الملف الاقتصادى سيحدد الفائز بالانتخابات الرئاسية الأمريكية - قضايا اقتصادية - بوابة الشروق
الثلاثاء 3 ديسمبر 2024 1:12 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الملف الاقتصادى سيحدد الفائز بالانتخابات الرئاسية الأمريكية

نشر فى : الأربعاء 17 يوليه 2024 - 7:40 م | آخر تحديث : الأربعاء 17 يوليه 2024 - 7:40 م

تستحوذ الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 على اهتمام عالمى واسع، فللمرة الثانية يتنافس الرئيس الأمريكى الحالى، الديمقراطى جو بايدن، مع الرئيس السابق، الجمهورى دونالد ترامب على سدة الرئاسة، وسط تحديات جمة تعترض مسار نمو الاقتصاد الأمريكى، وتؤثر فى الوقت نفسه فى توجهات الناخبين الأمريكيين إزاء اختيار المرشحين الرئاسيين؛ حيث ينظرون إلى الملف الاقتصادى باعتباره عاملًا جوهريًا فى تحديد من سيصوتون له بالانتخابات الرئاسية التى ستجرى فى شهر نوفمبر المقبل.

تكشف الأجندة الاقتصادية للمرشحيْن الرئاسييْن جو بايدن ودونالد ترامب عن تباين ملحوظ فى البرامج والأهداف. فبايدن يركز فى برنامجه على بناء نظام ضريبى أكثر عدالة، ورفع معدل ضريبة الدخل على الشركات الأمريكية إلى 28%، واتخاذ مزيد من الإجراءات لمكافحة الاحتكار، ومنح تخفيضات ضريبية للطبقة المتوسطة، وخفض الأسعار وتكاليف المعيشة، مع إعادة بناء البنية التحتية الأمريكية.
كما من المتوقع أن يستمر بايدن، حال فوزه بالانتخابات الرئاسية المقبلة، فى استخدام التعريفات الجمركية كآلية لمساعدة الشركات الأمريكية وتعزيز تنافسيتها على حساب الشركات الصينية المدعومة من الحكومة. وكذلك يُرجح أن يتم تمديد معدلات ضريبة الدخل الشخصى المنخفضة للأفراد الذين يكسبون أقل من 400 ألف دولار سنويًا، مع رفع الضرائب على الشركات؛ مما يقلل العجز المالى ويحد من التضخم، وهو ما يراه العديد من الاقتصاديين مفيدًا لدعم آفاق نمو الاقتصادى الأمريكى.
أما ترامب، فقد أوضح توجهاته على الصعيد الاقتصادى من خلال طرح «الأجندة 47»، وتتضمن تعزيز الحمائية التجارية من خلال فرض تعريفة جمركية بنسبة 10% على جميع الواردات الأمريكية، وتعريفة بنسبة 60% على الواردات من الصين، بالإضافة إلى خفض تكلفة استهلاك الطاقة والكهرباء، والسعى نحو تحقيق استقلال أمريكا فى مجال الطاقة، وإلغاء اللوائح التى تعوق إنتاج الطاقة المحلى، والتراجع عن الكثير من مبادرات بايدن بشأن الطاقة النظيفة. كما تعهد ترامب بتقديم تخفيضات ضريبية للشركات، وإحداث قفزة نوعية فى مستوى المعيشة للأمريكيين.
بيد أن الأجندة الاقتصادية لترامب لاقت اعتراضًا واسعًا من قبل الأوساط الاقتصادية الأمريكية، فقد حذر 16 خبيرًا اقتصاديًا من الحائزين على جائزة نوبل من أن الاقتصاد الأمريكى والعالمى سيعانى من صعوبات جمة؛ إذا فاز ترامب فى الانتخابات الرئاسة المقبلة. وتشير دراسة أجرتها وكالة موديز إلى أن سياسات ترامب ستؤدى إلى ركود الاقتصاد الأمريكى بحلول منتصف عام 2025.
ستؤدى التعريفات الجمركية التى يعتزم ترامب فرضها إلى رفع التكاليف التى ستتكبدها الشركات الأمريكية، والتى ستقوم بتمريرها بطبيعة الحال إلى المستهلكين؛ ما سيزيد التضخم بنحو 2.5 نقطة مئوية على مدى عامين مع انخفاض النمو الاقتصادى بنحو نصف نقطة مئوية وفقًا لـ«بلومبيرج إنتليجنس». فى حين تبدو وكالة موديز أكثر تشاؤمًا؛ إذ تتوقع أن تؤدى التعريفات الجمركية إلى فقدان 2.1 مليون وظيفة، مع انكماش الاقتصاد الأمريكى بنسبة 1.7%.
• • •
على الرغم من الضغوط التضخمية المحتمل أن تنشأ عن الأجندة الاقتصادية لترامب، فإن نتائج استطلاعات الرأى تؤكد ثقة الناخبين فى قدرة ترامب على إدارة الاقتصاد الأمريكى وتحقيق نتائج اقتصادية أفضل؛ ما يترك بايدن أمام مهمة صعبة لإقناع الناخبين بإنجازاته الاقتصادية. وتكشف نتائج الاستطلاعات بشأن اختيار المرشح الرئاسى المقبل عن قناعات مختلفة للمواطنين الأمريكيين حول إدارة الملف الاقتصادى، وأولها تشاؤم الأمريكيين بشأن أداء الاقتصاد الأمريكى، إذ توصلت نتائج استطلاع للرأى أجراه معهد هاريس فى شهر مايو 2024 إلى أن 55% من الأمريكيين يرون أن الاقتصاد ينكمش بالفعل، فى حين يرى 49% من المستطلعة آراؤهم أيضًا أن البطالة وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ 50 عامًا، على الرغم من تراجعها فى الواقع الفعلى.
أما ثانيها، فيتمثل فى النظر إلى الاقتصاد باعتباره العامل الأساسى فى تحديد من سيصوتون له، فبحسب استطلاع أجرته شركة إبسوس وهيئة الإذاعة الأمريكية (ABC) فى إبريل 2024، جاء الاقتصاد بنسبة 88% والتضخم بنسبة 85% باعتبارهما القضيتان الأكثر أهمية بالنسبة للأمريكيين فى تحديد المرشح الرئاسى الذى سيدعمونه.
وفى استطلاع نشرته مؤخرًا مجلة إيكونوميست بالتعاون مع «يوجوف» (YouGov)، قال 22% من الناخبين إن التضخم هو القضية الأكثر أهمية بالنسبة لهم. وقد برز العامل الاقتصادى أيضًا خلال المناظرة التى خاضها كل من بايدن وترامب؛ إذ تضمنت تُهمًا متبادلة بمسئولية كل منهما عن تردى الوضع الاقتصادى.
ويتمثل العامل الثالث فى الثقة فى ترامب لإدارة الاقتصاد، فوفقًا لاستطلاع أجرته صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية وكلية روس للأعمال بجامعة ميشيغان الأمريكية فى شهر يونيو 2024، قال 41% من الناخبين إنهم يثقون فى ترامب فيما يتعلق بالاقتصاد، مقارنة بـ37% يثقون فى بايدن. ووفقًا لاستطلاع آخر أجرته شبكة «سى بى إس نيوز» فى مارس 2024، يعتقد 17% فقط أن سياسات بايدن ستؤدى إلى انخفاض الأسعار، مقابل 44% لترامب. فى حين يعتقد 39% من الأمريكيين أنهم سيكونون أفضل حالًا ماليًا إذا تم انتخاب ترامب، مقارنة بـ23% لبايدن، وفقًا لاستطلاع لقناة «سى إن بى سى».
• • •
على الرغم من تفوق ترامب على بايدن فى نتائج استطلاعات الرأى المذكورة سلفًا، فإنه بتحليل أداء الاقتصاد الأمريكى خلال الفترة التى قضاها كل منهما فى سدة الرئاسة، يتضح أن المؤشرات الاقتصادية لم تتحسن بالشكل المطلوب فى عهد أى منهما، بل بالكاد كان الاقتصاد الأمريكى يكافح من أجل التعامل مع التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية.
فعلى صعيد النمو الاقتصادى، بلغ متوسط نمو الناتج المحلى الإجمالى 2.6% فى عهد ترامب باستثناء عام 2020 الذى شهد فيه الاقتصاد انكماشًا بسبب كورونا، بينما بلغ متوسط النمو فى عهد بايدن (الفترة 2021 - 2023) 3.4% حتى الآن، لم يشهد الاقتصاد الأمريكى ركودًا فى عهده كما كان متوقعًا.
وفى السنوات الثلاث الأولى من رئاسة ترامب، بلغ متوسط التضخم 2.1%، وهو قريب من المستوى المستهدف من قبل مجلس الاحتياطى الفدرالى والبالغ 2%، فى حين تراجع التضخم إلى 1.2% عام 2020 بسبب جائحة كوفيد-19. أما فى عهد بايدن، فقد سجل التضخم 5.6% فى المتوسط، كما بلغ ذروته عند 8% عام 2022، بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.
وفيما يتعلق بالتوظيف، أضاف الاقتصاد الأمريكى أكثر من 15 مليون وظيفة فى عهد بايدن وانخفضت البطالة إلى أدنى مستوى منذ 53 عامًا عند 3.4% فى شهر يناير 2023. بينما فقد الاقتصاد الأمريكى 2.7 مليون وظيفة خلال رئاسة ترامب بسبب الإغلاق الاقتصادى، ووصلت البطالة ذروتها عند 8.1% عام 2020.
وقد ارتفع الدين الوطنى للحكومة الفدرالية بنسبة 25% فى عهد بايدن ليتجاوز 34 تريليون دولار، بينما ارتفع بنسبة 39% خلال رئاسة ترامب. وفى عهد ترامب انخفضت أسعار البنزين إلى أقل من 2 دولار للجالون فى ربيع عام 2020 بسبب الإغلاق الاقتصادى، على الرغم من أنها ارتفعت فوق 2.30 دولار للجالون بحلول الوقت الذى ترك فيه ترامب منصبه. وفى عهد بايدن ارتفعت أسعار البنزين لأعلى مستوى لها على الإطلاق بأكثر من 5 دولارات للجالون عام 2022؛ بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن تقدم ترامب على بايدن فى نتائج استطلاعات الرأى، يعكس حقيقة مفادها أن الناخبين الأمريكيين يدعمون ذاك المرشح الرئاسى الذى حقق نتائج اقتصادية أفضل (خلال فترة حكمه) هذا ليس فحسب، وإنما يؤيدون أيضًا المرشح الذى يميلون للثقة فى قدرته على قيادة الاقتصاد الأمريكى نحو الأفضل، أو سينجح فى تحسين معيشتهم وتلبية احتياجاتهم الأساسية؛ لذا يشير أغلب الناخبين إلى أن وضعهم المالى ربما يكون أفضل فى عهد ترامب مقارنة ببايدن.
مع ذلك، لا تزال فرص نجاح بايدن واردة، وذلك حال تمكنه من إقناع الناخبين بقدرته على تحسين أوضاع الاقتصاد الأمريكى فى المستقبل القريب، خاصة فيما يتعلق بكبح جماح التضخم، والذى يمثل الهاجس الرئيسى للمواطنين الأمريكيين. ورغم كل ما ذكرناه آنفًا، لا تبدو نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة محسومة على أى حال. إن اختيار الأمريكيين لمرشحهم الرئاسى المقبل، لن يتوقف بطبيعة الحال على نتائج الملف الاقتصادى فقط، رغم إلحاح هذا العامل فى الوقت الحاضر.


هدير خالد
مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة
النص الأصلى

قضايا اقتصادية القضايا الاقتصادية العالمية والدولية والمحلية
التعليقات