ثرثرة فى فنجان - خولة مطر - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 5:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ثرثرة فى فنجان

نشر فى : الإثنين 17 نوفمبر 2014 - 8:05 ص | آخر تحديث : الإثنين 17 نوفمبر 2014 - 8:05 ص

بعضهم راح يحترف هذه المهمة التى أصبحت مهنة، ينتقل من مطار إلى آخر ومن طائرة إلى أخرى ومن فندق إلى آخر أكثر فخامة ومن مضيف إلى آخر أكثر كرما!!!.. كلهم يشددون على أهمية حضوره فبدونه أو دونها لا يكتمل المؤتمر.. يعقد المؤتمر ترفع الأيدى عاليا.. يزداد الجو العام توترا فى تلك القاعة شديدة الفخامة، وبعضهم يطالب بأن يمنح هذا الحق الإلهى.. هذا حقه وكأن كل حقوقه الأخرى قد اكتملت وتم احترامها..!!!

•••

الديباجة واحدة «شكرا سيدى الرئيس على منحى هذه الفرصة الذهبية (هذه الأخيرة إضافة بريئة من عندى) ودعنى فى البدء أشكر الجهة المضيفة على حفاوة الاستقبال والكرم العربى الأصيل» تسرق هذه المقدمة من الدقائق المخصصة له فيسرق هو وبقوة الميكروفون دقائق إضافية ويفعل ذلك الذى يليه والتى تأتى بعدهم تضطر الأخرى للبدء بالشكر وإلا يحسب عليها ولا يدعوها أحد.. هناك أصول للمؤتمرات كما هى أصول لعب الكرة أو الطاولة أو أى لعبة أخرى!!! على الممتهن فى هذه الوظيفة الحساسة والمهمة جدا أن يتقنها.. كثرة الإطراء للجهة المضيفة حتى لو كان التنظيم لا يرقى إلى مصاف المقبول وحتى لو بقى هو أو هى «ملطوعين» لمعرفة أين سيقيمون أو أين المقاعد المخصصة لهم أو.. أو..

ولا يكتفى المتدخل بذلك بل عليه أن يطيل الحديث عن أهمية هذا المؤتمر أو الندوة «التى تأتى فى وقت غاية فى الأهمية و.. و.. و..» وكأنها أوقفت زحف المستوطنين وغيرهم من المتطرفين الصهاينة على بيت المقدس، وكأنها أوقفت الدم المسكوب على شوارع مدننا باسم الدفاع عن الدين أو الطائفة أو حتى الضرب المتكرر على رأس ذاك المسكين من قبل رجل الأمن فى تلك الحافلة الضيقة.. أو كأنها قد اطلقت سراح أصدقائنا الكثر فى سجون الرأى.. تتنهد طويلا وأنت تجلس دون أن يكون لك وجود فلا كلام إن لم يكن يضيف للنقاش بعض الملح لذلك تنزوى وحدك فى صمتك.. تطيل النظر نحو تلك الثرية الفاخرة فى سقف القاعة تفكر بعض الشيء فتبتسم ثم تضحك حتى تقع على ظهرك.. لو أنهم دفعوا ثمنها وثمن المؤتمر لإخوتنا وأخواتنا السوريات فى الزعترى ربما ستروهم من برد الشتاء ربما..

•••

باسم كل أولئك تعقد المؤتمرات، باسم القابعين تحت الاحتلال، الواقفين فى طوابير اللجوء، الميتين فى بطن البحر بحثا عن حياة كريمة، باسمهم واسمكم واسمنا جميعا تعقد كل تلك المؤتمرات.. هناك بالطبع الحاجة إلى النقاش وتبادل الآراء ولكن ألم يتحول بعضها لكثير من النفاق أيضا والبذخ المرضى وأصبحت هى الهدف لا الوسيلة واحترفها كثيرون حتى قيل «هذه شلة المؤتمرات أو مافيا المؤتمرات»!!!

ينتابك النعاس، أنت الذى أو التى لا تعرفين النوم إلا القليل منه، كلامهم يدعو للتثاؤب وكثرة تكراره وترديده تشعرك بالغثيان.. تنتظر بفارغ الصبر تلك المساحة الوحيدة الأكثر فائدة فى المؤتمرات. هناك تكون الآراء حول فنجان من الشاى أكثر صراحة وأكثر تأثيرا لأنه لا رقيب على لسانهم ولا أحد يحبس لهم أنفاسهم.. فى استراحات القهوة بين فاصل من الثرثرة وآخر قد تجد ما يبعد عنك حالة التقزز أو النعاس المقيتين.. تتنشط بعض الخلايا وتحاول إيجاد المبررات لتلك الثريا الكريستال المعلقة بسقف القاعة وكيف تم إدخالها وتركيبها!!

•••

تأتى تلك الشابة أو الشاب اليانعين، تردد سيعلمونهم النفاق مبكرا! يدعوك للعودة إلى القاعة السجن وإلى الثرثرة. تبدأ فى خطتك الثانية بالمؤتمرات مثل هذه، ترسم مكعباتك المتداخلة التى لا نهاية لها تحسب أن كل واحد منها مؤتمر وكلها تفضى إلى اللاشيء أو اللانهاية.. فقط عندما يرفع هو يده أو بعض ممن يشبهه تتحمس للإصغاء الممتع لا لشىء إلا لأنه لا يزال ومنذ عقود يحتفظ بنقاوته القريبة من قلوب الناس، لا يزال يشرح الواقع كما هو دون مجاملة غبية، لا يزال يتقد حماسا لنبض الأرض.. القادم من جبال ظفار حتى أزقة قرانا المتراصة فى الدراز وسنابس وجد حفص وغيرها لا يعرف سوى أن يكون هو.. هو القادر على أن يوقظ النائمين جلوسا فى قاعات المؤتمرات من سباتهم العميق.. ينكز أحدهم جاره ها هو سيتحدث الآن فيبتسم ويردد: «يا ترى ماذا سيقول الآن؟» وفى كل مرة لا يخيب الظن فيه بل يقف فى الكثير من الأحيان وحيدا يحمل شعلته ينير بعض من تلك الثرثرة ويرحل إلى مدينة أخرى ومؤتمر آخر.

•••

بشديد من المجاملة يطلب منك البقاء يوما آخر بعد انتهاء المؤتمر فهناك سياحة تسمى سياحة مؤتمرات!!! تردد بلطف شديد شكرا شكرا، على العودة إلى الواقع البعيد عن هنا.. على أن أعود إلى صحفى، ونشرات أخبارى اليومية تذكرنى بكم. أنتم بعيدون عنهم.. عن مواضيع مؤتمراتكم إلا البعض طبعا..

خولة مطر  كاتبة صحفية من البحرين
التعليقات