إن مركز الثقل الجديد للإجماع فى إسرائيل، الآن، هو «عودة جميع المخطوفين، ولو بثمن وقف الحرب». وطبعا، هذا التوجه مرحّب به، لو حدث بشكل بطىء جدا. ومع ذلك، من المهم التركيز على النصف الثانى من المعادلة. يجرى اعتبار وقف الحرب «ثمنا» وتضحية باهظة من الصعب تحمُّلها، وفقط الأمة النبيلة هى القادرة على دفعه بفضل قيمها النبيلة. هذا هراء. إن وقف الحرب فى غزة هو أمر جيد بالنسبة إلى إسرائيل، والثمن المؤلم ستدفعه، إذا أصرّت على العودة إلى القتال.
إن حرب غزة هى أفشل حرب فى تاريخ إسرائيل. لقد حاولوا تسميتها بحرب «السيوف الحديدية»، ونتنياهو سمّاها «حرب النهضة»، لكنها ستُذكر أنها «حرب 7 أكتوبر»، باسم يومها الأول، الذى تكبدت فيه إسرائيل أكبر هزيمة عسكرية مهينة فى تاريخها.
منذ بدء العملية البرية، بعد 3 أسابيع على «المجزرة»، قُتل 407 جنود وجُرح الآلاف. فى هذه الأيام، تخطت هذه الحرب، من حيث طول مدتها، المرحلة المكثفة من حرب الاستنزاف «التى بدأت بين مصر وإسرائيل فى 11 يونيو 1967»، وقريبا، ستحطم الرقم القياسى لحرب 1948.
اليوم، تحاول إسرائيل أن تهزم تنظيما مسلحا محدود القوة منذ أكثر من سنة ونصف السنة، وهذا يعود إلى سببين واضحين. الأول، طبيعة العدو (الذى يعمل وسط السكان المدنيين، ويتخلى مسبقا عن السيطرة على الأرض، وعن القتال الجبهوى، ويكتفى بالاحتفاظ بالرهائن وحرب العصابات وزرع عبوات وكمائن وقناصة من بعيد). والسبب الثانى والمصيرى هو رفض نتنياهو العنيد وحكومته استبدال العدو الحمساوى بطرف حُكم آخر وإنهاء الحرب، لأن هذا سيشكل نهاية لائتلافه، وسيتمكن مواطنو إسرائيل من محاسبته بواسطة لجنة تحقيق رسمية، وإطاحته من خلال الانتخابات.
منذ خرقت حكومة نتنياهو اتفاق وقف إطلاق النار، قُتل المئات من الغزّيين فى القطاع، من دون أن يُقتل جندى واحد. وتنتشر وسط الجمهور نظرية المؤامرة، ومفادها أنهم يخفون عن الإسرائيليين عدد القتلى. وهذا غباء مطلق. لا يمكن إخفاء خبر سقوط قتلى فى إسرائيل الصغيرة. وببساطة، لا يوجد قتلى لأن «تجدُّد القتال» يتجلى من خلال القصف الجوى العنيف والكمائن البرية لسيارات الإسعاف والمسعفين.
لقد استلم رئيس الأركان إيال زامير منصبه باحتفالات كبيرة، وحاول إبهار الحكومة بأوهام «رئيس أركان هجومى» و«قتال عنيف حتى النصر»، وهذا هراء. لن تربح إسرائيل شيئا من الاستمرار فى ضرب غزة وتدميرها، باستثناء القتل الجماعى لغير الضالعين فى القتال، وارتكاب مزيد من جرائم الحرب، وزيادة حدة الكراهية للإسرائيليين واليهود فى شتى أنحاء العالم، وتشديد خناق القانون الدولى ومذكرات الاعتقال.
لقد أدرك زامير، متأخرا، أنه عُيّن فى منصبه على يد مستوى سياسى فاسد، ينتظر منه أن يستأنف حربا سياسية مخادعة والتضحية بالمخطوفين والجنود من أجل احتلال برى للقطاع وإدارته بواسطة حُكم عسكرى. لا يوجد إجماع على هذه الحرب، ولا يوجد عدد كافٍ من الجنود.
إن تسونامى الرسائل التى تطالب بعودة المخطوفين ووقف الحرب ليس سوى جزء من القصة؛ إذ تتكشف تحت السطح أزمة عدم التجاوب مع دعوة الاحتياطيين المُنهكين إلى الخدمة، الذين فقدوا ثقتهم بالحكومة الفاسدة والمراوغة. تماما مثلما حدث فى المنطقة الأمنية فى لبنان سابقا، يجرى استبدال الجنود الاحتياطيين بالجنود النظاميين الذين لا يمكنهم الاعتراض، أو رفض الخدمة.
من المفهوم لماذا يتجنّب الجيش ومن يقف على رأسه وقوع قتلى جدد. من سيقول لعائلاتهم إن أحباءهم أُرسلوا إلى الموت هباءً، وجرت التضحية بهم على مذبح بقاء حكومة نتنياهو والمسيانيين والكهانيين؟
أورى مسغاف
هاآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية