاب المعارضة ومن داخل حزب التنمية والعدالة الحاكم بترحيل اللاجئين السوريين الذين يتهمون بمزاحمة الأتراك فى فرص العمل وبعض الأعمال، وتغيير التركيبة السكانية والثقافية فى المناطق التركية الموجودين فيها، ويعمل الرئيس أردوغان على تهيئة الأجواء العامة قبل إجراء الانتخابات التركية الرئاسية والبرلمانية فى 23 يونيو 2023.
ولكن زعيم حزب الشعب التركى المعارض يرى أن ما أعلنه أردوغان عملية خداع لن تحل مشكلة وجود اللاجئين السوريين فى تركيا حتى إذا أعيد مليون لاجئ منهم إلى بلدهم.
وقال وزير خارجية تركيا إنه يمكن التعاون مع النظام السورى فى قضايا الإرهاب واللاجئين دون الاعتراف به كما هو متبع مع نظام طالبان فى أفغانستان، وأن حكومته تدعم وحدة سوريا، وأشار إلى أن الجيش السورى بدأ فى الفترة الأخيرة محاربة وحدات حماية الشعب وهى أكبر مكونات قوات سوريا الديمقراطية ــ الكردية (قسد) التى يرى أنها تخطط لتقسيم سوريا، وأن إعادة تركيا للاجئين السوريين إلى بلدهم يتم بالتعاون مع لبنان، والأردن، والعراق.
• • •
استنجد الاتحاد الديمقراطى السورى ــ الكردى بالمنظمات الدولية من تبعات خطة تركيا بإعادة اللاجئين السوريين إلى شمال شرقى سوريا، وليس إلى مناطقهم الأصلية، وأن الهدف هو تغيير التركيبة السكانية للمنطقة ووضع بذور خلافات وصراعات بينهم وبين السكان الأصليين. كما يخشى من دس عناصر تركية بين العائدين ليكونوا عيونا ونقاطا متقدمة لهم. كما أن كل الأنشطة الاقتصادية والتجارية والتعليمية والخدمات ستكون معظمها مرتبطة بتركيا وتخدم مصالحها.
وأبدت الحكومة السورية اعتراضا على هذا البرنامج بصفة عامة، وإن كان بعض المتابعين للأزمة السورية يرون أن هذا الاعتراض ينصب على الشكل القانونى وعدم أحقية تركيا فى التصرف على هذا النهج باعتبارها قوة احتلال للأراضى السورية، ولكنه لا ينصب على جانب تغيير التركيبة السكانية فى شرق سوريا التى قد تحد من مطالب الاتحاد الديمقراطى الكردى بحكم ذاتى.

وقد عقد مؤتمر الدول المانحة فى بروكسل يومى 8 و9 مايو 2022 وتعهد بتقديم مبلغ 1.56 مليار يورو لمساعدة اللاجئين والنازحين السوريين خلال الفترة القادمة حتى عام 2023. وصرح مسئول العلاقات الخارجية فى الاتحاد الأوروبى جوزيب بوريل بأن الاتحاد ملتزم بعدم المساهمة فى إعمار سوريا، وعدم رفع العقوبات، وعدم إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع النظام السورى، ما لم يتم إنجاز انتقال سياسى حقيقى وشامل وجاد وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 2254 الصادر عام 2015. وأكد أن العقوبات لا تشمل المواد الغذائية والأدوية والمستلزمات الطبية وتعزيز التعليم والرعاية الصحية بالتعامل المباشر مع الهيئات غير الحكومية، والتعاون معها فى إزالة الألغام.
كما أعلنت الإدارة الأمريكية نيتها السماح ببعض الاستثمارات فى المجال الاقتصادى الزراعى وغير البترولى فى مناطق شمال شرقى سوريا خارج سيطرة الحكومة السورية، دون عقوبات على المستثمرين الأجانب، وذلك بهدف مساعدة منطقة كان يسيطر عليها تنظيم داعش وتوجد فيها حاليا قوات تركية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد الكردية). وقد استنكرت الخارجية السورية ذلك واعتبرته فرض أمر واقع ومساعدة التنظيمات الإرهابية من جانب الاحتلال الأمريكى.

ويلاحظ من كل هذه المستجدات عدم حدوث حلحلة أساسية فى مواقف أطراف الصراع فى الأزمة السورية وبقائها على ما كانت عليه من ناحية الموضوعات الحاكمة للأزمة، حيث ينحو النظام السورى ومعه إيران إلى المضى فى استكمال الحل العسكرى إذا لم يكن الحل السياسى مرضيا، بينما تتجه الأطراف الأخرى، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، إلى التمسك بضرورة حدوث تغيير أساسى فى النظام السورى وسياساته والتمسك بتطبيق العقوبات إلى أن يتم الحل السياسى، وروسيا منشغلة بالحرب فى أوكرانيا ولكن دون تفريط فى مكاسبها فى سوريا، وإن كانت ظروف الأمر الواقع تعمل لصالح إيران وتدعيم وجودها فى سوريا، ومضى تركيا فى تنفيذ برنامجها فى تغيير التركيبة السكانية فى شرق سوريا وتقوية مراكز وجودها وايجاد فاصل سكانى سورى على الحدود يبعد الاتحاد الديمقراطى السورى ــ الكردى وقوات المقاومة الشعبية عنها ويفصلها عن حزب العمال الكردى التركى الذى تصنفه تركيا منظمة إرهابية.

رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات